كشفت أزمة وباء كورونا عن حقيقة الرأسمالية كنظام اقتصادي ليبرالي متوحش وجشع لا يهمه الانسان وصحته وسعادته ولا البيئة وسلامتها ومستقبلها. إن ما يهمه هو تحقيق الربح كشرط لتراكم رؤوس الأموال في يد الطغمة البرجوازية المسيطرة فيه. وبعدما تقلصت أمامه آفاق ومجالات الأرباح في مرحلة الانكماش الاقتصادي الكبيرة منذ انطلاق أزمة 2008 لم يجد امامه سوى تشديد الهجوم على الحقوق والمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة وللشعوب في الشغل والصحة والتعليم … عبر نهج سياسات اقتصادية واجتماعية قاسية وتقشفية نتج عنها تدهور مريع في الخدمات الاجتماعية وعلى الخصوص في الصحة العمومية والتعليم العمومي والسكن… في الوقت الذي يوظف فيه هذا النظام جهاز الدولة لضخ الاموال العمومية الطائلة في اللأبناك والمؤسسات الاقتصادية لانقاذها من الافلاس.
إن الأزمة الحالية والعجز عن المواجهة الفعالة لوباء كورونا من طرف الدول الرأسمالية المتقدمة كالولايات المتحدة وفرنسا وايطاليا وألمانيا…توضحان بشكل ملموس إفلاس هذا النظام على كافة المستويات وتهافت إيديولوجيته الليبرالية المرتكزة على قيم الفردانية والاستهلاك والحرية الاقتصادية التي تعني في الحقيقة حرية رأس المال في الافتراس. إن ما نشاهده من وفيات ومآسي ومعاناة الناس مع انتشار الوباء في ظل الخصاص الكبير في المؤسسات والتجهيزات والأطر الطبية العمومية هو وصمة عار في جبين هذا النظام. ولعل التصريح الوقح للوزير الأول البريطاني جونسون للمواطنين البريطانيين” بتوديع أحبتهم” يعكس عمق المنظور الرأسمالي المتوحش للإنسان ولقيمة حياته. وهو ما تؤكده أيضا كيفية تعامل الحكومات الاوربية والحكومة الامريكية مع أزمة الوباء وعدم تحركها بالجدية المطلوبة منذ البداية.
وفي المقابل تمكنت الصين من محاصرة الوباء في بداية انتشاره باستنفار جميع إمكانياتها المالية والعلمية والتنقية والبشرية وفق خطة علمية أبانت عن نجاعتها مستفيدة من قوة نظامها الاجتماعي القائم على قيم التضامن والتآزر والإخلاص في العمل والمصلحة العامة والانضباط السلوكي ونظامها الصحي العمومي الذي تشكل تاريخيا منذ انطلاق التجربة الاشتراكية سنة 1949 وعرف تطورا كبيرا مع التحولات الاقتصادية التي عرفتها البلاد منذ الثمانينات من القرن الماضي، والذي جعل من خدمة صحة الانسان محوره وهدفه. إن هذا المنظور الإنساني للصحة هو ما جعل الصين، رغم الظرفية الحرجة التي تمر منها، تبادر إلى إرسال المساعدات والأطر الطبية الى العديد من بلدان العالم ومنها الدول الأوربية كإيطاليا. وهو نفس ما قامت به كوبا رغم الحصار الامبريالي المفروض عليها .
أما الدول الرأسمالية فقد اقفلت الحدود في وجه بعضها البعض.
إن درس وباء كورونا الاساسي هو ان لاتترك البشرية مصيرها ومصير الأجيال المقبلة بيد نظام أثبت بالملموس خطورة استمراره على الانسان والبيئة، وأن تناضل من أجل بناء النظام الاشتراكي القادر وحده على فتح الآفاق أمامها نحو التحرر والسعادة والرفاه الانساني.