الرئيسية » الفعل الشبابي في المجتمع المغربي: الجزء الأول

الفعل الشبابي في المجتمع المغربي: الجزء الأول

كتبه user B

الجزء الأول: السياسة، صراع الحقول – الحقل السياسي الرسمي

قاسم مصطفى

يعتبر الشباب المخزون الرئيسي لقوة العمل، لهذا فهو يشكل ضرورة قصوى لإعادة إنتاج العلاقات الرأسمالية المبنية على الإستغلال والإضطهاد، كما أن الشباب يتميز بالقدرة على النضال والدفاع عن حقوقه والذهاب إلى أبعد مدى في ذلك، إن للشباب قدرات خلاقة ومبدعة تسعى الطبقات المسيطرة إلى كبحها والتحكم فيها باستمرار، ونظرا لأن الرأسمالية مبنية على التناقض القائم بين من يملك ومن لا يملك، فإن الشباب لا يشكل طبقة اجتماعية مستقلة عن باقي الطبقات، بل تتحدد تشكيلته انطلاقا من هذه التشكيلة الأصلية، ومن خلال التقسيم الطبقي للمجتمع ككل، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تتعرض الغالبية الساحقة من الشباب للاستغلال والاضطهاد؛ يتناول هذا المقال الملامح العامة المميزة لسلوك الشباب المنتمي إلى الطبقات المهمشة في المجتمع المغربي، خلال المرحلة الراهنة؛ انطلاقا من كون هذه الفئة من الشباب لها حاجيات خاصة تتعرض لعدم الإشباع، وبالتالي من الضروري أن تتشكل أشكال متمايزة من المقاومة لحالة عدم الإشباع هاته.

وحتى يتسنى الوقوف عند حجم هذه الفئة يجب التذكير أن المندوبية السامية للتخطيط قد سبق وأن نشرت بأن نسبة الشباب بين 15 و25 سنة تشكل خمس سكان المغرب خلال سنة 2017، كما أنه خلال هذه السنة (2018) بلغت نسبة الطلاب مثلا في الجامعات المغربية حوالي 940 ألف طالب(ة)، تنتمي غالبيتهم الساحقة إلى أبناء الطبقات الشعبية، كما أن نسبة الشباب المعطلين عن العمل حسب المندوبية السامية للتخطيط بلغت في الربع الأول من سنة 2018 حوالي 10 بالمائة غالبيتهم من حاملي الشهادات (مع التحفظ على هذه الأرقام التي تعطي مفهوما هشا للشغل ولا تعكس فعلا حقيقة البطالة بالمغرب).

يشتغل الحقل السياسي المغربي بمنطق خاص هو ثنائية الصراع بين الحقل السياسي الرسمي والحقل السياسي المضاد، والحقل السياسي الرسمي يتميز بأنه مهيكل ومنظم، يشكل فيه المخزن اللاعب الرئيسي وهو الذي يرسم بشكل حصري قواعد اللعبة السياسية وحدودها، كما يتميز هذا الحقل بأنه مغلق، وفي نفس الآن فإن المخزن يعاني باستمرار من غياب قاعدة اجتماعية مستقرة، لهذا فإن قاعدته في تآكل مستمر، كما هو الحال بالنسبة للنخب المخزنية، وهذا ما يفرض على المخزن استقطاب نخب جديدة، حتى يستطيع أن يعيد طرحها في “السوق السياسي” وتقوم هي بإعادة التسويق للمشروع المخزني ولأهدافه، هذا الإستقطاب، أي عملية تجديد النخب تتطلب من المخزن أن يتوفر على أدوات سياسية تسمح له بتشكيل نخب مخزنية شابة يستطيع استخدامها على الأمد الطويل؛ وتشكل الأحزاب السياسية أبرز هذه الأدوات السياسية. ومن هنا يطرح سؤال كيف تتعامل الأحزاب المخزنية مع الشباب؟ وكيف يتعامل الشباب مع الأحزاب السياسية؟

تنبني الأحزاب المخزنية على غاية أصلية أساسية وهي خدمة المخزن مقابل ما يغدقه عليها من “نِعم” ومزايا وكل الفرص التي تتيحها علاقة الخنوع هاته، أي أن هذه العلاقة مبنية على الفساد من جهة، وعلى الإنتهازية من جهة ثانية، ومنه لا يمكن أن نتوقع من الفاعلين الرئيسيين داخل الأحزاب المخزنية أن تكون غايتهم هي تأطير الشباب وتمكينه من أدوات ولوج الحياة السياسية والفعل فيها، بل يتجسد الشباب بالنسبة لهم كأرقام يجب استثمارها لتحقيق المصالح الإنتخابية الضيقة، وكذلك لتدجين الشباب وتوجيههم نحو تبني المشروع المخزني، وفي نفس الآن يسمح لأبناء المتنفذين من هذه الأحزاب أن يتسلقوا داخل الأحزاب التي ينتمي إليها آباؤهم وعائلاتهم، فالإرتقاء في الحزب المخزني يرتبط أساسا بعلاقات المحسوبية والزبونية وعلاقات القرابة وغيرها من أشكال العلاقات المتعفنة؛ لهذا فإن الأحزاب السياسية المخزنية هي نموذج لنفس البينات العامة التي تحكم النسق السياسي المخزني.

يتفاعل الشباب مع هذه الحالة المتعلقة بالأحزاب المخزنية من خلال شكلين محددين (لكن غير نهائيين)، الشكل الأول وهو المنتشر داخل صفوف نسبة قليلة من الشباب الذي ينتمي إلى الفئة المتعلمة (عادة المستوى الجامعي)، هذه الفئة التي تعتقد بأن الإنخراط داخل الأحزاب المخزنية هي طريق سهل وقصير نحو الإرتقاء الإجتماعي والحصول على امتيازات غير متوفرة لباقي الشباب، هذا الإعتقاد الزائف سرعان ما ينكشف بعد أن يتعرف هذا الشباب على طبيعة العلاقات داخل الأحزاب المخزنية والمنطق الذي يتحكم فيها، وهو ما يدفع هذا الشباب إلى الإنتكاس. والشكل الثاني المميز لسلوك الشباب تجاه الأحزاب المخزنية وهو السمة المنتشرة والعامة، ينطلق من كون أن هذه الفئة فقدت الثقة في جميع المؤسسات السياسية بجميع أشكالها بما فيها الأحزاب المخزنية، نتيجة الميوعة العامة المميزة للحقل الحزبي المخزني، ونتيجة غياب أية نتائج إيجابية ملموسة على حياة الشباب، وبالتالي فإن الشباب يتجه دائما نحو مقاطعة هذه المؤسسات، وهو ما يتجلى أساسا في نسب الشباب المقاطعين للإنتخابات ونسبة الشباب المنتمين للأحزاب السياسية، أو حتى لمؤسسات المجتمع المدني المخزنية؛ وفي هذا الإطار ونتيجة الدعاية المخزنية وتمييع الحقل السياسي وإغلاقه، فإن ذلك قد أدى من جهة إلى فقدان الشباب للثقة في جميع الأحزاب حتى المنتمية للحقل السياسي المضاد وهو ما تعبر عنه العبارة التي تتردد كثيرا في ما بين الشباب “كولهوم بحال بحال” أو “مكاينش معامن” التي استقاها الشباب من شخصية “كبور” الشهيرة، وفي نفس الآن فإن هذا الواقع يدفع الشباب في العديد من الحالات إلى شكل من أشكال الإحتجاج والرفض لهذا الواقع من خلال الاحتجاج “بالإنسحاب” من الحياة السياسية المرتبطة بالحقل السياسي الرسمي.

يتميز الحقل السياسي المضاد، أي الذي يقف على النقيض من الحقل السياسي المخزني، بأنه غير مهيكل، مكوناته مشتتة، وهذه هي نقطة ضعفه، وفي نفس الوقت نقطة قوة المخزن، كما يتميز هذا الحقل بأنه في تطور مستمر من حيث أدوات اشتغاله والقوى الفاعلة فيه، فالمخزن من جهة يعمل على استقطاب بعض الأجزاء منه، عبر أدوات التدجين والمخزنة والإغراء .. إلخ، إلا أن هذا الحقل أيضا يغتني باستمرار بقوى الشعب، ومن أبرز ما يغني هذا الحقل هو فئة الشباب المهمش والمكتوي بسياسات المخزن؛ وفي هذا الإطار فإن كل الشباب الذي لا ينتمي إلى الحقل السياسي المخزني، ينتمي بالضرورة إلى الحقل السياسي المضاد، غير أن ذلك لا يعني أن هذه الفئة تنتمي إلى الأحزاب والقوى السياسية المعارضة للمخزن، بل ولا تشتغل بأدوات اشتغال هذه القوى، وهنا يكمن تعقيد جوهري في الحقل السياسي الشعبي. هذا التناقض هو الذي سيتم تناوله في الجزء الثاني من هذا المقال، والذي ستتناول أجزاء أخرى منه المستويات الإجتماعية والثقافية المرتبطة بالشباب.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا