الرئيسية » التسريب والغش في امتحانات الباكالوريا واختلال المنظومة التعليمية بالمغرب

التسريب والغش في امتحانات الباكالوريا واختلال المنظومة التعليمية بالمغرب

كتبه chabiba

 أحمد صديقي

     في يوم الأربعاء 10 يونيو من هذه السنة، تفجرت فضيحة تسريب اختبار مادة الرياضيات لامتحانات الباكالوريا في دورتها العادية شعبتي العلوم والتكنولوجيا، التسريب حسب ما تم تداوله  كان حوالي الساعة الثانية صباحا في حين أن الإجراء تم على الساعة الثامنة من صباح نفس اليوم، أي قبل خمس ساعات من موعد الإجراء، الحدث أجج غضب المترشحات والمترشحين وعائلاتهم، تحول الغضب لاحتجاج بالعديد من المدن المغربية أمام مراكز الامتحان ومقرات الأكاديميات، لتستعجل الوزارة بلاغا أكدت فيه صحة الخبر وقررت في بلاغ آخر إعادة إجراء اختبار المادة في يوم الجمعة 12 يونيو، وهو فعلا ما تم، بل وأن المترشحين لمسوا مدى سهولة الامتحان "المُستدرك" بالمقارنة مع الامتحان " المُسرب" الذي كان في غاية الصعوبة حسب تصريحات العديد منهم.

    فضيحة التسريب تؤشر على الفساد الذي ينخر قطاع التعليم كغيره من القطاعات الأخرى، فهي ليست المرة الأولى ولكنها النوعية، وذلك لأسباب عديدة لعل أهمها تدخل منتديات التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية في تداول الخبر ونقل تداعياته، ثم قرار الوزارة بإعادة الإجراء .

    لكن حدث التسريب لا يمكن فصله – كما سبقت الإشارة- عن حجم الفساد الذي تعيشه المنظومة التعليمية بشهادة الممارسين والمتتبعين، بل و وحتى المسؤولين عن تدبير القطاع، و إن اختلفت الدوافع والخلفيات والغايات بين مختلف التقييمات.

    ليس الهدف من هذه المساهمة الوقوف عند مظاهر الفساد المستشري في منظومة التعليم، ولكن للوقوف، بشكل مقتضب، عند أهمية  وخطورة الحدث الذي لحدود كتابة هذه الأسطر لازالت الوزارة الوصية لم تكشف بعد عن نتاج التحقيقات التي قالت أنها فتحتها في الموضوع، في الوقت الذي تعالت فيه دعوات ومطالب الكشف عنها للرأي العام ومحاسبة كل من تورط في الفضيحة.

    ومن المفارقات التي يمكن تسجيلها، أن القطاع الذي يفترض في أن يكون أحد ركائز التنمية الحقيقية، تنمية الإنسان، وهو قطاع التعليم، إذ يرتبط الآن في المغرب بقيم الفساد والغش ومظاهر العنف بشقيه المادي والمعنوي.. فمن السبب؟

     الجواب: إن ما تعرفه المنظومة التعليمية ببلادنا من فساد، هو فعل مقصود وليس نتيجة أخطاء في التدير، أو قل بلغة قانونية ، مع سبق الإصرار والترصد، والجاني فيه هو المخزن. وبرامج " الإصلاح" التي تنهجها الدولة في حقل التعليم منذ عقود لم تؤد إلا إلى تدهوره موسما بعد آخر، والغاية كانت و لازالت هي ضرب المدرسة العمومية، لكي يفقد المواطن المغربي الثقة فيها ويغير الوجهة نحو التعليم الخاص، بل ويقبل، بدون وعي، بالتراجعات الخطيرة عن الحقوق والمكتسبات في ميدان التعليم وميادين أخرى، بل ويفقد الإيمان في كل إمكانية لأي تغيير ديمقراطي حقيقي، وهي ثقافة مست حتى جزء كبير من المشتغلين بقطاع التعليم.

     واليوم يمكن القول أن الدولة المخزنية نجحت إلى حد كبير في ذلك، نظرا لانتشار التعليم الخاص وسيادة قيم الأنانية والوصولية والانتهازية… وهكذا فالغرض من تخريب المنظومة التعليمية هو خوصصة قطاع التعليم، مثلما هو الشأن في قطاعات أخرى، ( المناجم، المكاتب ، والوكالات العمومية وشبه العمومية التي نشأت العديد منها مع حكومة عبد الله إبراهيم قبل أن يقيلها الحسن الثاني). حتى يظهر على أنه عبء على ميزانية الدولة وبالتالي يجب التخلص منه، وهذا ما صرح به بنكيران مؤخرا في أن الحل الذي يمكن تقديمه لمشكلة التعليم  هو الخوصصة.

    هل الدولة تستهدف محاربة الفساد في قطاع التعليم؟ الجواب قطعا لا لأنها مصدره، وكل كلام أو إجراء بخصوصه ليس سوى ذر للرماد في عيون الرأي العام لتغليطه، فهي تظهر بمظهر الحريصة لتُخلي نفسها من المسؤولية، و"تلميذ اليوم" الذي يمارس الغش ويدافع عنه هو نتيجة لمنظومة تعليمية فاسدة، ولتنشئة اجتماعية عملت أدواتها ( الأسرة – المدرسة- الإعلام – المسجد – الشارع …) على إنتاجه وإعادة إنتاجه بالشكل الذي هو عليه الآن،  بلا وعي حقيقي وبلا قيم أخلاقية وإنسانية، والأمر نفسه يقال على بعض الأطر الإدارية والتربوية،  والحكم هنا طبعا بشكل عام فهو القاعدة التي لا تلغي الاستثناءات نظرا لتدخل قوى المقاومة والدفاع.

    النظام المخزني أراد ل"تلميذ اليوم" و"مواطن اليوم" أن يكون على هذا المستوى من فقدان الثقة والأنانية وسيادة مظاهر العنف …والدولة وحدها من تملك القدرة على تغيير ذلك لأنها هي التي تملك الوسائل والميكانيزمات و"القرار السياسي" شرط تخلصها من التبعية للخارج الامبريالي والرجعي الخليجي، وبالتالي فمعركة المدرسة العمومية هي معركة الديمقراطية ببلادنا ، معركة ضد المخزن وحلفائه، فهو العدو الأول للديمقراطية، والذي لم يسمح بهامش منها في كل لحظات تاريخه إلا تحت الضغط الشعبي، ولنا في تجربة حركة 20 فبراير خير مثال على ذلك.

     والمفروض أن تكون الشبيبة التعليمية (تلاميذ وطلبة) رأس الرمح في الدفاع عن المدرسة العمومية مما يستوجب تقوية أدواتها الدفاعية ( الاتحاد الوطني لطلبة المغرب – اتحاد الشباب الديمقراطي – اتحاد تلاميذ وطلبة لتغير النظام التعليمي …)  في الوقت الذي توالت فيه خيانات النقابات لقضايا الاسرة التعليمية ولقضايا الشعب المغربي ودخلت في سلم اجتماعي مفتوح، ولذلك تمتد معركة الدفاع عن المدرسة العمومية لمعركة الصراع ضد المافيات النقابية لأجل دمقرطة النضال النقابي النبيل.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا