الرئيسية » اليسار بين سندان نزعة اللاتنظيم ومطرقة الدعاية الرأسمالية

اليسار بين سندان نزعة اللاتنظيم ومطرقة الدعاية الرأسمالية

كتبه saad mertah

أيوب حبراوي

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين سارعت الرأسمالية إلى نشر والدعاية لأفكار “ما بعد الحداثة ” رافعة شعارات ليبرالية من قبيل «موت الأيدولوجيا» و«نهاية التاريخ»، مستغلة بذلك الظروف التي عانت منها القوى المعبرة عن الطبقة العاملة وعموم الكادحين/ان أنداك،

ومنذ ذلك الوقت استمرت الطبقات السائدة في تقوية أجهزتها الأيدولوجية من اجل استمرار مسلس القمع غير الملموس وذلك من جهة من اجل تسييد فهمها للعالم والسيطرة على الطبقات الكادحة، ومن جهة أخرى من أجل مراكمة المال على حساب الطبقة العاملة وعموم الكادحين، الا انها في كل فترة كانت تحتاج لأسلحة سياسية قادرة على مص غضب الشعوب الذي يتراكم مع تراكم أزمات النظام الرأسمالي.

وهنا لعب اليمين المتطرف دورا مهما في امتصاص الغضب الشعبي في مراكز الرأسمالية بعد أزمة 2008 وذلك بنشر افكار عنصرية ضد اللاجئية وضد الاقليات الدينية والعرقية وتمويه الصراع من صراع بين من يملكون وسائل الانتاج ومن يملكون جهد عملهم الى صراع هوياتي او ديني.

اما على مستوى الانظمة التابعة في المحيط الرأسمالي خصوصا الانظمة العربية والمغاربية فقد لعبت قوى الاسلام السياسي دورا مهما في تكسير السيرورات الثورية او الاجهاز عليها بعد عقدها لعدة توافقات بينها وبين الامبريالية خاصة الفرنسية والأمريكية، فلا يمكن فصل الفكر اليميني سواء في المركز او بلدان المحور فكما أشار أحد المفكرين الماركسيين “سمير امين” ان اليمين في المحور يستفيد من قوة اليمين في المركز وأن الخطابات القوى اليمينية تتأثر وتدعم بعضها.

لكن لم ينجح اليمين سواء في المركز او الهامش في تلميع صورة الرأسمالية المتوحشة والتي تنتعش من امتصاص دم الطبقات الكادحة التي لا تملك سوى قوتها، إذ سرعانا ما عرفت القوى اليسارية مجددا صعودا قويا في العشر سنوات الاخيرة وذلك بعد انخراطها في اغلب الانتفاضات الشعبية في العالم المغاربي والعربي ولو بشكل غير منظم ودون رؤية واضحة بسبب أنها لم تكن مستعدة لهذا الحراك، وأيضا من خلال نجاحها في بعض الدول المتقدمة، نذكر هنا تجربة سيريزا باليونان، وبوديموس بإسبانيا،

هذا الصعود القوي اجبر الرأسمالية على اعادة ترتيب امورها خصوصا في شقه السياسي وعدم الاتكال بشكل مباشر على اليمين بشقيه الديني والهوياتي والاسراع في إطلاق حملات ضد التنظيمات المناضلة تحت شعار موت السياسة ونهاية الاحزاب وجعل الشعوب تُطبع هذه المرة مع فكرة ان كل التنظيمات مثل بعضها البعض وان العمل السياسي لا يقدم شيئا للجماهير، وعن طريق نشرها لفكر ما بعد الحداثة الذي ينفي وجود الصراع الطبقي. هذه الحملة التي جعلت بعض الشعوب تطبع مع الفكرة فظهرت لنا فئات كثيرة سواء داخل النقابات والتي تنشر افكارا اقتصادوية ضيقة من قبيل فصل السياسي على النقابي، والتي جرت الحركات النقابية لمستنقع البيروقراطية، وسواء داخل الحركات الاجتماعية التي عرفتها بعض الدول مؤخرا ( الحراك الشعبي بالريف، الحراك الشعبي الجزائر … )، هذه الفئات أثرت بشكل ملموس على عملية التراكم التي كان على الاحزاب الشيوعية ان تخوضها في اطار السيرورات الثورية الاولى و الثانية في العالم العربي و المغاربي، لكن هذا لا يعفي التنظيمات الشيوعية من جزء من المسؤولية فأغلب الانتفاضات التي انخرط اليسار فيها لم يكن يعي اهمية لنشر الفكر الماركسي والتجذر وسط الطبقات الكادحة و توسيع قاعدته السياسية وبناء طبقة عاملة مؤطرة وجاهزة للعب دورها التاريخي والحاسم.

ومنه ساهمت الدعاية التي نشرتها الاجهزة الإعلامية الأيديولوجية للرأسمالية في ضعف اليسار تنظيميا وكميا وفي جعل التنظيمات الشيوعية عاجزة على توجيه الحركات الاحتجاجية بسبب دعاة الاستقلالية السياسية والنضالية، مما أدى إلى بروز نزعة خطيرة هي نزعة اللاتنظيم.

ومنه إن هذا النقاش لا يمكن ان نمر عليه مرور الكرام لخطورته فالرأسمالية كانت واعية بعد فشل تنظيماتها في تلميع صورتها ان اليسار سيتقوى بعدها فسارعت لضرب كل التنظيمات السياسية وجعلها في التساوي، ودورنا الان لا يجب ان يقتسر على محاولة التجذر والتوجيه بقوة بل بفتح نقاش واسع حول الاستقلالية الأيديولوجية والسياسية، وذلك بخوض صراع سياسي وفكري مع جميع مناضلي الحركات الشعبية المروجين لهذه النزعة، صراع مفاده أن أي زحف على الحقوق الاجتماعية والسياسية وأي مخطط هو ضمن سياسية ومنظومة شاملة تسهر عليها البورجوازية وهي في أصلها سياسة طبقية.

وبإيضاح وهم المغالطات التي مررتها الرأسمالية عبر ادواتها للجماهير الشعبية من قبيل حزب معبر عن الشعب وإقناعهم بان الحزب هو معبر سياسي عن طبقة اجتماعية معينة وضرورة تنظيم الطبقة العاملة وتسليحها بأيديولوجيتها التي طمستها اجهزة الرأسمالية من أجل قيادة كل الحركات الاحتجاجية المقبلة سواء في الدول التابعة او المركز.

اخيرا، إن تفاقم الأزمات الرأسمالية تزيد من راهنية الفكر الماركسي باعتباره منقد البشرية من البربرية، وتوضح بالملموس زيف شعارات ما بعد الحداثة خصوصا بعد تراجع أحد اعمدتها «فوكوياما» عن مجموعة من افكاره وإقراره بأهمية الفكر الاشتراكي الآن.

 ان اهم شروط الثورة الاشتراكية هو احتدام التناقضات على مستوى القمة بين البرجوازيات واحتدام الصراع في المراكز وهذا ما نشهده الان، منه إن التخلي على هذه المهمة – بناء الحزب المعبر عن الطبقة العاملة وخوض الصراع الفكري ضد دعاة اللاتنظيم- سيكون بمثابة ضربة قوية لليسار بالعالم مما سيفتح الباب للشعبوية واليمين للصعود مجددا وطمس طموح الشعوب التواقة للتحرر.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا