الرئيسية » الشباب والقهر الإجتماعي:من التنمية الإنسانية إلى أزمة الهدر الإنساني

الشباب والقهر الإجتماعي:من التنمية الإنسانية إلى أزمة الهدر الإنساني

كتبه chabiba

بقلم : أحمد صديقي    

     القاعدة الإجتماعية الأساسية في الهرم الديموغرافي المغربي هي فئة الشباب ، فالمغرب – شأنه شأن العديد من دول العالم التابع – بلد الشباب بامتياز وهذا ما يمنحه فرصة كبرى للتنمية الحقيقية إذ أنهم يمثلون أكبر وأعظم “رأسمال”  بشري، الطاقة ، القوة ، القدرة على الإنتاج، الإبداع…كلها خصائص لا نجدها إلا عند فئة الشباب. غير أن واقع الحال يلغي هذه المعادلة القائمة على تناسب ارتفاع قاعدة الشباب وتحقيق مستوى أكبر من التنمية، ليحل محلها مفارقة أخرى تقوم على تناسب اتساع القاعدة الشبابية في الهرم الديمغرافي وارتفاع وتفاقم الأزمة . ليس في اتساع هذه القاعدة يكمن السبب، بل يعدودفي تقديرنا – إلى سبب آخر هو القهر الإجتماعي ، الذي يمثل تعبيرا، من بين تعبيرات أخرى، عن علاقات التبعيةأو غياب الديمقراطية بكل أبعادها الاقتصادية ، الإجتماعية، السياسية والثقافية. فبأي معنى يمثل القهر الإجتماعي سببا رئيسا في عدم تحقيق التنمية؟
أولا : الشباب فئة عمرية غير متجانسة
فرق بين أن نعرف الشيء وأن ندرك خطورته، فأغلب – إن لم نقل كل – الناس على علم بمظاهر وتجليات القهر المسلط على فئة الشباب ، والشباب تحديدا، لكن القليل منهم من يدرك خطورة هذا القهر ، ليس فقط على الفئة التي يستهدفها ، بل على كل تنمية إنسانية حقيقية، لذلك كانت قضية الشباب قضية المجتمع ككل. الإدراك يقتضي البحث في أسباب وعوامل ومستويات وأبعاد هذا القهر. من هم الشباب وما علاقتهم بالقهر الإجتماعي؟
الشباب لا يمثلون “طبقة” بل هم فئة عميرة تخترقها عدة انتماءات طبقية ، إلا أن التقسيم الطبقي داخل هذه الفئة – غير المتجانسة- ( واللاتجانس هنا يمثل سببا آخر في ضرورة تعدد مقاربات تناول قضايا الشباب) قد لا يسعفنا كثيرا في تناول علاقاتهم بالقهر الإجتماعي، وإن شكل الإنتماء الطبقي عاملا رئيسا بل ومحددا داخل هذه الفئة، لا يسعفنا لأن أغلبهم غير منخرط بشكل مباشر في عملية الإنتاج المادية  عندما يتعلق الأمر مثلا بالطلبة أو التلاميذ أو المعطلين…ونظرا كذلك لتداخل قضايا الشباب مع قضايا أخرى كالتربية ، الإعلام،السياسات، الحكومية، خصائص هذه الفئة العمرية…لذلك يمكن القول أن تناول موضوع الشباب تندغم فيه المقاربات النفسية ، الاجتماعية بالتربوية والثقافية…بطبيعة الحال دون فصلها عن قاعدتها المادية والواقعية. مما يفرض الحاجة لمزيد من الإهتمام بها و إنجاز بحوث ودراسات معمقة بخصوص قضايا الشباب ، ولعل القارئ يجد في الدراسات المهمة الي قام الباحث والمنظر الإستراتيجي ” مصطفى حجازي” ،من منظور علم النفس الإجتماعي العيادي، إحدى المحاولات الجادة والقيمة التي تناولت قضايا الشباب ، نشير هنا بالأساس إلى دراسة له من جزئين : ( التخلف الإجتماعي : مدخل إلى دراسة سيكولوجية الإنسان المقهور – ط 9 ، 2005 –  ) و( الإنسان المهدور – ط 2، 2006).
لقد ميز د. حجازي داخل فئة الشباب بين أربع فئات أساسية ، وهو تقسيم نراه مناسبا كذلك في المغرب، مما يعكس بعض القواسم المشتركة بين أنظمة القهر في الوطنين العربي والمغاربي،  تلك الفئات هي :
الشباب المترف : يمثل نسبة قليلة، لا يعرف معنى الجهد، لا يقوم بأي شيء لكن يتمتع بكل شيء، لذلك لا وجود لمفهوم المسؤولية في سلوكه، فراغه الوجودي ينجم عنه فراغ عاطفي وروحي، وهكذا تراه عرضة لتعويض ذلك الفراغ بالتعاطي للمخدرات والكحول ذات الأثمنة الباهضة خصوصا وأن المال متوفر عليه دون عناء.
الشباب المنغرس : فئة تلقى ارعاية والتوجيه وخاصة من طرف العائلة ، غالبا ما تمثل مشاريع لعائلاتها ، لذلك تجد كل الدعم المادي والمعنوي ، ويكون النجاح في غالب الأحيان حليفا لها.
الشباب الطامح : ترتبط أساسا بوضع اجتماعي مأزوم ، ترى في الدراسة أساسا سبيلا لخروجها من وضعية القهر، نتيجة اتساع قاعدتها وتفاقم مشاكلها الإجتماعية لا يكون النجاح حليفا دائما لها ، لذلك ترى في الحق طموحا.
شباب الظل : ما يمكن تسميته كذلك بالفئة المتخلى عنها ، جيش من الشباب لا يدخل في الحسابات الحجومية أو الخطط “التنموية” ، يفتقد – في أنظمة القهر –  لأبسط الحقوق ( التعليم، الصحة، الشغل … والحياة الكريمة) ، لذلك يغيب عندهم الإحساس بالحياة أو بجمالها ومهانيها ، الجسم يصبح عالة وعبئا لأن هناك صعوبة بليغة في إشباع حاجاته (أكل، شرب، نظافة ، لباس…) .غالبا ما تمثل  هذه الفئة قاعدة اجتماعية للحملات الانتخابوية ، كما أن السلطة الأمنية باتت تستغل وضعهم الكارثي لتوظيفهم في استهداف النضالات والتظاهرات السلمية بالاختراق غرض التشويه ، أو من خلال استهداف المناضلات والمناضلين.
هذا الوضع الموضوعي غير المتجانس لفئة الشباب ، والذي لا يتأسس على تحليل طبقي( الموقع في عملية الإنتاج ) ينجم عنه تباين على مستوى المواقف التي يطرحها الشباب أنفسهم من وضع القهر، وإن تداخلت في مواقفهم تلك عوامل أخرى  مرتبطة بحركة الصراع السياسي والإديولوجي داخل البنية المجتمعية المغربية، ومن أبرز تلك المواقف نجد:
الموقف التافه :  مرادف لموقف اللامبالاة وانعدام الشعور بالمسؤولية تجاه الذات والغير، لا يأبه بما يجري ، فاقد لكل استجابة اتجاه ما يحدث في الواقع، يعتبر نفسه متمتعا بحرية مطلقة لأنه خارج عن كل “تصنيف“.
الموقف الغيبي: يعنبر – صراحة أو ضمنا – أن وضعية القهر قدر إلهي أو لربما عقاب من الله على الشرور التي تسبب فيها إنسان جاحد، لأو اختبار لإيمان الناس ، لذلك لا فائدة من مجابهة وضعية القهر ، لأن النجاة الحقيقية إما أنها في فردوس مفقود وحينها يصير الإسلام كلمة سحرية مفتاح لجميع الاسرار ، أو أهنا وعد موعود على الإنسان أن لا يأبه ب”مشاكل الدنيا” لأنها زالة لا محالة.
موقف المغامرة: فئة ترى في الهجرة ( الهروب) حلا، الخلاص يوجد في الضفة الأخرى ، خارج الوطن ، والسبيل لذلك هي الهجرة وإن كانت سرية ومميتة( قوارب الموت =  الحريك)،وراء الضفة فقط يوجد العمل ويمكن ضمان ما تبقى من مستقبل. الموت مرادف للحياة عندهم ، فالأمر سيان، فالحياة داخل بلاد القهر موتا بطيئا من شدة وطأة القهر.
موقف التماهي: موقف غالبية أنصاره  ينتمون لبعض الاحزاب أو هيئات المجتمع المدني المرتبطة بالنظام السياسي، لهم”نية حسنة” في “الإصلاحومحاربة القهر، لكن “تحليلهم ” و”مواقفهم” من القهر ليست سوى صدى للخطاب الرسمي للدولة ، ولذلك يجعلون من العدو( قوى القهر) صديقا وحليفا وحكما.
موقف المجابهة: يعي وضعية القهر ، ويعمل على مجابهتها بكل الطرق  ( الفضح ، الدعاية ، التحريض…) اتخذ من المواقع والمنتديات الإجتماعية وشبكة www وسيلة لذلك، كان ولا زال يلعب دورا اساسيا في الإحتجاجات ضد قوى ومظاهر القهر الإجتماعي بكل مستوياته ( الإقتصادي-السياسي – الثقافي) يحتاج كثيرا للتنظيم والتأطير لأجل تطوير أدائه. وتعي أنظمة القهر بخطورته عليها لذلك تحاربه وتحرمه من الإعلام ووسائل التعبير.
ما نستنتجه من هذا التقسيم القابل للتطوير والتعديل هو التالي: أن المواقف الثلاثة الأولى( التافه – الغيبي-المغامرة ) مواقف هروبية،بوعي منها أو بغير وعي، أي أنها تهرب من واقع حال القهر وتعويضه بسلوان آخر : الحرية المتعددة الشكل عند أصحاب الموقف التافه ، والفردوس المفقود عند أصحاب الموقف الغيبي، والمستقبل المشرق في ما وراء حدود البلد عند أنصار الموقف المغامر( الحل الفردي الذي قد يضل درجة اليأس). في حين أن أنصار موقف التماهي ، وبالرغم من “نيتهم الحسنة” في إصلاح أو “مقاومة” القهر ،إلا أنهم يظلون خاضعين لإديولوجية قوى القهر ( العصبيات – الأصوليات- الإستبداد)، ولذلك فنقدهم لا يكون في محله بل هو نقد من موقع اللاموقع على حد تعبير مهدي عامل ، وبالتالي فالخدمة التي يقدمونها لقوى القهر أكبر من “نقدهمللقهر نفسه.
موقف المجابهة يمثل مقاومة واعية وعقلانية  للقهر، لذك فهو يمثل أكبر خطر على القوى التي تمارس وتدعم القهر ، ولذلك لا يعترف بوجوده، أو قل يتم حجبه، في وسائل الإعلام وفي النقاشات العمومية، مما يفرض عليه تطوير أساليب اشتغاله، وخاصة في فضح أساليب وقوى القهر الإجتماعي، وقد اسفاد بدوره ولا يزال من تطور تكنولوجيا الإتصال عن طريق المتديات الإجتماعية وخاصة الفايسبوك، الذي تحول في شق كبير منه لمنبر الفضح والنقد والتحريض.
تأسيسا على هذا التمييز بين فئات الشباب من جهة ومواقفهم اتجاه القهر الإجتماعي من جهة ثانية يمكن أن نخلص للنتائج التالية:
الشباب طاقة فاعلة وقوة إبداعية.
الشباب هدف لقوى القهر( العصبيات – الأصوليات – الإستبداد)
تحرر الشباب من القهر الإجتماعي هو من صنع أنفسهم، لذلك تطلب الأمر تحريرهم وتأهيلهم لذلك .
ثانيا : من القهر الإجتماعي إلى الهدر الإنساني:
أ – قوى القهر الإجتماعي :
صحيح أن القهرالاجتماعي بمستوياته ( الإقتصادي ،السياسي، الثقافي) لا يمس الشباب وحدهم ، بل يمس فئات وطبقات أخرى ، غير أن قهر الشباب تحديدا بالإضافة لقهر المرأة هو في نظرنا أخطر أشكال القهر على الإنسان والمجتمع، كذلك أن الشباب يهم جنسي الذكور والإناث كما أنه يهم انتماءات طبقية مختلفة، لتبقى الخاصية المشتركة عند الإنسان المقهور بغض النظر عن فئته هي التالي: أنه لا ينظر إليه كعنصر محوري في الخطط التنموية مهما كان مجالها،أي لا يعترف صراحة وقناعة بإنسانيته، أي بوصفه ذاتا واعية بوجودها ، حرة ومريدة تمتلك قيمتها الأخلاقية والإنسانية.مما يولد لديها نتيجة هذا القهر الشعور بالقلق الجذري والحرمان والإحساس بالعجز. فمن الذي يمارس هذا القهر؟
يمكن التمييز بين ثلاث قوى تمارس القهر وهي :
العصبيات القبلية :
الأصوليات  بتلاوينها:
الإستبداد:
والمستفيد الأكبر من القهر الذي تمارسه هذه القوى هو(الإمبرياليةالإستعمار بطبيعة الحال، لأن من خلاله تكرس علاقة التبعية الإقتصادية والسيطة السياسية والهيمية الثقافية، وتجد فيه مبررا للتدخل العسكري والسياسي باسم نشر الديمقرلطية وحقوق الإنسان.
ب- بعض أوجه القهر:تسويق الإنحطاط
الحرمان : الحرمان من أبسط الحقوق الضرورية للعيش لدرجة أصبح فيه الأمر عاديا عند البعض بل و”مقبولا” وصار الحق مكسبا.
رضاعة التسلية: وخاصة من خلال الرامج الإذاعية والتلفزية والإشهارية التي تنسي الناس همومهم لأجل إدخالهم في عالم “المرح الدائم” والفرجة المملة
الدين الكروي أو الأفيون الجديد: والذي يرتبط اساسا بالمشروبات الغازية( كوكاكولا) ومباريات كاس العالم والبطولات العالمية، التي تلهب حماس الجماهير أمام قضايا النادي أو اللاعب لتصبح المقابلة معركة حقيقية وشخصية للمشاهد يمكن له أن يضحي بماله  ووضعه الإجتماعي بل وحياته في سبيلها.
• 
صناعة النجومية السريعة: خاصة في المجال الغنائي المرتبط  ببرامج النجوم ” ( أراب أيديول – أحلى صوت – ستار أكاديمي- ستوديو دوزيم …) والذي يقدم بديلا وهميا لجيش الشباب المقهور كخلاص لوضعية القهر والوصول للشهرة فقط من خلال استعراض مفاتن الجسم عن طريق الفيديو كليب ، أي تشييء الإنسان وخاصة المرأة لتصير سلعة، وربطها كنجمة مشهورة بمنتوج إشهاري ، لينتقل جمالها وويصير جمالا وسحرا للمنتوج الذي يراد تسويقه.
هكذا يصير الإنحطاط هدفا للتسويق في كل المجالات ( فنية- رياضية …) بل وحتى سياسية من خلال الطريقة التي أصبحت تناقش بها القضايا السياسية والمستوى الهابط لبعض القادة السياسيين داخل مؤسسات الدولة ( البرلمان) أو في وسائل الإعلام، ولنا في التجربة المغربية الراهنة خير مثال على ذلك.
ج – موت الإنسان وضياعه:
إن النتيجة السلبية الطبيعية للقهر الإجتماعي وخاصة بعد اسثماره وتوظيفه لتطور تكنولوجيا الإعلام والإتصال ، هو الهدر الإنساني ، الهدر أخطر من القهر ، لأنه حالة مزمنة تعلن عن موت وضياع الإنسان بعد هدر فكره ، وعيه، وطاقته، هدر دم شخص يعني استباحة روحه ، وهدره يعني موته كإنسان أي كفكر وإرادة ووعي وطاقة خلاقة .
ثالثا : بناء الإقتدار الذاتي في مجابهة الهدر :
أ‌- آلية التواطؤ اللاواعي  مع الهدر : بشكل غير واعي يتم التواطؤ مع واقع الهدر من خلال :
– –
الاحتماء بالقدر / المكتوب ، البلاء
– –
البحث عن بطولات في الماضي الذهبي المجيد
– –
الإدمان على الثرثرة، المسلسلات التجارية ، برامج التسلية
– –
المخدرات لمن استطاع إليها سبيلا
– –
المازوشية أو التماهي مع المتسلط

ب‌- بناء الأدوات الذاتية لمقاومة القهر ومجابهة الهدر: إن مقاومة الهدر تقتضي القيام بعدة إجراءات من بينها :
– –
الالتزام بقضية كبرى وامتلاء الوجود ….
– –
الوطنية
– –
الكفاءة المهنية / الدراسية / العملية
– –
الحصانة القيمية والخلقية
– –
التفكير الإيجابي والعواطف الإيجابية ( عبر رابط الأمل ) ، فما أجمل أن نحلم ..دون أن نفقد الصلة بالواقع.

ملاحظة أخيرة: إن هذه المساهمة قد اعتمدت بشكل كبير جدا على الدراسة المهمة التي قام بها الباحث “مصطفى حجازي” من خلال مؤلفيه  : ( التخلف الإجتماعي : مدخل إلى دراسة سيكولوجية الإنسان المقهور – ط 9 ، 2005 –  ) و( الإنسان المهدور – ط 2، 2006). ولذلك فهي تمثل دعوة متجددة لقراءة ومعاودة الإطلاع عليهما وإغناء الأفكار الرواردة فيهما.

أحمد صديقي

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا