الرئيسية » من أسباب ضياع ثروة المغرب، ضياع حق تلامذته

من أسباب ضياع ثروة المغرب، ضياع حق تلامذته

كتبه user B

جريدة النهج الديمقراطي (كلمة العدد: 284)

الشباب يشكل غالبية ساكنة المغرب إذ تشكل الفئة العمرية لأقل من سنة إلى 34 سنة، أكثر من 60% ويعتبر ذلك معطىً موضوعيا تتعامل معه بعض الدول كمنجم من الذهب تستخرج منه الطاقة الحية للتطور والتقدم. فكيف هو الأمر بالنسبة للسياسات العمومية للدولة المغربية؟

هذه السياسة أصبح الكل بما فيه رأس الدولة يعتبرها فشلت في وضع برنامج تنموي وأصبح الجميع يسوق النسب والمعدلات والإحصائيات للتدليل على هذه الحقيقة، والتي لم تعد تحتاج إلى كبير جهد أو محاضرات “علماء الاقتصاد الذين كانوا بالأمس من أكبر الممجدين لهذه السياسات نفسها.

في هذا الإطار دعونا نرى بشكل من التفصيل واقع الطفولة وخاصة من بابه الأساسي الذي هو عالم التلميذات والتلاميذ. لأن هذه الفئة من شباب المغرب هي الفئة الحاسمة في تشكل شخصية هذا الشباب بل شخصية المواطن والمواطنة. فكلما كان الإعداد المادي والمعنوي جيدا كلما كانت هذه الفئة بمثابة المعدن الخام الذي ستستخرج منه الخبرات والكفاءات النوعية التي ستخدم البلد وتقوي مناعته.

لذلك شهدنا عبر تجارب الأمم المتحضرة والتي استطاعت أن تختصر زمن التقدم سياسات نوعية جعلت التلميذ/ة في قلب اهتمامها وذلك بضمان كل احتياجاته ابتداء من شروط العيش والحياة سواء داخل أسرته أو داخل مجمعات الشباب يشرف عليها خبراء في الرعاية والتنشئة كما تم الاهتمام بالتعليم على مستويين: أولا تعميمه وإجباريته إلى حد سن معين؛ ثم نوعيته وجودته.

بينما في المغرب اعتبرت الدولة دائما تعليم الأطفال عبءً يثقل ميزانية الدولة وعليها أن تتخلص منه كلما سنحت موازين القوة داخل المجتمع. ومن خلال كل عقود سياسات النظام كانت النتائج المحصل عليها اليوم هي عدم تحقيق إجبارية التعليم وتحويل التعليم العمومي إلى نوع من الحظائر تجمع فيها الدولة التلاميذ وكأنهم دواب تنتظر أن تساق إلى الأسواق للبيع كيد عاملة رخيصة جاهلة وأمية. يعتبر في هذا الإطار الهدر المدرسي أحد أوجه الفشل الكبير للتعليم العمومي وهو ما تعكسه شهادة الباكالوريا التي شكلت ميدان معارك للحركة التلاميذية بالمغرب.

وقد كانت نسب النجاح نفسها تعكس نوعا من صراع الدولة مع جماهير الشعب وأبنائها وهذه بعض الأمثلة:
1965: كانت نسبة النجاح لا تتجاوز 28.97% ، كانت الشبيبة تنتفض وتناضل وهو ما عرف بانتفاضة 23 مارس 1965 بالبيضاء التي كان لها صدى وطنياً.
1969: كانت نسبة النجاح 59.13% ، تأثير انتفاضة ماي 1968 الشبابية الفرنسية. كانت العدوى على الصعيد العالمي ولنجاح حركات التحرير في العالم.
1993: لم تتجاوز نسبة النجاح 10.54% ، المغرب يهوي إلى القاع والحسن الثاني يشعر بعوامل السكتة القلبية.
2011: وصلت نسبة النجاح 62.54% ، الشباب المغربي ينظم المسيرات والمظاهرات التاريخية في حركة 20 فبراير2011 ومنه من يبيت في الاجتماعات لتنظيم وللإعداد للمسيرات، رغم ذلك يعلن النظام على أعلى نسبة نجاح لم تحقق على الإطلاق طيلة سنوات ما بعد الاستقلال الشكلي.

أما عند البحث في الدور الموكول للمدرسة وملحقاتها من دور الحضانة والمعاهد ودور الشباب ودور الثقافة ومدارس عليا وجامعات؛ فإن كل هذه المؤسسات أوكلت لها مهمة تعليم الجهل، كيف ذلك؟

يولد الإنسان وهو بالفطرة محب لفهم علاقات وأسباب الظواهر التي يصادفها في الحياة. يولد الإنسان وهو يستعمل ملكة الفكر ويشغل الدماغ من أجل تحصيل المنافع الروحية والمادية وبأقل مجهود إذا أمكن، ولذلك تراه يكتشف الوسائل والطرق وأساليب تحقيق أهدافه. يستطيع الإنسان أن يميز بين الخير والشر. لكننا عندما نقارن بين هذه المكتسبات على الفطرة وما يجنيه المتعلم في مدارس المغرب، نجده يخرج خالي الوفاض بل يخسر الكثير منها ويتعلم الجهل. أول ما يتعلمه هو تعطيل الدماغ وهجر السؤال وحرقة البحث والتأمل في الظواهر الطبيعية والاجتماعية لكشف أسرارها وقوانينها. يتعلم في المدرسة ولواحقها كيف يمشي ضد التيار، لكي ينجوا من الغضب الرباني الذي توعد به الآخرين الخارجين عن الملة والإيمان بما عنده هو لا غيره. تعلم المدرسة أن من يستحق السلطان والحكم هو من انقطع عن مجتمعه وتنكر له. لذلك تقدم الجهلة الأغبياء الصفوف ونصبوا أنفسهم أولياء على البشرية .

ليس أمام المغرب من مخرج إلا وقف هذا النزيف. يجب حماية الأطفال والتلاميذ من هذا الهدر الإجرامي وهذه مهمة ملقاة على القوى الحية ببلادنا؛ لا تقبل التأجيل أو التسويف. في إنجازها تتحقق نهضة النضال الشعبي ضد الاستبداد والكتلة الطبقية السائدة. وأحد روافد هذا النضال مهمة بناء حركة تلاميذية بمميزات المرحلة وبارتباط بالحركات الاحتجاجية والحراكات الشعبية. ومن نافل القول التأكيد على الدور الرائد الذي لعبه ولا زال المعلمون والمعلمات والأساتذة والأستاذات كما أن غياب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يعتبر أكبر خسارة للحركة التلاميذية وليس فقط للحركة الطلابية. إن الحركة التلاميذية في النهاية هي أم الحركة الطلابية وليس العكس كما يعتقد البعض. والنظام فهم ذلك وضرب الحركة التلاميذية في مقتل لما أغرقها في الجهل والهشاشة.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا