الصفحة الرئيسية • وجهة نظرأقلام وآراء الشبيبة يونس سالمي : في المركزية الديمقراطية

يونس سالمي : في المركزية الديمقراطية

كتبه user B

” لن يتمكن الحزب الشيوعي من أداء واجبه إلا اذا كان منظما على أقصى درجات المركزية “

لينين

لا يمكن لأي حزب ثوري حقيقي يضع نصب أعينه مهمة تنظيم الطبقة العاملة وجمهور الكادحين وتنظيم كفاحهم لخوض غمار الصراع الطبقي من أجل الوصول للسلطة وافتكاكها من يد البرجوازية ، أن ينجز هذه المهمة دون أن يمتلك أدوات وأساليب عمل تؤهله لذلك ، فحزب من هذه الطينة وبهذه المهام الجبارة لا يمكنه التقدم في وضع الاستراتيجيات و التكتيكات ومواجهة تقلبات الاوضاع السريعة وتنظيم الجماهير الغفيرة والسير بها الى الهجوم عندما يكون الوضع يستدعي الهجوم وتوجيهها نحوالتراجع عندما يفرض الوضع التراجع…إلخ كل هذه المهام تستدعي حزبا من طراز جديد ، حزب يعتبر عن حق الفصيلة المنظمة للطبقة العاملة، حزب راسخ جماهيريا وصلب تنظيميا تسوده روح الانضباط و النظام في تأدية مهامه ، حزب يتحرك كهيئة أركان حرب موحدة ،حزب يستطيع ان يمسك في يده كل الخيوط ويوجهها خدمة للطبقة العاملة والجماهير الغفيرة من الفلاحين و الكادحين ـ ات .

لكن حزب بهذه المواصفات ، يستدعي أيضا أن يثقن فن تنظيم نفسه وعلاقاته الداخلية و المرتبطة جدلا بمحيطه ، فكل المهام أعلاه تستدعي أداء موحدا وقيادة موحدة وعمل موحدا ، ووحدة هذه العناصر الاساسية تستدعي سيادة علاقات تنظيمية ديمقراطية بين أفراده وأجهزته، والعلاقات التنظيمية الديمقراطية تسدعي أيضا هيكلا مركزيا لينظمها ويحل التناقض القائم بين الفرد و الجماعة ، بين الاجهزة العليا و الدنيا بين المنظمات الحزبية و الشبه حزبية و الجماهيرية …إن التجربة التاريخية للاحزاب الثورية العالمية أتبثت بالملموس أنه بدون الارتكاز للمبدأ التنظيمي ” المركزية الديمقراطية ” لا يمكن أبدا حل معضلة  الفرد و الجماعة في التنظيم وضمان وحدة العمل و القيادة .

غير أن هذا المبدأ التنظيمي ( اللينيني ) كان محط نقاش حاد بين العديد من الاحزاب والمنظمات العمالية حول مضمون تطبيقه ( على الاقل منذ المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي سنة  1921  )  ، فهناك من إعتبر ” المركزية الديمقراطية ”  هي الحق في تكوين الاتجاهات و التكتلات داخل الحزب ، وهناك من إعتبر انه وجب مراجعة هذا المبدأ التنظيمي و ” تطوير” التنظيم الماركسي في اتجاهات ” أكثر ” ديمقراطية .

إن الخطأ الشائع الذي يقع فيه الكثير من الرافضين لمبدأ ” المركزية الديمقراطية ” والذين يعتبرونه ” استفراد الاجهزة القيادية بالقرارات ” و ” ذبح للديمقراطية الحزبية ” التي لازاما عليها أن تراعي حرية الفرد وحرية احتفاظه بقراراته وعدم التقيد بقرارات هو غير متفق معها . إن هذا الخطأ الشائع يقع بالضبط في الفصل الميكانيكي بين لحظتي الديمقراطية و المركزية باعتبارهما وحدة متناقضات تعتمد الواحدة فيها على الاخرى و النظرلكل طرف نظرة وحيدة الجانب : الديقراطية أو المركزية وليس مبدأ يقوم على وحدة نقيضين يكمل أحدهما الاخر ، فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية بدون مركزية والعكس صحيح ، فالمركزية الديمقراطية هي لحظيتين من التنظيم : لحظة الديمقراطية التي تطرح فيها القرارات وتناقش بدون خطوط حمراء وتتبارى الافكار وتتصارع فيما بينها بشكل مبدئي وهي لحظة كذلك يضمن من خلالها الحزب حق كل فرد في أن يطلع على ما يشاء من أمور الحزب الداخلية ( طبعا وفق مركز ذلك الفرد ) وأن يناقشها بدون تحفظ أو وصاية أو ضغط وعند الاحتكام لمجموع الحزب وحسم الامورسواء بأسلوب الاقتناع أو الاحتكام للاغلبية و الاقلية تأتي لحظة المركزية التي هي مكمل للديمقراطية وليس نفيا لها، لحظة تستدعي كذلك إنضباط الاقلية للاغلبية ( سواء تعلق الامر بجهاز محلي أو جهوي أو وطني ) هذا الانضباط يجب ان يكون انضباطا صارما ، والانضباط الصارم لا ينفي حق الأقلية في الدفاع عن وجهة نظرها وعن رأيها عندما تحين لحظة الديمقراطية خلال مرحلة تقييم الممارسة و الاداء .

إن لحظة الديمقراطية هي لحظة لا تنفي وجود الاتجاهات داخل الحزب ، و الاتجاهات كما يعلم الكل هي عكس التيارات أو الكتل، فعيب هذه الاخيرة هي تيارات و اتجاهات خلال مرحلتي الديمقراطية والمركزية لهذا هي مضرة بالتنظيم ، فالتيارات و التكتلات ( التي يطبل لها البعض على أنها لب المركزية الديمقراطية ) هي تيارات متكتلة حول نفسها لها خطها السياسي ( رغم أنها تحاول دسه وراء الديمقراطية )  و ادواتها التنظيمية خلال لحظة الديمقراطية وتبقى كذلك في لحظة المركزية ، التي تستدعي قيادة وممارسة موحدة مركزية وهي بهذا العمل تحول الحزب من مركز واحد موحد حول أسلوب عمل وخطة معينة  الى مراكز متعددة تفقد الحزب وحدته وتناسق عمله وفي نهاية الامرتفقده هويته. وهي كذلك عكس الاتجاهات التي تكون ظرفية خلال التهييئ لمحطة تنظيمية أو أثناء محطة تنظيمية يتفق خلالها مجموعة من الافراد حول وجهة نظر معينة يدافعون عنها خلال مرحلة الديمقراطية ويحاولون أن يصيروا أغلبية خلال لحظة معينة من عمر التنظيم ، وتنتهي مهمتها  بانتهاء لحظة الديمقراطية .

والديمقراطية المركزية هي على النقيض في مجملها عن الديمقراطية المتطرفة ( الطفولية ) والتي تعتبر أن الشكل السليم للمركزية الديمقراطية هو شكل ” المركزية الديمقراطية من القاعدة للقمة ” الذي يدعو الى ” ترك  جميع القضايا تناقش في القاعدة أولا …ثم تتخذ القيادة القرارات بشأنها بعد ذلك ” وهذا أسلوب لا تنهجه حتى النقابات المهنية وما بالك بحزب يعتبر الطليعة الواعية للطبقة العاملة، وهذا الشكل من الديمقراطية هو نزعة مصدرها الاستخفاف بالتنظيم و الانسياق وراء المزاج الشخصي ، ولكي يدحض الحزب هذه النزعة وجب عليه تشجيع الحياة الديمقراطية الداخلية الموجهة في ظل المركزية وعلى الاجهزة القيادية كي تستحق هذا الاسم أن تضع التوجيهات الصحيحة للحزب وتجد الحلول للمشاكل التي تعترضها إن أرادت هي تأهيل نفسها لتكون مراكز قيادية . 

والديمقراطية المركزية هي كذلك على النقيض من المركزية البيروقراطية التي لا ترى في أعضاء الحزب وأجهزته سوى أداوت للوصولية وتقلد المناصب  أجهزة صماء تنفذ الاوامر بشكل أعمى ، وتنفيذ الاوامر بشكل أعمى يعتبره ماو هو التعبير الملموس و الاسلوب  الاكثر لاباقة لمعارضة تلك الاوامر نفسها . إن جماعية القيادة هي التعبير الاسمى عن الديمقراطية الداخلية ومن جهة أخرى هي تعبير عن الارادة الموحدة داخل التنظيم التي تدفعه نحو الامام لتجسيد مهامه وتنظيم طبقته.  

——————————————————

نشر هذا المقال في جريدة النهج الديمقراطي عدد يوليوز

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا