الرئيسية » مستعملي المخدرات.. أية بدائل لإنقاذهم من سياسة العقاب الممنهجة والاستغلال السياسي؟

مستعملي المخدرات.. أية بدائل لإنقاذهم من سياسة العقاب الممنهجة والاستغلال السياسي؟

كتبه user B

زينب السايح

تخلد المنظمات الحقوقية والمنظمات الصحية الدولية والوطنية التي تعمل في مجال التقليص من مخاطر المخدرات، اليوم العالمي للتحرك “ندعم ولا نعاقب”، الذي يصادف اليوم الدولي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها والذي يصادف أيضا اليوم العالمي لمناهضة التعذيب الذي يخلده العالم يوم 26 يونيو من كل سنة، عبر تسليط الضوء على قضية مستعملي/ت المخدرات الذين مازالوا يتكبدون الويلات جراء سياسات الحرب على المخدرات التي لم تنتهي بعد، رغم أن العالم اليوم قد سار خطوات متقدمة نحو نهج سياسات بديلة تهدف إلى تقليص مخاطر المخدرات كمقاربة صحية وحقوقية وإنسانية.

فبعد فشل سياسة الحرب على المخدرات باهظة الثمن التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أودت بحياة الملايين من البشر، وصلت إلى حد الإعدام في بعض الدول والقمع والاحتجاز والرعب، ناهيك عن ارتفاع نسبة الأمراض الناجمة عنها وارتفاع نسبة النزوح نتيجة الهروب من القمع والتعذيب.

إن سياسة القمع التي كانت محور سياسات الدول في إطار مكافحتها للمخدرات كانت نتائجها وخيمة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والصحي، متمثلة في:

  • تنامي شبكات من المتاجرين والعصابات المستعدة والحريصة على التجارة في بضائع مهربة أخرى، حتى لو كانت أقل ربحا،

  • تآكل هياكل الدولة ومناخ القانون والنظام،

  • ازدياد نسبة الأمراض والجريمة،

  • محنة آلاف الناس الذين فروا من أرضهم وديارهم ووظائفهم لتجنب العنف والاعتقال.

ليشهد العالم بعد ذلك بدايات التحول في السياسة العالمية في الحرب على المخدرات، فمع نمو النضالات وتعالي الأصوات الحقوقية عبر العالم المنددة بالتعذيب وتجريم مستعملي المخدرات وسياسة التهميش والاستبعاد والقمع التي تطالهم. فخلال الثمانينات، واجهت سويسرا أزمة صحية عامة نتيجة إدمان الهيروين، وتزايدت معدلات الإصابة بالإيدز وانتشرت الجرائم في الشوارع مما اضطر الحكومة السويسرية إلى تقليص المخاطر الناتجة عن المخدرات. فبادرت إلى إنشاء مستشفيات خاصة لعلاج مرضى الإدمان وتوفير برامج الوقاية لمنع انتقال الأمراض (توزيع الحقن المجانية المعقمة، توفير قاعات خاصة للحقن، تعيين أخصائيين نفسيين واجتماعيين لمساعدة المرضى..). فكانت النتيجة جد إيجابية، حيث أدت إلى انخفاض الجرائم الناتجة عن المخدرات وحصول المرضى على وظائف قارة وانخفاض عدوى الإيدز والالتهاب الكبدي نوع سي. وبعد هذا النجاح الباهر الذي عرفته سويسرا في تغلبها على مخاطر المخدرات، نهجت دول أخرى من أوروبا وأمريكا نفس السياسة البديلة متخلية عن سياسة الحرب على المخدرات.

في هذا السياق تأتي الحملة الدولية “ندعم ولا نعاقب” التي بدأت في أول مرة سنة 2013 في 41 مدينة عبر العالم، لتتوسع بعد ذلك وتشمل 98 بلدا، مطالبة بتغيير القوانين الزجرية التمييزية وسن تشريعات تجرم التمييز والوصم اتجاه مستعملي المخدرات، وضمان الولوج للخدمات الصحية لمرضى الإدمان على المخدرات وتبني استراتيجيات صحية تجعل مستعملي المخدرات في صلب اهتماماتها.

الحرب على المخدرات مازالت مستمرة في المغرب:

وفي المغرب كبلد فيه نسبة متعاطي المخدرات جد مرتفعة، لا زال مع الأسف يسن تشريعات وسياسات مجحفة في حق متعاطي المخدرات، وكل الخطط التي عمل عليها في هذا الإطار تبقى مجرد در الرماد في العيون، بحيث مازال الآلاف من شبابنا وشاباتنا يعانين من التمييز والوصم وتردي أحوالهم الصحية والنفسية والعقلية جراء تعاطيهم لهاته السموم الخطيرة التي تودي بحياتهم ومستقبلهم، بالإضافة إلى كون نسبة الأمراض المتنقلة وسطهم لا زالت تعرف تصاعدا خطيرا، خاصة الأمراض الفيروسية مثل فيروس نقص المناعة المكتسب، فيروس الالتهاب الكبدي نوع سي والجرعة الزائدة والسل، ناهيك عن تصاعد نسبة العنف والاعتقال والاحتجاز. كما برزت آثار اقتصادية صرفة متمثلة في فقدان الدولة لرؤوس أموال بشرية،  وأخرى اجتماعية تتمثل في انخفاض معدلات الأداء الذي قد يفقد لبعضهم وظائفهم، فكثرت البطالة داخل المجتمع وارتفعت نسبة الهدر المدرسي وارتفاع نسبة الجريمة.

كل هذه مشاكل ستبقي المخدرات في تصاعد مستمر، كذلك بسبب التوجهات النيوليبرالية الممنهجة التي أساسها التخلي عن قطاع الصحة عبر سياسة التقشف وضعف الميزانية المخصصة. لهذا فالمغرب يعرف ترديا كبيرا في البنيات التحتية الخاصة بعلاج تعاطي المخدرات، ناهيك عن النقص الكبير في الموارد البشرية رغم تغنيه بالدفاع عن حقوق مستعملي/ت المخدرات غير أن الواقع يفند زيف شعاراته.

ففي المغرب يموت كل سنة 71 ألف مواطن ومواطنة نتيجة إصابتهم بفيروس الالتهاب الكبدي نوع سي، فحسب منظمات وطنية تشتغل في مجال التقليص من مخاطر المخدرات، يمكن تفادي وفاة أكثر من 71000 مواطن مغربي ومغربية، وتجنب 30000 حالة سرطان الكبد، بحلول سنة 2050، وإنهاء هذا الوباء في غضون سنوات وذلك عبر ضمان الحق في الاستفادة من العلاج المصنع محليا ذو كلفة منخفضة نسبيا. فحسب منظمة الصحة العالمية يمكن أن تشفي الأدوية المضادة للفيروسات أكثر من 95% من الأشخاص المصابين بعدوى التهاب الكبد سي، مما يحد بالتالي من مخاطر الوفاة بسبب تشمع الكبد وسرطان الكبد، بيد أن إتاحة التشخيص والعلاج منخفضة.

غير أن الدولة المغربية لم تراعي المصلحة الفضلى للوطن وللمواطنين/ات واستمرت في نهج سياسة العقاب والاعتقال وملء السجون بمدمنين كان بالإمكان أن توفر لهم العلاج والادماج والوقاية بدل القمع والزج بهم في السجون.

سياسة العقاب من خلال القوانين المغربية:

اتخذت الدولة المغربية سياسة واضحة وصارمة من أجل مكافحة أشكال الجرائم المرتبطة بالمخدرات وفق سياسة جنائية منسجمة مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها في هذا الشأن، أهمها الاتفاقية الفريدة للمخدرات لسنة 1961، اتفاقية فيينا لسنة 1971 للعقاقير المنشطة للذهن واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988.

كما أن جريمة استعمال المخدرات تناولها القانون الجنائي في الفصل الثامن من ظهير 1974 بقوله “يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة يتراوح بين 500 و5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من استعمل بصفة غير مشروعة إحدى المواد أو النباتات المعتبرة مخدرات”.

ويؤكد الفصل ذاته في الفقرة الثانية على أن “المتابعة الجنائية لا تجرى إذا وافق مرتكب الجريمة بعد فحص طبيب بطلب من وكيل الملك على الخضوع خلال المدة اللازمة لشفائه إلى علاجات القضاء على التسميم التي تقدم إما في مؤسسات علاجية طبق الشروط المنصوص عليها في الفصل 80 من القانون الجنائي، وإما في مصحة خاصة تقبلها وزارة الصحة العمومية”.

وباستقراء مضامين هذه الفقرة، نجد على أن السياسة التشريعية للمشرع المغربي في شأن جريمة استعمال المخدرات قد فتحت المجال الواسع لمبدأ العلاج بدل العقاب، وهي السمة البارزة للتشريعات في العصر الحديث، بحيث تهدف في المقام الأول إلى تخليص المدمن من المخدرات ومعالجته وتخطي مشكلته والتأقلم مع الوضع الجديد، واعتبار أن مشكلة الإدمان على المخدرات هي مشكلة مرضية وأن المدمن عليها إنسان مريض وجب معالجته وإعادة تأهيله. غير أن نادرا ما تفعل النيابة العامة لمقتضيات في هذا القانون حيث تجري المتابعة الجنائية فيما يخص الأفعال المنصوص عليها في المقطع الأول.

الاستغلال السياسي لمتعاطي المخدرات:

يعتبر الاستغلال السياسي لهذه الفئة وجها آخر من أوجه معاناتها، فالسلطات المغربية دائما ما كانت تسعى إليهم وتحويلهم كبلطجية يقمعون ويعنفون ناشطي الحركات الاحتجاجية والتنظيمات المناضلة، ففي بعض الوقفات والتظاهرات السياسية يجد هؤلاء الناشطين/ات المعارضين/ات أمامهم جيش من البلطجية (أغلبيتهم من متعاطي المخدرات) يحمل أسلحة بيضاء، ومستعد لارتكاب العنف بإشارة واحدة من السلطات فقط.

إضافة إلى استغلاله في مختلف التظاهرات الانتخابية من بعض الأحزاب المدعومة بالمال الفاسد، حيث يتم تحويلهم إلى قاعدة انتخابية إلى هاته الأحزاب من جهة، ومن جهة أخرى استعمالهم في حملاتها الانتخابية.

“بويا عمر” وجه آخر لسياسة العقاب:

لقد كان ضريح “بويا عمر” أو “كوانتانامو المغرب” قبل إغلاقه قطبا للتصوف الجنوني بالمغرب ونقطة سوداء في تاريخنا المعاصر، حيث كان بالنسبة للمرضى ولمتعاطي المخدرات مركزا للاحتجاز وليس مكانا للعلاج، هؤلاء المرضى الذين لفظتهم المنظومة الصحية المغربية البئيسة أجبروا على اللجوء إليه تحت حجة العلاج وطرد الجن والعفاريت من أجساد المتلبسين به والمصابين بالصرع وكذلك المصابين بالضعف العقلي بسبب الإدمان على تعاطي المخدرات.

هذا الضريح سبب أضرارا نفسية وعقلية وخيمة على وافديه يصعب مسحها من الذاكرة، وبالرغم من تعالي الأصوات المنددة والمطالبة بإغلاقه، أمعنت الدولة المغربية على غض بصرها لسنوات عنه بعد أن رفعت يديها عن قطاع الصحة مستغلة بذلك البؤس الاجتماعي والجهل والتجارة في المعاناة الإنسانية.

المرأة المتعاطية في ظل غياب حماية اجتماعية:

تعيش المرأة المتعاطية عنفا مزدوجا نتيجة وضعيتها الهشة ونظرا لظروف عيشها القاسية والتي تتسم بالعنف والاستغلال، والوصم والتشرد والإقصاء والتهميش والأمراض النفسية والجسدية المترتبة عن الإدمان، مما يجعلها عرضة أكثر من الرجال إلى امتهان الدعارة وتبني سلوكيات تشكل خطرا على صحتها. كالإصابة بمجموعة من الأمراض المنقولة جنسيا. ونظرا لكون العنف المسلط عليها هو عنف مزدوج يعكس طبيعة المجتمع الذي يكرس دونية المرأة بشكل عام، المرأة المتعاطية بشكل خاص، ويحملها مسؤولية وضعها الذي يزداد سوءا في غياب مراكز للتكفل فيبقى الشارع هو ملاذها الأخير.

خطر المخدرات يسائل المنظومة التعليمية:

في غياب منظومة تعليمية قائمة على مقاربة وقائية كفيلة بتقليص مخاطر المخدرات في صفوف التلاميذ/ات، فخطر المخدرات كان له وقع وخيم وكان سببا في فشل آلاف التلاميذ في مشوارهم الدراسي مما أدى إلى ارتفاع نسبة الهدر المدرسي. فتعنت الدولة على إدماج الوقاية في المقررات والمناهج الدراسية كان سببا مباشرا في ارتفاع نسبة الاصابة بالإدمان وسط التلاميذ والتلميذات اضافة الى غيابة مقاربة زجرية لتجار المخدرات الذين يمارسون تجارتهم بشكل علني أمام المدارس والثانويات.

بديل آخر ممكن:

بعد التجارب الفاشلة في الحرب على المخدرات، لجأت مجموعة من الدول إلى سن سياسة بديلة ترتكز على تقليص المخاطر الاجتماعية والصحية والاقتصادية للقضاء على هذه المشكلة الصحية.

الرهان في بلدنا اليوم، وفي هذه المرحلة، رهان على الديمقراطية، فلا حقوق ولا تغيير بدون ديمقراطية حقيقية إذا كنا على وعي تام بالمسؤولية التي نتحملها شعبا وتنظيمات سياسية ونخبا فكرية؛ فإن مسؤوليتنا مزدوجة إذن، بقدر ما تخص ضرورة الوعي بقضية تعاطي المخدرات الذي يخرب عقول الشباب/ت؛ تخص كذلك ضرورة الوعي بما يعيشه راهنا المغربي من أشكال التردي السياسي، الناتج عن غياب نظام ديمقراطي يحمي الحقوق والحريات ويسعى إلى ازدهار الوطن القادر لوحده على إخراجنا من الورطة التي تتسع كل يوم أكثر.

إن النضال الحقيقي يجب ألا يفصل في الحقوق ويجزئها، فهي منظومة شاملة وكونية، فقضية متعاطي المخدرات هي جزء من الإشكالات التي يعاني منها بلدنا والتي يمكن أن تدمر جيلا بكامله خاصة قاعدة الهرم الاجتماعي المتمثل في الشباب والشابات. فعلى المنظمات السياسية والديمقراطية خاصة الشبابية والنقابات خاصة التعليمية أن تلفت الانتباه الى ظاهرة المخدرات التي تشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع وتكثف الجهود والنضالات من أجل سن تشريعات قانونية تجرم التمييز والوصم وتعطي الأولوية لحقوق متعاطي المخدرات خاصة الحق في الصحة والإدماج الاجتماعي والنفسي وضمان الحق في الوقاية خاصة في المناهج الدراسية وفي الاعلام العمومي وتشديد الخناق على تجارة المخدرات والمطالبة بوضع آليات للتفاعل بين نظام العدالة الجنائية ونظام الرعاية الصحية.

فبدون معالجة القضايا الصحية، بما في ذلك إساءة استعمال المخدرات والإدمان، لن تكون مجتمعاتنا قادرة على التطور المستدام، فلا تنمية مستدامة بدون صحة وبدون اهتمام بالإنسان.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا