الرئيسية » في ضرورة إسقاط مشروع قانون الإطار المتعلق بالتعليم

في ضرورة إسقاط مشروع قانون الإطار المتعلق بالتعليم

كتبه user B

في ضرورة إسقاط مشروع قانون الإطار المتعلق بالتعليم

قاسم مصطفى

    تخلل مسار المنظومة التعليمية المغربية الرسمية، العديد من التحولات منذ تأسيس الدولة المغربية بشكلها الحديث، شكل أسست له وفعلت فيه القوى الإستعمارية خصوصا الفرنسية، فحسمت شكله الثابث وخطوطه المتغيرة حسب الأحوال المستجدة، لم يكن ذلك ليتم لولا ارتباط هذه المشاريع بعملاء يسهرون على تنفيذه داخليا، هؤلاء العملاء المتكثلون في المخزن، أي النظام السياسي الجاثم على صدر الشعب المغربي. تحولات عديدة طرأت كانت معالمها الكبرى الجوهر التقليداني الذي من المفترض منه أن يحافظ على جوهر الدولة المغربية، وهو جوهر تقليداني متخلف، قوامه الأساسي تغييب الفكر النقدي والقيم الديمقراطية والمهارات الفنية واللغوية والإبداعية التي يمكنها أن تسمح بنهضة المجتمع وتطوره إذا ما تسلح بها المتعلمون(ات) الشباب منهم على وجه الخصوص، وتزامنا مع هذا “التغييب” يتم تكريس فكر متخلف قروسطوي يساهم في الحفاظ على استمرارية النظام، بتغليف العقول وتغشيتها، وعرقلة إمكانياتها. وظلت المتغيرات مرتبطة بالرجات والهزات التي يشهدها العالم وما يترتب عنها من سياسات جديدة ترسمها القوى الإمبريالية الكبرى، وتعمل على فرضها على الشعوب عبر عملائها في الداخل وعبر مؤسساتها الدولية كالمنظمة العالمية للتجارة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. كما ارتبطت بالهزات التي يشهدها الداخل مثل انتفاضة 23 مارس المجيدة ومثل بروز الحركة الماركسية اللينينية المغربية أو التوازنات الجديدة التي حصلت مع بروز الإسلام السياسي كمعطى منافس لمشروعية المخزن على المستوى الديني، فتحركت آليات القمع كما تحركت معها آليات الإستدماج المعلومة.

هذا المسار في المرحلة الراهنة دخل طورا جديدا، تطورات نوعية تدعوا إلى التحرك وبقوة لوقفها. إن العوامل الأساسية التي ساهم في ارتفاع وثيرة هذه التحولات التي تشهدها المنظومة التعليمية المغربية، نابعة أولا من نتائج الأزمة العالمية لسنة 2008. المعطى الثاني هو السيرورات الثورية التي شهدتها المنطقة المغاربية والعربية، فكانت حركة 20 فبراير نسختها المغربية، تطلبت من النظام المخزني أن يلعب ورقة الإسلاموية (حزب العدالة والتنمية)، والتي برهنت التجربة الملموسة أنها لم تأتي لتطبق برنامجا سياسيا خاصا بها، بكل بساطة لأنها لا تتوفر عليه، بل جاءت لتطبق برنامج النظام المخزني عنوانه العريض”المحافظة على استمرارية المخزن، إقرار سياسات نيوليبرالية في جميع القطاعات، وإرجاع أوضاع الحريات إلى ما قبل 20 فبراير 2011″، فاجتهدت الرجعية في تنزيل هذا البرنامج، فاستهدفت الشارع ومنعت المغاربة من الاحتجاج والتعبير عبر القمع والحصار والاعتقالات والدعاية الإعلامية المسمومة، كما استهدفت المكتسبات الاجتماعية للشعب المغربي كصندوق التقاعد وأنظمة المعاشات وضرب الوظيفة العمومية والحق في الشغل عبر إقرار أنظمة التشغيل بالعقدة، وضربت قطاع الصحة، وغيرها. وكان لا بد ومن الضروري أن يتم استهداف المنظومة التعليمية المرهقة أصلا.

إن هذه المعادلة مبنية على منظومة اقتصادية سياسية وقانونية مرتبطة أولا بميثاق التربية والتكوين الذي تم تنزيله بإشراف الملكية، هذا الميثاق الذي وضع الأسس الكبرى لخوصصة التعليم وضرب عموميته وجودته إلا أن وثيرة تنزيله ظلت غير مقنعة للمخزن وللدوائر الإمبريالية. ومع تصاعد أصوات الاحتجاج والتذمر من وضعية التعليم تم إقرار البرنامج الاستعجالي، ففشل فشلا ذريعا ولم يكن سوى هدرا للمال العام، والغريب أنه لم يحاسب أحد، لتأتي بعهدها المخطط الرباعي فتمت إعادة هيكلة الدروس والمحاضرات عبر تقليصها، وتكريس التكوين التلقيني والتقني والتخصصي فيها. السبب في ذلك تزايد أعداد الطلاب بمتغير كبير عجزت بنيات استقبال الجامعات (على سبيل المثال) عن استيعابها، وأدى عدم بناء جامعات جديدة وعدم توسيع الكائنة إلى حالات اكتضاض مهولة زيادة على أن عدم توظيف أساتذة وإداريين جدد خفض بشكل حاد من نسبة التأطير، ناهيك عن التجهيزات والخدمات الاجتماعية المقدمة للطلاب التي ظلت دون المستوى بكثير وهي في تراجع مستمر. في المقابل شجعت الدولة مؤسسات التعليم الخصوصي ووفرت لها الإمكانيات القانونية والمالية التي ساعدتها على التوسع والانتشار، كما أقرت نظام معادلة الشواهد العمومية بالشواهد الخصوصية بما معناه أن المحظوظين من أصحاب المال هم وحدهم لهم الحق في تلقي تعليم جيد، وفي نفس الوقت سيحضون بالفرصة لولوج الوظيفة العمومية خصوصا في المناصب العالية على عكس أبناء وبنات الوطن الفقراء الذين بعد أن كابدوا القهر والحرمان لن تكون لديهم أي فرصة للمنافسة في الحصول على شغل قار (وهذا هو المدلول الطبقي الحق لسياسة التعليم). كما تم إقرار الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 بعد دراسة “معمقة لمجلس عزيمان حول التعليم، الغريب أن ما كشفته الدراسة يوحي بالكارثة إلا أن الرؤية الإستراتيجية جاءت لتؤسس من جديد للؤسس التي ستحل الكارثة.

إن مشروع قانون الإطار السالف الذكر هو تنزيل للرؤية الإستراتيجية 2015-2030، ومضمون هذا المشروع إذا ما تفادينا الحديث عن الحشو والشعارات الفارغة الكثيرة التي تضمنتها مذكرته التقديمية، فإنه يظل تنزيلا للتصورات التي أقرتها المنظمة العالمية للتجارة، التعليم سلعة تباع وتشترى، الأستاذ أجير وليس مربي الأجيال وبالتالي لا حرج في التعاقد معه وحرمانه من أية إمكانية للاستقرار مقابل أجر بخس وهزيل، ومدرسة لا تعدو أن تكون سوى مقاولة يستثمر فيها أصحاب الرأسمال أجنبي كان أو مغربي، ومن يستثمر أكثر يربح أكثر على حساب جيوب المواطنين(ات)، ومن يدفع أكثر يحصل على تكوين أفضل أو على الأقل شهادة تحمل توقيعا من الدولة أنها “شهادة من الطراز الرفيع” وجب منح الأولوية لحاملها، أما المتعلم فهو زبون يعامل قدر جيبه وبالتالي أصبح مبدأ المساواة الذي يتغنى به الجميع مجرد وهم لا وجود له في أرض الواقع. تلك كانت العناصر الأساسية التي رسمت الخطوط العامة لشمروع قانون الإطار 17.51، فإقرار رسوم التسجيل في التعليم الثانوي الإعدادي وفي الجامعة المغربية أصبح مشروعا معلنا للدولة المخزنية، ولا يغترن أحد بما يقولون أن هذه الرسوم تعني الميسورين فقط أما الفقراء فلن يضطروا إلى الدفع، لأنها مجرد شعارات لطمئنة الفقراء أن هذه الرسوم لا تعينهم، والحقيقة أن الميسورين لا يسجلون أبناءهم في الجامعات العمومية وأن هذه الأخيرة لا يتوجه إليها سوى الفقراء، والحقيقة الثانية أن أغلب الشعب المغربي فقير، والحقيقة الثالثة أن الدول التي تحترم نفسها وشعوبها لا تقر خوصصة التعليم مهما بلغ الأمر بل على العكس يحضى التعليم العمومي باهتمام بليغ ولا يلج التعليم الخصوصي سوى العاجزين عن الاستمرار في المستوى العالي لمنظومة التعليم العمومي. إنه تنزيل غير مشروط للسياسات النيوليبرالية التي تقرها الإمبريالية، حتى تعم المضاربة والمتاجرة بعقول الناس.

يسود في مشروع قانون الإطار 17.51 رؤية تقنوية رهيبة، تعمل من خلالها على تلقين الطلاب المهارات التي تكفيهم فقط لأن يتحولوا إلى آلات في يد البورجوازية أي أنها تؤهلهم لأن يستغلوا على أكمل وجه، أما التربية على القيم الديمقراطية والفكر النقدي فهي ليست في صالح النظام المتخلف وبالتالي يجب استبعادها، فلا حرج إذا في استهداف الفلسفة واللغة الأمازيغية والعربية، والسوسيولوجيا، ولا حرج في تحويل العلوم القانونية والاقتصادية إلى نصوص محفوظة لا علاقة لها بالواقع….، ليحتجوا لاحقا أن الجامعة يجب إعادة إصلاحها لأنها لا تتوافق مع سوق الشغل، والواقع أن سوق الشغل في المغرب هو أقرب إلى ساحة للمتاجرة بحقوق الشغيلة والعمال (وفي قانون الشغل مثال بسيط رغم علاته لا يطبقه سوى أقل من 5 بالمائة من المشغلين).

باختصار شديد إن السياسات التعليمية التي تم إقرارها أو التي يتم الإستعداد إلى إقرارها جوهرها هو “تخريب التعليم العمومي من أجل تبرير خوصصته، وتشجيع التعليم الخصوصي حتى يحقق الرأسمال أكبر قدر من الأرباح” ويشكل مشروع قانون الإطار 17.51 شكله البشع والصريح غلف بشعارات جوفاء وسيكون من نتائجه ضرب حق المساواة في ولوج الخدمات العمومية والمرفق العمومي، ضرب الحق في الشغل، ضرب الحق في الاستقرار، ضرب الحق في التعليم، وعلى المستوى الاجتماعي سيتم تكريس المزيد من الفوارق الاجتماعية الصارخة، وبلترة الشعب حتى يغتني الغني أكثر ويفقر الفقير أكثر، ومع اتساع هذه الهوة ستنخفض القدرة الشرائية وستستشري البطالة وبالتالي ستكون التنمية التي يتغنى بها النظام مجرد شعار أجوف.

إن المطلوب من القوى المناضلة نقابات كانت أو أحزاب سياسية ديمقراطية وحركة طلابية وحركة المعطلين وعموم القوى الحية وعموم جماهير الشعب المغربي أن تنهض وتقف أمام هذا المخطط الخطير الذي يستهدف عموم الشعب المغربي، وبالتالي فإن خوض هذه المعركة شرط لابد منه في تحديد أصدقاء الشعب وأعدائه، وليس هناك موقع للوسط، وبالتالي فإن تغليب مصلحة الشعب ووضعها فوق كل اعتبار تتطلب وضع كل الخلافات الثانوية في الثلاجة وخوض هذه المعركة بروح وحديوية منقطعة النظير، لأن قوة المخزن ليس نابعة من كينونته، بل نابعة من تشتت وانعزال القوى المناضلة.

كما أنه لن يكون من المقبول أن تغيب الحركة الطلابية عن هذه المعركة، فرغم غياب هياكل الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، إلا أن وجود الفصائل الطلابية المناضلة، والتوجه الطلابي الديمقراطي بما راكمه من اشتغال وحدوي وتدريب يخول له الآن خوض المعارك بشكل مشترك، زيادة على المستوى المتقدم في الأدبيات والشعارات التي أصبحت ترفعها هذه الفصائل، ودعم القوى المناضلة لها، والإستعداد الهائل للطلاب للنضال، كل هذه الإمكانيات تسمح بخوض معركة وطنية طويلة النفس، وبالتالي سيصبح معها مشروع إعادة بناء النقابة أمرا ممكننا بالملموس، كما سيمكن الحركة الطلابية من استرجاع الحقوق التي طال مسلسل الزحف عليها. فل يكن الشعار إذا “من أجل إسقاط مشروع قانون الإطار 17.51”.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا