يعرف واقع التشغيل بالمغرب تدهوراً كبيراً خلال بدايات هذه الألفية، خاصة مع الأزمة العالمية لسنة 2008، وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية على سوق الشغل بالمغرب، حيث بلغ العدد الصافي لمناصب الشغل التي تم فقدانها 37 ألف منصب خلال 2016، هذا تراجع برز على مستوى خلق مناصب الشغل في القطاع الفلاحي الذي فقد 119 ألف منصب شغل.
أما قطاع الخدمات (التجاري، السياحي…) فإن عدد المناصب المحدثة في هذا القطاع، تميز بالتراجع والضعف سنة بعد أخرى، حيث انحصر في 38 ألف منصب شغل سنة 2016، مقابل متوسط قدره 90 ألفا في الفترة ما بين 2000 و2013، ونفس الأمر بالنسبة لقطاعي الصناعة الحديثة والتقليدية.
ومع انتشار فيروس كورونا والجفاف فأديا إلى فقدان أكثر من 430 ألف وظيفة في 2020 وارتفاع عدد المعطلين عن العمل إلى حوالي مليون ونصف، هذه المعطيات والأرقام رسمية وتبقى كارثية، وفي نفس الحين لا تعكس الواقع الحقيقي لأنه أكثر كارتي.
أما في مجال التعليم فالأمر لا يختلف قطعا عن ما سبق، وتبقى الآليات متنوعة وأكتر إبداعا، أما الجوهر الحقيقي هو السائد والهدف واحد، هو جعل الشباب رهينة بين حاضر مر ومستقبل أسود، من هنا علينا الوقوف على ما يحيكه النظام في مجال التعليم، حيث يعتبر مشروع قانون الإطار 17.51 المصادق على مقتضياته عبر مجلس وزاري سنة 2018، ليتم تمريره فيما بعد عبر البرلمان سنة 2019، و المتعلق أساسا بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وهو كذلك القانون المنزل للرؤية الإستراتيجية (2015-2035)، ولعل أخطر ما يتضمنه هو تنزيل التوجه الهادف لضرب المجانية.
بخلفية طبقية حقيقية وليست كما يتغنى به من تجويد التعليم وهذا راجع طبعا للالتزامات النظام المغربي التبعي مع الدوائر الإمبريالية المالية، من خلال اتفاقيات و قروض مشروطة، و بتوجهات سياسية طبقية، لن ولم تخدم أبدا مصلحة الشعب المغربي بالمقابل الاستباق لجني مزيد من الأرباح للرأسماليين.
إذا أمام هذا الوضع وإذا أحطنا بباقي الجوانب التي تتحكم في الوضع العام للشبيبة المغربية، كانسداد وإغلاق الإبداع الثقافي والترفيهي والرياضي، علاوة على رهن مستقبل الشباب بيد الرأسمالية العالمية، عبر تجنيد جيوش من المعطلين/ت حاملي الشواهد والسواعد، لخدمة ما يسمى بـ (الإقلاع الصناعي) مما سيشكل فيما بعد طبقة عاملة معتقلة بين أسوار المناطق الحرة في عديد من الأقطاب الصناعية بالمغرب (البيضاء، طنجة، القنيطرة) وعزلها عن محيطها قصد استلابها وتجريدها من أدنى تعبير عن الإنسانية الحقة، لتبقى على طول الزمان تحت رحمة الرأسمالية بمباركة الدولة المخزنية.
بالمقابل فالشبيبة المغربية لن تبقى مكتوفة الأيدي، فالمخرج من كل هذا يستلزم عليها طرح مجتمع بديل تلازمه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، عبر انخراطها في قلب سيرورات التغيير الثوري المنشود.
الشبيبة المغربية ورهان التغيير:
يشهد المغرب خلال السنوات الأخيرة موجة احتجاجات ونضالات شعبية، مرفوقة بمطالب اجتماعية واضحة أغلبها بطابع سياسي، توجه السهام ضد الكتلة الطبقية السائدة بالبلاد، متمثلة أساسا في الاحتجاج على مظاهر “الحكرة والاقصاء”، والمطالبة بتحقيق مقومات الحياة الكريمة، إذ تعرف العديد من المدن والقرى والهوامش العديد من الأشكال النضالية والتعبوية، من وقفات واعتصامات ومسيرات، ويلخص حجم هذا الاحتقان الاجتماعي نتيجة الفقر وغياب العدالة الاجتماعية، للسياسات الممنهجة السالفة الذكر (المحور الأول)، ولعل أي متتبع ستثيره الملاحظة الأساسية التي تعبر على أن الشباب يقود ميدانيا وإعلاميا أغلب هذه الاحتجاجات، بدافع المتضرر الأول من جهة، ومن جهة أخرى بما تزخر به الطاقة الشبابية من عنفوان وروح ثورية، لا يخصها فقط إلا طول النفس وإبداع أدوات دفاعها وأشكال تنظيمها، وعيا منها بمهمة التغيير الثوري الذي ستقوده الطبقة العاملة إلى جانب حلفائها الموضوعيّين، وليحتل الشباب مكانة القلب النابض لهذه المهمة التاريخية، وذلك عبر خلق حركة شبيبة موحدة واسعة شعبية، على أسس الديمقراطية والتقدمية والشباب الماركسي على رأس رمحها.
فهنا نتذكر ونستخلص الدروس من حراكات متعددة عرفتها بلادنا ما بعد المرحلة الثورية لسنة 2011، حراك الريف الأبي أكبر نموذج، وثورة “العطش” بزاكورة، ومعتصم منجم إميضر وجبل العوام، وحراك “الرغيف الأسود” بجرادة، وحركة “الصحة للجميع” ببويزكارن، وحركة “أكال” دفاعا عن الأرض، و نضالات المعطلين بكل أصنافهم، والأساتذة المفروض عليهم التعاقد والتحركات الهائلة للطلبة بالساحات الجامعية، والنهوض النضالي الأخير لطلبة الطب وطب الأسنان.
فهل يمكن إدارة الظهر في وجه هذه الاستعدادات الكبيرة لدى الشباب؟
الجواب طبعا عن الأشكال ليس إجابة طبيعية أو عادية أو حتى ميكانيكية، أكتر منها إجابة علمية ببرامج واضحة، مرتبطة بالأساس بالنضال الديمقراطي العام وربطه بمهام التحرر الوطني المفتوح على الآفاق الاشتراكي ثم المجتمع الشيوعي، كاستراتيجية التغيير الثوري المنشود.
كل هذا يتطلب من الشبيبة المغربية فتح أوراش نقاش حول هذه المهام بين جميع الماركسيين/ات الشباب، أفرادا وتنظيمات (الأسباب والأهداف)، إشراك جميع الديمقراطيين/ات في برنامج شبيبي موحد (أوطم، حركة المعطلين، النقابات، الشبيبات الحزبية المناضلة..) في أفق بناء جبهة شبيبية تتطلع لتوحيد النضالات وعزل النظام القائم، عن طموح الشباب في إقامة أسس النظام البديل إلى جانب حاملي هم التغيير في البلاد.