الرئيسية » بدر عريش – العمل النقابي والشباب

بدر عريش – العمل النقابي والشباب

كتبه saad mertah

   في البداية لابد أن نقوم بتعريف ولو مقتضب للنقابة باعتبارها تنظيم ديمقراطي للمأجورين ينشئونه وينخرطون فيه طواعية من أجل الدفاع عن مطالبهم المادية والمعنوية بالوسائل المشروعة التي يحددونها، لكن لا يجب أن يفهم من هذا التعريف أن النقابة تبقى حكرا فقط على المأجورين بل يمكن أن تشمل عموم فئات الشغيلة غير المأجورين من فلاحين كادحين وحرفيين صغار وفئات أخرى كالطلبة والتلاميذ والمعطلين.

   أهمية التنظيم النقابي تتجلى في الدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للمأجورين لكن لا يجب فقط اختزال النقابة في هذا الدور، فالعمل النقابي الجاد يجب أن يربط بين النضال من أجل تحقيق مكاسب مباشرة للعمال/ات والنضال الاستراتيجي ضد الاستغلال. ومعلوم أن مفهوم الاستغلال لصيق بالمجتمع الطبقي الذي يستحوذ فيه مالكوا وسائل الإنتاج على منتوج الكادحين المجردين من وسائل الإنتاج. لكن هذا لا يلغي أهمية تحقيق مكاسب مادية ومعنوية للأجراء لأنها هي الكفيلة لتجعل العمال/ات والمأجورين يواصلون نضالهم ضد الاستغلال.

 

  • واقع العمل النقابي اليوم

   واقع العمل النقابي اليوم يتسم تدني نسبة التنقيب في المغرب والتي لا تتعدى 6 في المائة في أحسن الحالات والتي لا يمكن أن نفهما خارج سياق التقسيم الذي عاشته الحركة النقابية المغربية، فمعلوم أن نقابة الإتحاد المغربي للشغل كانت النقابة الوحيدة بالمغرب منذ مارس 1955 إلى مارس 1960 تاريخ أول عملية تقسيمية عرفتها الحركة العمالية المغربية بعد الاستقلال الشكلي، حيث قام حزب الاستقلال بتأسيس نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب بمبرر أن الاتحاد المغربي للشغل نقابة منحازة للقوى التقدمية وهو نفس التبرير الذي اعتمده التنظيم السياسي الرجعي المسمى ‘’جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية’’ والذي أسس الاتحاد النقابي للعمال الأحرار سنة 1963.وفي مرحلة لاحقة تم إنشاء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تحت مبرر أن الاتحاد المغربي للشغل (نقابة خبزية) وبيروقراطية. ومنذ ذلك والحركة النقابية المغربية تعرف التشظي تارة من طرف السلطة والأحزاب الرجعية وتارة من طرف القوى الانتهازية تحت مبرر التعددية النقابية واعتبارها وهذا هو الخطير إحدى مقومات الديمقراطية.

   إضافة لما تم ذكره سابقا فالنظام السياسي المغربي ساهم ولا زال يساهم في إضعاف النقابات بالمغرب وذلك بإفساد النقابات ودعم البيروقراطية باعتبارها الأداة السياسية للمخزن داخل النقابات وكذلك عبر التضييق وقمع كل عمل نقابي ديمقراطي جاد، دون أن ننسى الأدوار التي تقوم بها الباطرونا حيث تعمد إلى الطرد والتسريح ومحاربة العمل النقابي وإرشاء النقابين وتشجيع الريع.

 

  • راهن الشبيبة العاملة.

   الشباب هو المخزون الرئيسي لقوة العمل، ناهيك عن صفات الاندفاع والحماس والقوة التي تميز هذه الفئة دون غيرها، لذلك تجدها دائما مستهدفة من طرف المخزن ومؤسساته (المدرسة، الإعلام…) الذي دائما يحاول تدجين هذه الفئة وقمعها وتوجيهها لإعادة إنتاج نفس شروط الاضطهاد والهيمنة والاستغلال.

   إن واقع الشبيبة العاملة ليس منعزلا ومختلفا عن واقع الشبيبة المغربية بشكل عام وليس استثناء لما تعيشه الطبقة العاملة المغربية نتيجة الهجوم الليبرالي الذي يشنه النظام المخزني والكتلة الطبقية السائدة على ما تبقى من المكتسبات الهشة للطبقة العاملة، عبر محاولات النظام المتكررة لتمرير مشروع القانون التكبيلي للإضراب والتراجع وتجميد عدد من مقتضيات مدونة الشغل على علاتها والاستعداد لمراجعة مجموعة من المواد تحت مسمى “المرونة” و”تشجيع الاستثمار”، إضافة الى طرح مشروع قانون النقابات الذي يهدف من خلاله النظام المخزني الى التحكم في العمل النقابي وعرقلته رغم تواجد مدونة الشغل وظهير 16 يوليوز 1957 كقوانين تؤطر العمل النقابي الا ان المحزن يريد خنق النقابات لتحييدها عن لعب أي دور مجتمعي مستقبلا.

   يعمل المخزن على تفكيك القطاع العمومي وأنظمة الوظيفة العمومية وضرب الحق في الشغل القار وتعميم الشغل الهش عبر العمل بنظام العقدة والعمل على تعميمها على مختلف القطاعات رغم النضالات البطولية التي خاضها الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ضد العمل بالعقدة والمطالبة بالإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية.

   إن ما يزيد الطينة بلة بالإضافة لما تم ذكره هو ضعف انخراط الشباب في العمل النقابي، والنفور من النقابات ومن التنظم فيها والاتجاه نحو العمل الفئوي والتنظم في إطار تنسيقيات او ائتلافات تكون مهمتها ملفات محددة في الهدف والمدة تنتهي مهمتها بتحقيق الهدف الذي أنشأت من أجله أو تنتهي بالفشل في عدم الوصول الى مبتغاها. زد على ذلك غياب/ضعف الديمقراطية الداخلية داخل الإطارات النقابية وعدم تشجيع الشباب على الانخراط بها خصوصا مع غياب/نقص برامج تستهدف الشباب وسيادة عقليات ترى في الشباب منافسا لها في مراكز القيادة وهو ما يفوت على هذه الإطارات فرصة تشبيب قياداتها التي شاخت.

 

  • مـــــــا الــعـــمــل؟

   بالرغم كل ما قمنا باستعراضه حول واقع العمل النقابي وراهن الشبيبة العاملة وبالرغم من التراجع الذي عرفته النقابات لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، إلا أن العمل النقابي يظل مهمة أساسية ولا يمكننا بأي حال من الأحوال تخيل مجتمعنا بدون نقابات وبدون فعل نقابي. فماهي المداخل لحلحلة الوضع الحالي؟

   إن الشباب هو المدخل الأساسي للرقي بالعمل النقابي وتجاوز الوضعية الحالية، فالشباب مطالب بالانخراط أكثر بالنقابات العمالية والدفاع عن الديمقراطية الداخلية ونبذ الفئوية التي تشتت النضالات ولا تراكم ايجابا في سيرورة النضال ضد الاستغلال، ولكي ينخرط الشباب أيضا بالعمل النقابي يجب على النقابيين الديمقراطيين والتقدميين بدل مجهود أكثر  لتوفير شروط تشجع الشباب على الالتحاق بالنقابات عبر تخصيص مثلا كوطة شبابية لا تقل عن 20 في المائة في المواقع القيادية للنقابات وقطاعاتها، مع ضرورة وجود تنظيمات موازية شبيبية داخل الاطارات النقابية تعنى بالشباب وقضاياهم وانشغالاتهم وتقوم بأنشطة وبرامج تستهدفهم للرفع من وعيهم النقابي ودمجهم في العمل النقابي.

   كما أن العمل النقابي يؤثر/يتأثر بالوضع العام لنضال شعبنا وبسيرورة تطور وثيرة الصراع الطبقي ببلادنا، وبالتالي كلما تقدم نضال الشعب المغربي في بناء ديمقراطية حقيقية  كلما انفتحت أفاق أكثر لدمقرطة النقابات وهو ما سيساهم لا محالة في دمج الشباب في العمل النقابي.

 

نشر هذا المقال في جريدة النهج الديمقراطي – عدد دجنبر 2019

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا