الرئيسية » التعليم عن بعد: تكريس للفوارق الطبقية وضرب لتكافؤ الفرص

التعليم عن بعد: تكريس للفوارق الطبقية وضرب لتكافؤ الفرص

كتبه saad mertah

سفيان النوري

  اتخذت الدولة المغربية كغيرها من البلدان مجموعة من التدابير الإحترازية لمواجهة فيروس كوفيد-19 ومن ضمنها توقيف التعليم الحضوري واستبداله بالتعليم عن بعد لإنقاذ الموسم الدراسي، معلنة عدة إجراءات، في هذا الصدد، كاعتمادها بعض المواقع الخاصة التي تتيح للتلاميذ والطلبة متابعة دروسهم  أو بعض القنوات التلفزية كالرابعة والأمازيغية والرياضية. غير أن هناك جملة من الأسئلة التي تؤرق الرأي العام وأسر الفئة المتعلمة وكل متتبع لهذا الإجراء، وهي هل تتوفر الدولة المغربية أساسا على بنية تحتية وأجهزة معلوماتية وأطر وكوادر وبنية تأطير بيداغوجي تسمح لها باتخاذ هكذا اختيار؟  وهل هذا القرار الذي اتخذته الدولة في قطاع التعليم وتدافع عنه باستماتة كان مبنيا على دراسة لواقع التعليم ببلادنا وأهم الإشكالات والتحديات المطروحة عليه؟ أم كان كسابقه من القرارات فوقيا بيروقراطيا اتخذ بعيدا عن واقع المعنين من مؤطرين أساتذة وطلبة وتلاميذ وأولياء أمورهم ومجتمع؟ وما موقع الحركة الطلابية من هذه التدابير في قطاع التعليم العالي تحديدا؟

  بداية ستتم محاولة تحديد مفهوم التعليم عن بعد، ثم ستتم مناقشة الأسئلة المطروحة لمحاولة الإجابة عنها  انطلاقا من حزمة الإجراءات التي اتخذتها الدولة في القطاع.

  التعليم عن بعد هو منهجية تستخدم فيها الوسائل التكنولوجيا والمعلوماتية (حاسوب، هاتف، فيديو، الطباعة، مراسلة…) باعتبارها وساطة لنقل المعلومة من طرف الملقي أو المعلم (…) إلى طرف آخر هو المتلقي أو المتعلم، وفي هاته الحالة لا يكون فيها المتعلم حاضرا جسديا في المؤسسة التعليمية (جامعة، مدرسة، معهد…) ويتلقى تعليما في منصة رقمية محددة، بحيث توجد مسافة مادية فاصلة بين هذين الطرفين أي المتلقي والملقي أو المتعلم والمعلم. ويستدعي قبل اعتماد أسلوب التعليم عن بعد من طرف الدولة أن توفر مجموعة من التدابير الإستباقية الأساسية والضرورية لكي يحقق التعليم عن بعد أهدافه المتوخات منه، سواء المتجسدة في التربية وغرس القيم الثقافية والإجتماعية والوطنية والإنسانية أو المتجسدة في اكتساب وتعلم المعارف والمهارات الأولية من أجل ولوج السوق الشغل؛ ومن بين التدابيرالإستباقية الأساسية والضرورية ما يلي:

  • التوفر على بيداغوجية وديداكتيك يتناسبان والتعليم عن بعد.

  • بنية تحتية تستوعب التغييرات الهائلة في مجال التكنولوجيا المعلومات.

  • إجراءات تنظيمية من قبيل تشكيل فرق من أساتذة ومعنيين وخبراء في هذا القطاع لإعداد المقرارات الدراسية المتعلقة بالتعليم عن بعد.

  • بناء وتدريب أطر وكوادر (أساتذة، معلمين، مدراء، موظفين وغيرهم ..كل حسب مجال اشتغاله)، متمكنة من التقنية وقادرة على إيصال المعلومة للمتعلم عن طريق التعليم عن بعد.

  • توفير المكتبات الإليكترونية وتجهيزها للمتعلم.

  • إنشاء جامعة إليكترونية للتعليم عن بعد.

  • توفير الأجهزة والأدوات الضرورية للمعلم وللمتعلم لمتابعة التعليم عن بعد وخلق تفاعلية بينهما.

  • توفير شبكة الأنترنيت للمتعلم وللمعلم على حد سواء وبالمجان …

  يعرف أن قطاع التعليم ببلادنا يعيش أزمة خانقة بسبب السياسات النيوليبرلية التي تسنها الدولة في هذا القطاع، وحسب الإحصائيات الرسمية للدولة، فإن التعليم الحضوري تشوبه مجموعة من الإشكالات والإكراهات ناهيك عن التعليم عن بعد؛ ويكفي أن نستعرض بعض من هذه الإحصائيات في التعليم الحضوري لنفهم أنه لا بنية تحتية (جامعات إليكترونية، مكتبات إليكترونية..) ولا تأطير بيداغوجي (أساتذة، معلمين، مدراء، موظفين وغيرهم من الكوادر والأطر التي لها تكوين في هذا التخصص ) ولا أجهزة معلوماتية (هاتف ذكي، حاسوب …) ولا خطة تنظيمية (البرمجة، الهيكلة …) متوفرة لدى الدولة المغربية لتعتمد أسلوب التعليم عن بعد. فمن بين هذه الإحصائيات نذكر أن عدد الجامعات في المغرب يصل إجمالا إلى 23 جامعة منها 12 جامعة عمومية، و5 في إطار الشراكة، و5 خاصة وجامعة واحدة بتدبير خاص، فيما وصل عدد الإجمالي للطلاب إلى 1.009.678 في كل من التعليم العالي الخاص والتكوين الأطر والتعليم العالي الجامعي ويقابل هذا الكم الهائل من الطلاب 20.829  أستاذ جامعي لتصل بذلك كل من نسبة التأطير البيداغوجي إلى 194 طالب لكل أستاذ جامعي والطاقة الإستعابية إلى 100 مقعد لكل 329 طالب، كما أن المعطيات من جهة ثانية تشير إلى أن العدد الإجمالي لولوج فئة الشباب المغربي المتراوحة أعمرهم بين 19 و 23 سنة للتعليم الجامعي لا يتجاوزنسبة 25% أي أن 75% من الشباب والشابات إما ينقطعون عن الدراسة أو أنهم لم يلتحقوا بها نهائيا . إن كل هذه الإحصائيات تحيلنا على أن اعتماد أسلوب التعليم عن بعد لا يمكن إلا أن يساهم في تقوية التفاوتات الطبقية؛ فأبناء الطبقات الغنية يتوفرون على التجهيزات المطلوبة في كل مايتطلبه هذا الأسلوب، عكس أبناء الطبقات الشعبية الذين لا يتوفرون لا على شبكة الإنترنيت ولا على الأجهزة التي تمكنهم من متابعة دروسهم عن بعد ناهيك عن أبناء المناطق القروية الذين لا يتوفرون حتى على الخدمات الضرورية الماء الكهرباء تغطية شبكات الإتصالات والتلفزيون وغيرها من الإحتياجات، وبذلك تضرب الدولة المغربية مبدأي الإنصاف وتكافؤ الفرص – التي يجب على الدولة أن تحترمها في العملية التعلمية – عرض الحائط. إن الدولة خلال إقرارها لهذه الخطوة لم تولي اهتماما بهذه التدابيراللازمة التي يجب أن تتوفر قبل اعتماد أسلوب التعليم عن بعد، والتي وضعتها الدول التي تحترم نفسها نصب أعينها كأساس ومنطلقات في اعتماد هذا الأسلوب، بينما اتجهت الدولة المغربية إلى اعتباراها مجرد شكليات متجاوزة، وأن الأهم من وجهة نظرها هو إنقاذ الموسم الدراسي بأي ثمن وبأي وسيلة ولا يهمها على حساب من.

  إن أقل ما يقال عن هذا التدبير الذي اتخذته الدولة في قطاع التعليم هو أنه خطوة ارتجالية فوقية شأنها شأن باقي القرارات والسياسات التي اتخذتها الدولة من ذي قبل ( قانون الإطار 51.17، نظام البكالوريوس…) وذلك لإعتبار أساسي وهو أن الدولة لم تقم ولو بدراسة أو إحصائية واحدة في أوساط الفئة المعنية بتنفيذ هذه القرارات أي فئة الطلبة حول إشكالاتها واحتياجاتها في هذا الصدد، وبالتالي فإن هذه الفئة هي المتضرر الأكبر من هذه التدابير والقرارات والسياسات المرتجلة لأنها في نهاية الأمر هي التي تحصد نتائج هذه القرارات.

  لا يسمح الواقع المأزوم للحركة الطلابية بأن تتصدي لهذه السياسات فواقع التشتت والتشرذم وغياب الأداة التنظيمية والوحدة بين مكوناتها يجعل منها – أي الحركة الطلابية – غير قادرة عن الدفاع عن مكتسبات وحقوق هذه الفئة ويضعها أمام فواهات كل المخططات التصفوية، الأمر الذي يجعل من مهمة توحيد مكونات الحركة الطلابية وإعادة بناء الإتحاد الوطني لطلبة المغرب مهمة لا محيد عنها وكل تأخير وتأجيل لهذه المهمة سيؤدي بها وبقطاع التعليم إلى ما لا يحمد عقباه.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا