الرئيسية » مقاربة للأسس النظرية للحركة الطلابية في ظل المتغيرات الراهنة للجامعة

مقاربة للأسس النظرية للحركة الطلابية في ظل المتغيرات الراهنة للجامعة

كتبه user B

سعد مرتاح*

بحلول يوم 17 نونبر من كل سنة، تخلد الحركات الطلابية التحررية بسائر العالم ” اليوم العالمي للطلاب”، وقد اختير هذا اليوم بناء على تلك الواقعة التي تجسد واحدة من نضالات الحركة الطلابية ضد الاحتلال النازي، فأمام تصاعد النضالات الطلابية في تشيكوسلوفاكيا واتساعها عمدت السلطات النازية الفاشية إلى إغلاق كافة المعاهد ومؤسسات التعليم العالي مقترفة أبشع المجازر، حيث رحلت ما يزيد عن 1000 طالبا إلى معسكرات الاعتقال النازية، واغتالت مجموعة منهم يوم 17 نوفمبر 1939. وبعد سنوات من دحر النازية أصبح هذا التاريخ رمزا لنضال الحركة الطلابية ومساهمتها في مقاومة النازية والديكتاتورية والحروب الامبريالية، وفي نشر قيم السلم والعدالة والحرية والتضامن والتحرر من الاستعمار.

وبالتالي، تخليدا للذكرى 83 لهذا اليوم، يعيد هذا المقال طرح بعض الجوانب النظرية في مفهوم الحركة الطلابية وعلاقتها بالحزب الثوري العمالي أخذا بعين الاعتبار المتغيرات التي طرأت على الجامعة ونظام التعليم في القرن 21.

أولا: الحركة الطلابية رافد من روافد التحرر الوطني والأممي

تاريخيا بدأت الحركة الطلابية بمسائل جامعية داخلية، ثم أخذت تتجاوز شيئا فشيئا حدود الجامعة وتطرح مواقف تقدمية في العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية التي لم تكن مرتبطة ارتباطا مباشرا بما كان يجري داخل الجامعة.

فقد تضامنت الحركة الطلابية تاريخيا مع مختلف أوجه النضال التحرري الثوري للشعوب في البلدان النامية، مع كوبا وفيتنام وبلدان الجنوب، كما كانت الحركة الطلابية (خاصة في دول التي عرفت قيادة التوجهات اليسارية والماركسية للاتحادات الطلابية) في طليعة النضال والتقدم والرقي في المجتمع.

ودور الطلاب كقوة محركة ومبادرة في تقدم المجتمع خطوات للأمام ليس جديدا. فماركس ولينين وفيدل كاسترو وروزا في نهاية الأمر كانوا مثقفين لا عمالا يدويين. غير أن الإقرار بأن الحركة الطلابية عامل مهم للتحرر الوطني والديمقراطي لا يجب أن يؤدي إلى إعطاء الحركة الطلابية مفهوم يفوق حجمها، ففي آخر المطاف نظل أمام حركة جماهيرية المفروض أن تضم بين صفوفها مختلف الطلبة بمختلف توجهاتهم ومشاربهم بغض النظر عن مرجعياتهم الإيديولوجية وخلفياتهم الطبقية.

ثانيا: الجامعة في ظل النيوليبرالية.. ما بين فرض التعليم التقني وخلق البطالة

الرأسمالية تتجه اليوم إلى جعل وظيفة الجامعة منحصرة في تكوين الاختصاصيين والتقنيين الذين تحتاجهم الشركات الكبرى، ومنه أعادت إصلاح –تخريب- التعليم العالي في اتجاه وظيفي تقني معتبرة أن أحد أسباب بطء نمو الاقتصادي يتمثل في التعليم النظري في الجامعات على حساب ما هو تقني. فالسعي الحثيث إلى تكييف التعليم العالي لتلبية حاجات عملية هو سعي يجري تحفبزه بشتى السبل اليوم. 

وهي عملية تزيد درجة إخضاع وظائف الجامعة والبحث العلمي – لا إخضاع الإنتاج للحاجات الإنسانية بل إخضاع الحاجات الإنسانية للإنتاج- لمشروعات محددة لشركات خاصة ومؤسسات الدولة، ففي ظل النيوليبرالية لا يتمتع الطلاب بتعليم جامعي عمومي يتماشى مع رغباتهم، حيث لا يسمح لهم باختيار الشعب والتخصصات التي تتماشى مع مواهبهم وإنما يجبرون (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق عملية التنميط) على قبول التخصصات والميادين التي تستجيب لمصالح نمط الإنتاج الرأسمالي، وليس لحاجاتهم الخاصة كبشر. وهذا ما يؤدي في الأخير إلى فرض مستوى أعلى من الاغتراب على الطلاب فمن وجهة نظر رأسمالية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، فإنه يجب تقليص حرية الطلاب في القراءة والدراسة وحضور المحاضرات التي يختارونها.

ومن جهة أخرى فإن أقلية ضئيلة جدا من الخريجين اليوم يصبحون موظفين أو حاصلين على شغل قار، فإذا كنا في السابق أمام جامعة تخرج أكثر من 10000 طالب، فإننا اليوم أمام جامعة تخرج سنويا مئات الآلاف أو مليون طالب، وطبعا من البديهي أنه ليس ممكنا لغالبية هؤلاء أن يصبحوا رأسماليين أو قادة إداريين وموظفين حكوميين، لأنه لا يوجد مثل هذا العدد من الموظفين ولا يوجد مثل هذا العدد من المناصب الإدارية في ظل مجتمع واقتصاد السوق، وبالتالي فإن غالبية الخريجين من الطلبة والطالبات اليوم يجدون أنفسهم في وضعية البطالة ومشاريع طبقة عاملة جديدة.

ثالثا: في معضلة وجود فصائل طلابية ماركسية مستقلة عن الحزب الثوري

في هذا المحور سيتم تقديم بعض العناصر التي تسائل جدوى وجود طلاب ماركسيين وفصائل طلابية ماركسية مستقلة تماما عن المنظمات والأحزاب العمالية الثورية، فالطالب المناضل الماركسي يظل في الجامعة أربع أو خمس أو ست سنوات كأقصى تقدير، ولا يمكن لأحد التنبؤ بما سوف يحدث له فيما بعد عندما يترك الجامعة.

ففي لحظة تخرجه يبتعد في الغالب عن البيئة الأكاديمية الشيء الذي يمكن أن تكون له تبعات خطيرة على مستوى وعيه الاجتماعي ونشاطه السياسي، حيث عندما يترك الطالب المناضل الجامعة، يغدوا أكثر عرضة لضغوط ومشاكل المجتمع الرأسمالي الطبقي غير المنتهية (البطالة، ضرورة البحث عن عمل، الاستقرار الاجتماعي)، وهناك خطر كبير في اندماجه ضمن هذا الوسط الاجتماعي الجديد خاصة أنه غير محصن طالما لا ينتمي لحزب سياسي، وتبدأ عندها في الغالب سيرورة تراجع نشاطه الثوري وتبنيه تدريجيا لمواقف فكرية إصلاحية وليبرالية – رجعية لا تتضمن نشاطا ثوريا.

وبعد سنوات عديدة، في ظل غياب التنظيم ثوري، فإن الغالبية الساحقة من هؤلاء الطلاب المناضلين يبدأون بترديد جملة لعلها تبرر تراجعهم هذا: “الجامعة شيء وخارجها شيء مغاير تماما”. متناسين ما كانوا يرفعونه خلال نشاطهم الثوري أثناء الجامعة من شعارات من قبيل الجامعة قلب المجتمع ومعارك الجامعة ومعارك المجتمع متكاملان. ومنه فإن الخطأ ليس في أن الجامعة مختلفة عن الخارج بل الخطأ هو في جهل طبيعة مهام الحركة الطلابية وحدودها وأن بعض الشعارات خاصة ذات الطبيعة الاستراتيجية وإن كانت صحيحة فإنها ترفع داخل المنظمات الثورية وليس الاتحادات الطلابية، وأن العمل الثوري يمارس داخل الحزب الثوري فخلافا لأطروحة هربرت ماركيوز وآخرين فإننا كماركسيين نبدأ في تحليلنا للواقع من أهم تناقض في المجتمع الرأسمالي – في مرحلة النيوليبرالية كما في مراحله السابقة- وهو التناقض بين رأس المال وقوة العمل وهو التناقض الذي يتم الانطلاق منه في بلورة مختلف الاستراتيجيات والتكتيكات.

فمنه للحفاظ على استمرارية النشاط الثوري، لا بد إذن من منظمة أوسع من منظمة طلابية خالصة، منظمة يمكن للطلبة وغير الطلبة العمل فيها معا أي باختصار لا بد من حزب للطبقة العاملة وعموم الكادحين الطبقة الأكثر في النظام الرأسمالي. فالتمرد الطلابي وبغض النظر عن أهميته في الصراع فإنه ليس بديلا عن طبقة عاملة مثقفة سياسيا ومتماسكة تنظيميا.

 

*مقال رأي ولا يعبر بالضرورة عن مواقف شبيبة النهج الديمقراطي العمالي.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا