الرئيسية » الحركة التلاميذية المغربية : احتجاج على منظومة مسار أم على مسار منظومة؟

الحركة التلاميذية المغربية : احتجاج على منظومة مسار أم على مسار منظومة؟

كتبه chabiba

بقلم : أحمد صديقي

  • أولا : الحركة التلاميذية المغربية  : مسيرة نضال مستمر

     يعود نضال الحركة التلاميذية المغربية [1]  بجذوره  لظهور البدايات الأولى للمدرسة المغربية نفسها ، سواء من خلال التعليم العتيق/التقليدي الذي استهدف بالأساس نشر التعليم ( القراءة ، الكتابة، الحساب…) وسط الفئات الشعبية (وإن ظل ضيقا جدا وانحصر في معظمه على الذكور دون الإناث) من خلال الدور والكتاتيب وبعض المدارس العتيقة التي لم تكن لتفصل بين التربية الدينية ومحاربة الأمية ، وهو ما ساهم – بشكل موضوعي – في تشكيل الإرهاصات الأولية للوعي بضرورة مقاومة الوجود الإستعماري الفرنسي والإسباني.

     إلا أن البداية الفعلية لتشكل الوعي الوطني داخل الفئة التلاميذية كان مع ظهور المدرسة العصرية [2] التي أسستها الإدارة الفرنسية[3] ، والتي ساهمت في تخرج مناضلين ساهموا في تشكيل ما عرف بالحركة الوطنية المغربية التي مثلت الدرع السياسي الواعي لمقاومة الإستعمار الفرنسي- الإسباني . فيما بعد ظهرت الأنوية الأولى لمدارس خاصة بناها بعض رموز الحركة الوطنية لتلعب دورا مزدوجا : تربوي – تعليمي ثم توعوي – سياسي، وهو بالفعل ما مكن من التحاق أطر نضالية في صفوف الحركة الوطنية، ونذكر هنا الدور الذي لعبه أساتذة  الحركة اليسارية والتقدمية (شيوعيين مغاربة وفرنسيين) في نشر الوعي الوطني للنضال من أجل الإستقلال. وهذا الوعي هو ما شكل قاعدة أساسية لبروز وتطور الحركة الطلابية المغربية والتي ستخوض نضالاتها من خلال تجارب تنظيمية مختلفة قبل أن تؤسس إطارها النقابي الوحيد الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ( إ.و.طم. UNEM) عام 1956 والذي سيفك ارتباطه مع النظام في مؤتمره السادس المنعقد بأزرو عام 1961 بعد أن قرر التخلي عن الرئاسة الشرفية ل"الحسن الثاني"[4]. وهكذا يمكن القول أن نضال الحركة التلاميذية ما قبل الاستقلال الشكلي لسنة 1956 كان ينصب بالأساس على المطالبة بالاستقلال  وطرد المستعمر ، ولذلك فقد شكلت الحركة التلاميذية رافدا أساسيا للحركة الوطنية ضد الوجود الاستعماري.

      بعد إعلان استقلال البلاد ( والذي كان شكليا) دخل النظام المخزني في سلسلة من المخططات التعليمية ما بين (1957 – 1968) والتي عكست استمرار ارتهانه للإدارة الفرنسية ما بعد 1956، فكان لقرار وزير التعليم آنذاك يوسف بلعباس الذي أصدر قرارا بطرد التلاميذ البالغين من العمر 15 سنة من السنة الأولى والبالغين من العمر 16 سنة من السنة الثانية والبالغين 17 سنة من السنة الثالثة من المؤسسات التعليمية. فكان للقرار أن أجج غضب التلاميذ فدعوا من خلال أشكالهم التنظيمية ( الوداديات المرتبطة بUNEM ) للإحتجاج ، فخاضوا نضالات بطولية ( 1960- 1964 )  قوبلت بالقمع الشرس لكنها لم تثنيهم عن الخروج للشارع[5] يوم 23 مارس1965، وقد تزامن هذا الخروج مع الاحتقان الإجتماعي  للجماهير الشعبية التي اكتوت بنار لهيب الأسعار وتدهور الخدمات العمومية ، مما جعلها تلتحق بالاحتجاج التلاميذي وتساهم في اندلاع انتفاضة 23 مارس المجيدة 1965 التي واجهها النظام المخزني بقمع أهوج خلف مئات الشهداء والمعطوبين والمعتقلين … ومن هنا نفهم اليوم لماذا يتم الإجهاز على المدرسة العمومية ، فالجواب واضح : لأنها تشكل خطرا على النظام المخزني والطبقات السائدة المرتبطة به.فالحركة التلاميذية شكلت ولازالت معارضة حقيقية للمخزن وسياساته.

    لقد كان لانتفاضة 23 مارس المجيدة وما رافقها من مواقف متخاذلة من طرف حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية ، أحد الاسباب الرئيسة لظهور الحركة الماركسية اللينينية المغربية ( حملم ) والمشكلة من منظمة – أ-  " 23 مارس" ومنظمة –  ب- " إلى الأمام " والتي اعتبرت الشبيبة المدرسية طليعة تكتيكية للحركة الجماهيرية[6] ، مما أسفر عن "تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ " (ن.و.ت) بموسم 1972/1971 كنقابة سرية،   وذلك تحت ضغط القمع المخزني ، إلا أنها استطاعت  خلال سنتي 72/71 أن  تقود بالفعل حركة التلاميذ وتقود نضالاتها من أجل الحق النقابي وضد كافة مظاهر التعليم الطبقي، واستمرت تلك النضالات رغم تراجعها الكبير في الفترة الممتدة ما بين (1973-1979 ) بفعل حملات القمع التي استهدفت مناضلات ومناضلي ( حملم ) لتعود الحركة   بنضالات السنة الدراسية 79/، ضد مختلف الإصلاحات الجديدة للامتحانات، ضد الظروف الدراسية المتردية، ضد السياسة التعليمية النخبوية، ضد زيارة الشاه المخلوع للمغرب ، تخليدا لذكرى استشهاد سعيدة المنبهي، تضامنا مع الحركة الطلابية (24 يناير) وتضامنا مع الشعب الفلسطيني (يوم الأرض 30 مارس[7]... وكلها نضالات قابلها النظام المخزني بالقمع والتضييق.

     استمرت الحركة التلاميذية في نضالاتها وتراوح فعلها بين المد والجزر لكنه لم يتوقف ، فقد لعبت دورا طلائعيا في انتفاضات 1981 ثم 1984 التي استهدفت بالقمع الشرس بشهادة رئيس الدولة آنذاك "الحسن الثاني " الذي توعد في خطاب تلفزيوني له  المحتجين (من بينهم  الاساتذة والتلاميذ – الدراري – على حد تعبيره )  بالوعد والوعيد فكان له ما صرح به من القمع والتنكيل ، ونالت الحركة التلاميذية والحركة الطلابية  الحظ الاوفر .وتأكد للنظام مرة أخرى أن إحدى قلاع المعارضة الحقيقية هي الحركة التلاميذية ، ومن ثم ، فمن الواجب القضاء عليها بالإجهاز على المدرسة العمومية وضرب الحق في التعليم إلى جانب استهداف القطاعات الأخرى، ولن تكون إملاءات الدوائر الإمبريالية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية …) سوى سبيلا لذلك.

    بعد ظهور حركة 20 فبراير، التي رفعت من بين مطالبها  شعار مطلب  مجانية التعليم وتعميمه ، عرفت الحركة التلاميذية دينامية نضالية متجددة مستفيدة من الشروط التي فرضتها الحركة ، تلك الدينامية ستصل بالحركة التلاميذية المرتبطة بحركة 20 فبراير دعوة التلميذات والتلاميذ إلى تنظيم أيام وطنية للإحتجاج ضد السياسات التعليمية ، وقد لقيت كلها نجاحا كبيرا، وتوجت بتأسيس "اتحاد الطلاب من أجل تغيير النظام التعليمي" كنواة لربط النضال التلاميذي بالنضال الطلابي ونقل المطالب للشارع المغربي من خلال أشكال نضالية مختلفة –  نهاية الموسم الفارط وبداية هذا الموسم – وهو ما تحقق بالفعل في العديد من المدن  والمناطق.

  • ثانيا : نضال تلاميذي ضد مسار منظومة فجرته منظومة "مسار"

     أعلنت  وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني عن ما أسمته ب"منظومة مسار " في التدبير المعلوماتي والإلكتروني للحياة المدرسية الخاصة بالمتعلم(ة)، والذي وضع  من ضمن أهدافه " تكوين قاعدة معطيات وطنية شاملة توفر إمكانية التتبع الفردي للتلميذ"  وذلك من خلال عدة مراحل:

  • المرحلة الأولى: ( أنجزت) وتهم تكوين قاعدة معطيات وطنية للتلميذات والتلاميذ.
  • المرحلة الثانية : في ( طور الإنجاز) وتهم عمليات التقويم والنتائج.
  • المرحلة الثالثة : ( لم تنجز بعد) مرتبطة بالموارد البشرية  وتدبير الزمن المدرسي .
  • المرحلة الرابعة : ( لم تنجز بعد) مرتبطة بالحياة المدرسية عموما.

     المساهمة لا تهدف الوقوف عند تحليل وتناول مكونات وأهداف وحيثيات " برنامج مسار " فذلك يتطلب معطيات أوفر لازالت في لوح محفوظ عند الوزارة وتحتاج مجالا أوسع كذلك. لكن ما يهم هو أن الإعلان عن "مسار" أعقبه رد  قوي واحتجاج عارم للتلميذات والتلاميذ فخرجت  الآلاف وعشرات الآلاف منهم في مسيرات واحتجاجات بمختلف مدن ومناطق المغرب للمطالبة بتعليم عمومي وجاني وجيد (مراكش، كلميم، أكدير، الجديدة ، أقا، البيضاء، الرباط ، سلا ، تيفلت ، تمارة ،خنيفرة ، فاس، الحسيمة ، وجدة ، الناظور، زاكورة، الرشيدية، الجرف-الرشيدية، بني ملال، طنجة، بلقصيري، إمزورن، تماسينت، تاونات، تارودانت، تطوان، طنجة ،شفشاون، القنيطرة، القصرالكبير، تازة ، سطات ، تيزنيت، دمنات، إمزورن، طانطان، …) أربكت وزارة التعليم فتوالت التوضيحات والتصريحات ، بل والملاحقات والمضايقات وقمع التلميذات والتلاميذ. لعبت منتديات التواصل الإجتماعي دورا كبيرا في التواصل، لكن باعث الإحتجاج كان أقوى. فما الذي تضمنه برنامج "مسار" ليدفع بكل تلك الإحتجاجات الضخمة التي عرفت تعتيما إعلاميا رسميا مقصودا ؟

     بعيدا عن الجواب(التمويه) الرسمي الذي تبنته الوزارة والذي اتهمت فيه جهات وأطراف في الوقوف وراء الإحتجاجات ، وبغض النظر عن قدرة أي طرف في تحريك ذلك الكم الهائل من جماهير التلميذات والتلاميذ ومدى نيل جواب الوزارة من قدرة التلاميذ و وعيهم بالرغم من  استهداف التعليم نفسه لوعيهم الحقوقي ، يأتي الجواب من التلاميذ أنفسهم في شعاراتهم ، لافتاتهم، تصريحاتهم، وبياناتهم … الاحتجاج ليس ضد مسار تحديدا ولكن ضد مسار منظمومة تعليمية تستهدف المدرسة العمومية وجودة التعليم العمومي.

    تضاربت الٍأرقام حول التكلفة المالية (حوالي 18 مليار سنتيم) لبرنامج مسار، وأولويات الإصلاح وما يفرضه من تكلفة، وعن مسألة إشراك المعنيين وانفراد الوزارة كعادتها بتنزيله، ثم علاقته بالإصلاح الحقيقي للتعليم، وكذا الإرتجالية في تطبيقه ما جعل الغموض يلفه عند التلاميذ و أطر التدريس بل والأطر الإدارية أنفسهم، ولحدود كتابة هذه المساهمة لازال التلاميذ والتلميذات لم يتوصلوا بمعدلاتهم للأسدس الاول  وتلك آية من آيات تسريع وتيرة الإشتغال والتدبير الجيد.

    هناك سؤال يفرض نفسه، لو كانت منظومة التعليم بالمغرب جيدة وكان الإصلاح الحقيقي قد شق طريقه، فهل كان لمسار أن يثير غضب التلميذات والتلاميذ؟ الجواب بالنفي طبعا  فهو النقطة التي افاضت الكأس ، لأن كل مؤشرات التعليم بالمغرب الوطنية منها والدولية تضعه في أسوأ ترتيب، وتؤكد على أزمته البنيوية ومرضه العضال. لكن من السبب في تلك الأزمة؟

    تهربا من المسؤولية ، الجاني يحمل المسؤولية دائمة للضحية ، والدولة ترى في أطر التدريس سببا في تراجع وانتكاسة منظومة التعليم، كأنهم  هم أصحاب القرار السياسي في التعليم وهم من وضعوا التصورات والبرامج، أو أنهم سبب الإكتظاظ في الفصول والخصاص في الأطر الإدارية والتربوية وقلة ورداءة التجهيز، وبعد المسافة بين المؤسسات و المتمدرسين/ات  و عدم ملاءمة العديد منها لشروط العمل والتعلم.

    لكن طالما اعتبرت الدولة – وخلفها النظام المخزني – التعليم قطاعا غير منتجا ( ماليا طبعا) ومكلفا لميزانيتها، وهو موقف إيديولوجي تبرر به سياسة الإجهاز على الحق فيه  يحجب حقيقة مساهمة التعليم الجيد  في التنمية الإنسانية الحقيقية والتنمية البشرية عموما، التعليم غير الجيد كما هو الحال في منظومة التعليم بالمغرب لا ينتج مجتمع مواطنة وعلم ومعرفة وأريد له أن يكون كذلك، لذلك سيظل مكلفا ليس للمال فحسب وللإنسان كذلك، وضعيته تمثل امتدادا للفساد الذي ترعاه مافيا مخزنية ممتلكة للقرار السياسي  الحقيقي في كل القطاعات (اقتصاد، سياسة، ثقافة ، فن، إعلام…) .

خلاصات عامة :

  • أزمة التعليم ليست ناتجة عن أخطاء تقنية في التقدير والتدبير بل هي سياسة معتمدة مع سبق الإصرار والترصد لضرب المدرسة العمومية والتعليم العمومي ووعي المجتمع.
  • الإحتجاج التلاميذي لم يحركه "مسار" بل دافعه هو تردي مسار منظومة تعليمية .
  • أبانت الحركة التلاميذية عن استعداد نضالي كبير يحتاج للتأطير والتطوير واستفادت من انهيار حاجز الخوف بفضل نضالات حركة 20 فبراير المجيدة.
  • النضال من أجل تعليم عمومي مجاني وجيد يستوجب تضافر جهود الجميع : قوى سياسية، نقابية ، شبيبية، جمعوية، مثقفون ، إعلاميون…لأنه لا  ينفصل عن النضال المرير ضد الفساد والإستبداد من أجل الديمقراطية في كل أبعادها( الإقتصادية والسياسية والإجتماعية  والثقافية …) وبناء مجتمع الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الإجتماعية .

 

[1] – نورد هنا مقتطف من مقال نشر سابقا بالجريدة وهو اليوم منشور بموقع شبيبة النهج الديمقراطي chabibanahj.org  بعنوان: "الحركة التلاميذية المغربية : لمحة تاريخية وواقع الشغال القوى السياسية"

 

 

2-  أنظر في هذا الصدد وثائق المؤتمر الوطني الثاني لشبيبة النهج الديمقراطي – كراس النهج – شبيبة النهج الديمقراطي والقطاع التلاميذي .ص.ص.30-39.

 

 

 [3]–  يمكن الرجوع في هذا الصدد لمقال محمد شوية : المسألة التعليمية في المغرب ، منشور بجريدة النهج الديمقراطي ، عدد 150 في 03 أكتوبر 2011.

 

 

 4 – يمكن لرجوع هنا للعديد من الادبيات حول الحركة الطلابية المغربية منها : الحركة الطلابية :التأريخ والإمتداد ، عبد المومن اشباري أبريل 1990.

 

 

[5]  – Voir : Majdi Majid : les luttes de classes au maroc de 1955 à 1983 ; éditions Hiwar ; Rotterdam ; 1987.

 

 

 – [6] هذا الموقف/التقدير ستنتقده منظمة إلى الأمام نفسها في مرحلة إعادة البناء الفكري  والتنظيمي والسياسي ، لأنه موقف أدى  إلى طمس طليعة الطبقة الثورية حتى النهاية أي الطبقة العاملة  و أدى إلى حصر عمل المنظمة  الجماهيري والتنظيمي في الشبيبة المدرسية وتهميش عملها الجماهيري والتنظيمي وسط الطبقة العاملة.

 

 

 – [7] وثيقة منظمة إلى الأمام :  العمل وسط التلاميذ سنة 1980 . منشور بموقع شبيبة النهج الديمقراطي chabibanahj.org

 

 

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا