الرئيسية » المرأة العاملة والعمل النقابي بالمغرب

المرأة العاملة والعمل النقابي بالمغرب

كتبه saad mertah

عزيزة الرامي

في ظل خضوع النظام المخزني المغربي لإملاءات المؤسسات المالية الدولية وفرض سياسة التقشف ومواصلة الهجوم على حقوق الطبقات الشعبية، أصبحت الطبقة العاملة اليوم تعيش أوضاعا مزرية وتواجه الموت المحقق بتعريضها لخطر الإصابة بالوباء مقابل مراكمة الأرباح من جهة أخرى، والمرأة العالمة باعتبارها جزء لا يتجزأ من الطبقة العاملة، تعتبر اليوم ضحية الثالوث الملعون “الباطرونا-المخزن-البيروقراطية” حيث تعيش تحت أولا وطأة الفقر والهشاشة والاستغلال الممنهج مثل رفيقها العامل وثانيا بسبب كونها امرأة تعيش تمييزا على أساس الجنس، وأما عن العمل النقابي فرغم نضالات المرأة المتعددة داخل النقابات فإنها لالا تتقلد موقع المسؤولية داخلها إلا نادرا.

1- وضعية المرأة العاملة:

إن واقع المرأة العاملة هو واقع مرير تؤكده الإحصاءات الرسمية نفسها، حيث يبلغ معدل نشاط النساء 21.5 في المائة وهو أقل بكثير من مساهمة الرجال 71 في المائة، كما أنه من بين 10.97 مليون مشتغل هناك 2.49 مليون من النساء أي 22.7 في المائة.

وتشتغل النساء العاملات في القطاع الخاص خصوصا القطاعين الصناعي والفلاحي والقطاعات غير المهيكلة في ظروف قاسية وكارثية حيث يتم اعتبارهن يد عاملة رخيصة وتمثل كل مقومات الاستغلال البشع لربح رؤوس أموال طائلة من طرف الباطرونا الشيء الذي أصبح واضحا مع تفشي وباء كورونا إن أنهن اليوم أصبحن يواجهن أيضا خطرا يهدد سلامتهن الصحية في ظل غياب تام لأدنى شروط السلامة الوقائية والصحية (حالات عاملات الدار البيضاء والعرائش وطنجة)، كما أنهن يعانين من التحرش الجنسي الذي يعتبر أبرز ظواهر التمييز المبني على الجنس بأماكن العمل، في الوقت الذي لا تقدم فيه مدونة الشغل أي تعريف دقيق للتحرش الجنسي.

فبخصوص العاملات الزراعيات الفئة الاجتماعية الأكثر تعرضا للاستغلال والتمييز القانوني حيث يتجرعن بحكم هشاشة أوضاعهن أقصى أشكال القهر الجسدي و النفسي والجنسي ويتم ضرب عرض الحائط كل ما جاءت به الاتفاقيات الدولية الأساسية لمنظمة العمل الدولية المتعلقة بالمساواة في الأجور بين النساء و الرجال ( اتفاقيتين 100 و111 لمنظمة العمل الدولية) و ما بين القطاعين الفلاحي والصناعي SMIG/SMAG “، ناهيك عن اشتغالهن دون حماية اجتماعية وتحديد لساعات العمل اليومية التي قد تصل ل 10 ساعات باليوم في غياب تام للحماية الصحية والوقائية أثناء العمل أو أثناء نقلهن لأماكن العمل من خلال تعريض حياتهن لخطر الموت سواء بحوادث السير أو عدم تعقيم وسائل النقل كما لا يتم التصريح بهن في ضمان الاجتماعي وبالتالي يحرمن من حقهن في التقاعد ( من بين مليون عامل/ة لا يتم التصريح سوى ب 5 في المائة) وخدمات التغطية الصحية وكل حقوقهن المتعلقة بالعطلة السنوية وعطلة الأمومة وساعات الرضاعة وحرمانهن من بطاقة الشغل وبطاقة الأداء وبذلك لا توجد علاقة شغلية بين الباطرونا والعاملات ( عاملات شتوكة ايت باها مثلا)

كما أن عاملات القطاع الصناعي أيضا يعشن واقعا مريرا يتسم بالهشاشة وعدم توفر الشغل القار حيث يعملن في أغلب الأحيان دون تسجيل في الضمان الاجتماعي ويتعرضن لتسريحات بسبب العمل النقابي الذي أصبح محظورا عمليا حيث تواجه كل مبادرة بتأسيس مكتب نقابي بالطرد الجماعي (حالة عمال/ات أمانور بطنجة – تطوان – الرباط)

وفيما يخص خادمات البيوت فيتسم واقعهن بالاستغلال الفاحش وسوء المعاملة والتعنيف والتحرش الجنسي والاغتصاب وهزالة الأجر وانتشار السمسرة في هذه الفئة الاجتماعية، ورغم إصدار قانون 19-12 المحدد لشروط التشغيل المتعلقة بالعمال والعاملات المنزليين/ات فإنه يبقى دون المستوى المطلوب خاصة أنه يشرعن تشغيل القاصرات حيث يحدد السن الأدنى للشغل بين 16 و18 سنة بمعنى الفئة الأكثر استهدافا هن القاصرات باعتبارهن الأكثر هشاشة بينما تشغيل العمال المنزليين في البستنة والحراسة والسياقة وهي من اختصاص العمال الراشدين. وأيضا في تحديد الحد الأنى للأجر في 60 في المائة من الحد الأدنى للأجر في القطاع الصناعي والتجاري، بمعنى إضافة حد أدنى ثالث للأجور بالمغرب بالإضافة للصناعي والفلاحي، مع تسجيل غياب تام للحماية الاجتماعية (تغطية صحية – تقاعد – عقد عمل – حماية من حوادث الشغل…) مع غياب تام لتنظيم الفئة في النقابات.

2- المرأة العاملة والعمل النقابي:

مقابل هذه الوضعية الكارثية خاضت المرأة العاملة نضالات قوية داخل الإطارات النقابية، عير أنها لم تستطع تغير هذه الوضعية من جهة ولم تخول لها هذه التجارب والمعارك النضالية أن تأخذ مواقع مهمة في الهياكل النقابية. وفي المحور سنتوقف على أبرز المحطات النقابية للمرأة العاملة، للأسباب التي جعلتها لم تحقق أهدافها

  • تاريخ الحركة النقابية النسائية:

بدأ تنظيم الحركة النقابية النسائية في الستينات من القرن الماضي بالاتحاد المغربي للشغل) حيث كان يظم بين صفوفه أكثر من نصف مليون منخرطة، وشكلت النساء نسبة مهمة مقارنة مع عدد النساء العاملات مما جعل الوعي بأهمية العمل النقابي النسائي مرتفعا والذي توج بتأسيس قطاع نسائي ” الاتحاد التقدمي لنساء المغرب” بتاريخ 22 أبريل 1962 كأول تنظيم من هذا النوع حيث احتضن في فترة وجيزة مختلف شرائح النساء العاملات والموظفات.

وبخصوص برنامجه فلم يقتصر على المطالب النقابية للنساء العاملات بل وضع نفسه كإطار يساهم في الرفع من الوعي السياسي للمرأة (هذا راجع للعمل المهم للحركة اليسارية داخله) وتشجيعها على المشاركة في الحياة العامة ويطالب بتغيير كل التشريعات التي تحول دون ذالك بما فيها مدونة الأحوال الشخصية وبعد 3 سنوات طالب بتوفير الشروط الضرورية للممارسة المرأة عملها في ظروف إنسانية.

بحلول الثمانينات انضمت النساء بقوة للمركزيات النقابية وشكلن لجان المرأة داخلها في توسيع وتنزيل محلي للقطاعات النسائية، وقد اشتغلت على ثلاث محاور (التكوين لنساء العاملات – محاربة الامية – دعم المعارك العمالية النسائية).

وفي التسعينيات من القرن الماضي بدأت تتهيكل لجان للمرأة داخل القطاعات المهنية الفئوية حيث بتاريخ 5 مارس 1999 تم عقد المؤتمر التأسيسي لتنظيم المرأة بالقطاع الفلاحي والذي سيحمل اسم المرأة بالقطاع الفلاحي والغابوي” سنة 2012.

غير أنه في المقابل عرف العمل النقابي المغربي تشتتا تزداد حدته يوما بعد يوم، فيرى العديد من الفاعلين النقابيين أنه كلما ازداد عدد النقابات، كلما تراجع العدد الإجمالي للمنخرطين/ات فيها، وكلما تم التراجع عن المكاسب.

  • أسباب ضعف تمثيل المرأة في التظيمات النقابية

شهدت المعارك النقابية بمختلف القطاعات حضورا نسائيا متميزا وقويا وقد ناضلن إلى جانب رفيقهن الرجل في عدة محطات وتواجدن بقوة غير أن مشاركتهن لم تتوج بتبوئهن مكانة مهمة داخل النقابات وببلورة برنامج نضالي خاص بالمرأة العاملة المغربية، وذلك راجع في اعتقادي ل 3 أسباب:

  1. تحالف البيروقراطيات النقابية مع الباطرونا والمخزن:

يمكن القول اليوم أن من أهم المشاكل الاي تعاني منها النقابات هي البيروقراطية وغياب الديمقراطية الداخلية، فمنظمات الشغيلة تتحكم فيها اليوم بيروقراطيات نقابية فاسدة متعاونة مع الباطرونا ودولتها المخزنية، بالتالي كان من الطبيعي أن تهمش المرأة داخل هذه النقابات فهاته القيادات الفاسدة ليس هدفها النهوض بوضعية المرأة العاملة وتعزيز مشاركتها النقابية، بل هدفها الأول والأخير هو الدفاع عن مصالحها وامتيازاتها، مما يحتم عليها ضرورة توفير الأمن النقابي للدولة، ومنع عودة الإطارات النقابية إلى أصحابها / القواعد النقابية وعموم الشغيلة في مقمتهن المرأة العاملة، لتكون بالفعل أدوات نضال للدفاع عن مصالحها، وتعيد الصراع الأساسي إلى سكته الطبيعية.

  1. التشتت النقابي:

أدى التشتت النقابي والتي تعتبر ظاهرة جد سلبية إلى تشتت وحدة المرأة العاملة، فالمرأة الشغيلة والطبقة العاملة ككل مصيرهم مشترك ووعدوهم الطبقي واحد هو المخزن والاستغلال الرأسمالي مما يستوجب وحدتهم النضالية والتنظيمية، ولأن النظام يعرف الخطورة التي تشكلها الوحدة النقابية العاملة وظف كل ترسانته السياسية والإيديولوجية والإعلامية والثقافية لتشجيع التقسيم وسط الطبقات المضطهدة حتى يظل الفاعل الأساسي المتحكم في الوضع.

  1. غياب الحزب الثوري:

إن غياب الحزب الثوري، حزب الطبقية العاملة وعموم الكادحين أدى إلى هيمنة أحزاب البرجوازية المتوسطة والصغيرة على قطاعات واسعة من العمل النقابي، ووظفت هذه الهيمنة لخدمة مصالحها، أي لإخضاع جزء من الطبقة العاملة ومن بينهم المرأة العاملة لنفوذ هذه الأحزاب السياسي لمخططاتها وجعلها خزان انتخابي.

مما يطرح راهنية بناء حزب الطبقة العاملة الذي يسعى حزب النهج إلى الإعلان عنه في مؤتمره المقبل، هذا البناء سيشكل عاملا أساسيا لرد الاعتبار للمرأة العاملة والعمل على تبوئها مواقع المسؤولية والقيادة، فكونه حزب مؤطر بالماركسية كمنهجية للتحليل ونظرية للتغيير الثوري، فسيسعى جاهدا إلى تطبيق شعارها الخالد “لا تحرر لمجتمع دون تحرر نسائه” وإعطاء قضية المرأة بعدها الطبقي.

وحزب الطبقة العاملة أيضا سيكون حتما مع وحدة نضالات المرأة العاملة وفئة الشغيلة ككل في أفق وحدتها التنظيمية.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا