عبد اللطيف زروال الكاتب الوطني لشبيبة النهج الديمقراطي
الرئيسية » حينما يتجدد القديم: مناورات النظام الحالية في حقل الشباب

حينما يتجدد القديم: مناورات النظام الحالية في حقل الشباب

كتبه user B

عبد اللطيف زروال

      منذ سنة 2011 و ما صاحبها من حراك شعبي و شبابي مجيد جسدته حركة 20 فبراير، و النظام يسعى إلى إيجاد مسكنات للواقع الشبيبي المتردي و المتفجر: البطالة، القمع، الفقر، الهدر المدرسي، الشغل الهش، التهميش… فقد نص الفصل 33 من دستور 2011 الممنوح على ضرورة “توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، ومساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني مع تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة و الإبداعية في كل المجالات.” وترتكز مناورات النظام في مجال الشباب على دعامتين: الأولى برنامجية و هي الاستراتيجية الوطنية المندمجة وسط الشباب (2015-2030) و الثانية مؤسساتية و هي المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي.

أولا- الاستراتيجية الوطنية المندمجة وسط الشباب (2015-2030)

أعدت وزارة الشباب والرياضة “بشراكة مع المديرية العامة للجماعات المحلية، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وبدعم تقني من البنك الدولي، ودعم من مركز مرسيليا للاندماج المتوسطي”[1] وثيقة تحت عنوان “الاستراتيجية الوطنية المندمجة وسط الشباب (2015-2030)” أرادت لها أن تكون “إطارا لتخطيط وبرمجة جميع الأنشطة القطاعية لفائدة الشباب”[2]. تقول الوزارة أنه قد تم عرضها على “حوالي 27.000 شاب خلال الحوار الوطني للشباب المنظم بتاريخ 22 شتنبر 2012”[3] قصد التعريف بها و استقراء ردود أفعال الشباب و التعرف على اقتراحاتهم[4]. و في سنة 2014، سيصادق المجلس الحكومي عليها دون أن تجد طريقها للتنزيل. في أكتوبر الماضي، كان رئيس الحكومة سعد الدين العثماني قد أعلن أمام البرلمان أن “الحكومة ستثري المشروع عبر مقاربة تشاركية موسعة في أفق تنزيله وفق منظور يلزم كافة المتدخلين، يترجم هذه التوجهات الاستراتيجية ويحول هذه الأرضية إلى سياسة وطنية لإدماج الشباب تحدد برنامج العمل الوطني، وكذا الإطار المرجعي للتمويل، وتضع برمجة متعددة السنوات لتمويل السياسة العمومية وتنفيذ البرامج.”[5] تروم الاستراتيجية “ضمان تناسق العمل الحكومي فيما يخص الشباب، تعزيز الاستثمارات النوعية لفائدة الشباب المغربي واستكمال وتعزيز الاستراتيجيات والمخططات القطاعية القائمة.”[6] كما تحدد 5 محاور استراتيجية للتدخل و الاشتغال[7]:

1- الرفع من الفرص الاقتصادية المتاحة للشباب والنهوض بقابلية تشغيلهم؛

2- الولوج إلى الخدمات الأساسية المقدمة للشباب و تحسين جودتها و التقليص من الفوارق الجغرافية؛

3- تعزيز المشاركة الفعالة للشباب في الحياة الاجتماعية و المجتمع المدني و في اتخاذ القرار؛

4- النهوض باحترام حقوق الإنسان؛

5- تقوية الأجهزة المؤسساتية للتواصل والإعلام والتقييم والحكامة.

في كل محور، تقترح الوثيقة عددا من التدابير بعضها ذات أولوية في أفق 2020 و بعضها الآخر تكميلية في أفق 2030[8]. و لجعل تنفيذها ناجعا، تقترح الوثيقة إحداث وزارة منتدبة لدى رئيس الحكومة مكلفة بالشباب[9]. رغم أن الوثيقة تعترف بأن معظم الشباب المغربي قد تم إقصائهم مما تعتبره زورا “دينامية التنمية الاقتصادية التي سجلها المغرب خلال عام 2000 وما بعد”[10] و بأن الربيع العربي أظهر “عمق الشعور بالإقصاء لدى الشباب”[11]، فإن معظم التدابير التي تقترحها هي استمرار بل و تعميق لنفس السياسات التي أنتجت هذا الإقصاء. ففي المحور الأول المتعلق بالرفع من الفرص الاقتصادية المتاحة للشباب والنهوض بقابلية تشغيلهم، تقترح الوثيقة “إشراك القطاع الخاص في إصلاح المسار الدراسي للمتعلم لتكييف منظومات التربية والتكوين والتأهيل المهني مع حاجيات سوق الشغل”[12] و “إدراج فترات تدريب من أسبوعين إلى ثلاثة خلال المسار الدراسي الثانوي للتلميذ، والنص بالنسبة للطلبة بالجامعات وبمعاهد ومراكز التكوين التأهيلي على إجبارية المرور بفترة تدريب داخل المقاولات والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية والجمعيات غير الحكومية”[13] إضافة إلى “إدراج وحدات حول خلق المقاولات في منظومات التربية والتكوين والتأهيل لترويج ثقافة التشغيل الذاتي في صفوف الشباب وبث روح مبادرة الاستثمار الفردية فيهم.”[14] يتعلق الأمر ببساطة و في إطار حديث الوثيقة عن القابلية للتشغيل و “مُلاءمة اكتساب الكفاءات مع متطلبات سوق الشغل” بعملية إخضاع منطق النظام التعليمي لحاجيات رأس المال و هو ما يشكل جوهر “الإصلاحات” المتتالية التي مست هذا القطاع في العقود الأخيرة. كما تقترح الوثيقة “خلق عقد أول عمل لمدة محدودة لصالح الحاصلين على الباكالوريا أو سنتين بعد الباكالوريا (6 أشهر كمدة تدريب من أجل الإدماج، وعقود لا تتجاوز كحد أقصى مدة 24 شهرا بأجر يفوق أو يساوي الحد الأدنى للأجور)”[15] أي بعبارة أخرى إيجاد الغطاء القانوني لنشر المزيد من الهشاشة وسط أجزاء واسعة من الشباب بغية تسهيل إخضاعهم  للاستغلال المكثف من طرف رأس المال. في المحاور الأخرى، لا تشكل أهم التدابير المقترحة سوى دعما أو توسيعا لمجال الاستفادة من برامج أو مبادرات أثبتت محدوديتها و/أو فشلها (مثل برنامج الراميد أو برامج محو الأمية…) أو مقترحات طرحت ربما إرضاء لبعض المانحين و لن تجد طريقها للتحقيق بالنظر لممارسات النظام المغربي من قبيل “سن تدابير لحماية حقوق الإنسان، خاصة الشق المتعلق منها بالحقوق الثقافية واللغوية لجيلين الأول والثاني من المغاربة المقيمين بالخارج”[16] أو “سن قانون يحصن حق الشباب في التعبير الحر في وسائل ومنتديات التواصل الاجتماعي ووسائط تكنولوجيا الإعلام والاتصال، في احترام تام للمعاهدات الدولية ذات الصلة”[17].  ليست الاستراتيجية إذن سوى تجميعا لتدابير تشكل امتدادا للسياسات الفاشلة للنظام في مجالات التشغيل و التعليم… ورغم أن الوثيقة تدعي أن الاستراتيجية تمثل “عصارة التوصيات التي عبر عنها الشباب، فضلا عن التوصيات الصادرة عن القطاعين العام والخاص، المجتمع المدني و الجهات المانحة”، فإنها في الحقيقة لا تخدم إلا مصالح الرأسمال المحلي و الأجنبي، كما تعكس التوجهات المخزنية الرسمية و إملاءات المانحين و على  رأسهم البنك الدولي الذي قدم دعما “تقنيا” لإنجاز الوثيقة و شكل بحثه حول الشباب الصادر سنة 2012 قاعدة أساسية لتشخيص واقع الشباب المتضمن في الاستراتيجة إضافة إلى كونه مساهما رئيسيا في تنزيلها.[18]

ثانيا- المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي

نص الفصل 33 من دستور 2011 الممنوح على ضرورة إنشاء هيأة دستورية خاصة بالشباب تحت اسم “المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي”. وقد صادق مجلس النواب مؤخرا على مشروع القانون المتعلق بإحداثه في قراءة ثانية. تتشكل هذه الهيأة، علاوة على رئيسها، الذي يعين بظهير، من ثلاثين عضوا، ثلثهم يعينهم الملك و الثلث الأخر يعينهم رئيس الحكومة بينما يعين رئيسا كل من مجلس النواب و مجلس المستشارين الثلث المتبقي[19]. تتلخص مهام المجلس أساسا في إبداء الرأي في القضايا و المشاريع و التدابير التي تحال إليه من طرف الدولة في مجال اختصاصه إضافة إلى تقديم المقترحات و إصدار التوصيات و إنجاز الدراسات في قضايا الشباب و العمل الجمعوي. يتكون المجلس إضافة إلى الرئيس من الجمعية العامة و هيئتين الأولى مكلفة بقضايا الشباب و الثانية مكلفة بالعمل الجمعوي علاوة على لجنتين دائمتين. ويشير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي في رأيه حول مشروع القانون المتعلق بإحداث هذه الهيأة[20]  إلى أن هذا الأخير “يطرح إشكالية مدى التمثيلية الفعلية لأعضاء المجلس، على اعتبار أنه لا يقدم تعريفا للشباب و لا لمرحلة الشباب، ولا يحدد سن الأعضاء و لا الكفاءات الخاصة الواجب توفرها فيهم.”[21]  و يضيف المجلس الاقتصادي و الاجتماعي بأن المشروع “سيلقى صدى سلبيا وسط الشباب، كما استشف بالفعل من خلال جلسات الإنصات التي عقدها المجلس مع جمعيات الشباب”[22]. إذا كان هذا رأي هيأة رسمية في مشروع القانون، فماذا عسى القوى المناضلة أن تقول سوى أن هذه الهيأة لن تكون سوى تكرارا بئيسا و كاريكاتوريا لتجارب فاشلة سابقة (كتجربة المجلس الوطني للشباب و المستقبل) و وسيلة لتوزيع التعويضات المجزية على أطر عليا في الإدارة و “خبراء” مزيفين و بعض زبائن المخزن السياسيين و بعض مقاولي المجتمع “المدني” و سماسرة العمل الجمعوي.

خلاصة

يتضح مما سبق أن النظام لا يقوم من خلال طرح الاستراتيجية الوطنية المندمجة وسط الشباب و إحداث المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي سوى بتسويق برامج و خطط و تجارب سابقة فاشلة في قالب جديد. يراهن في ذلك على قصر ذاكرة شعبنا. و لعله رهان فاشل. فسرعان ما عرت الحراكات المتتالية التي كان الشباب محركها عورته. و ستتكفل الهبات الشعبية و الشبابية في المستقبل بالإجهاز على ما تبقى من أوهام.

[1] يمكن الاطلاع عليها على الموقع الرسمي لوزارة الشبيبة و الرياضةVI انظر الاستراتيجية الوطنية المندمجة وسط الشباب ص.  

[2] نفس المصدر السابق

[3]VII نفس المصدر السابق ص.  

[4]VII نفس المصدر السابق ص

[5] انظر تصريح العثماني http://www.medi1tv.ma/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%AC%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D9%82%D9%88%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B7-%D8%A5%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%AC-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A6%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-102038

[6] VIII الاستراتيجية الوطنية المندمجة وسط الشباب ص.

[7]نفس المصدر السابق  

[8] نفس المصدر السابق ص. 24

[9]IX نفس المصدر السابق ص

[10] نفس المصدر السابق ص. 1

[11] نفس المصدر السابق

[12] نفس المصدر السابق ص. 25

[13] نفس المصدر السابق

[14]نفس المصدر السابق ص. 26

[15] نفس المصدر السابق ص. 27

[16] نفس المصدر السابق ص. 31

[17] نفس المصدر السابق

[18] نفس المصدر السابق ص. 41 سيساهم البنك الدولي إلى جانب الوزارة في وضع مخطط عمل وتقدير الاعتمادات المالية و برمجتها.

[19] انظر مشروع القانون رقم 89.15 المتعلق بإحداثه كما صادق عليه مجلس النواب في يوليوز 2017 المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6651

[20] هذا الرأي منشور في الجريدة الرسمية عدد 6651 (26 فبراير 2018).

[21] نفس المصدر السابق ص. 1214

[22] نفس المصدر السابق ص. 1215

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا