لأن المساواة الحقيقية بين الجنسين لن تكون إلا في إطار نظام اجتماعي تعمل فيه المرأة في نفس الظروف التي يعمل فيها الجميع، ولأن تحرر المرأة لن يتحقق إلا بتحرر المجتمعات من الاستغلال الطبقي على اعتبار أن اضطهاد المرأة تاريخيا جاء عن طريق نفس العلاقات الاجتماعية (المتمثلة في الملكية الخاصة، البطريركية، الدولة) التي ولدت اضطهاد طبقة لطبقة أخرى، فإن جل المجتمعات الطبقية تشهد نضالات متعددة أبرزها نضالات المرأة.
وفي المغرب فلا يخفى على أحد نضالات المرأة المغربية في مختلف المحطات النضالية البارزة التي شهدها المجتمع المغربي، فقد ساهمت في النضال ضد المستعمر منذ دخوله للأراضي المغربية حيث كانت لها أدوار مهمة سواء بدعم المقاومين بتوفير السلاح والغذاء لهم أو حتى بالقتال إلى جانبهم بالمعارك ولعل حرب الريف المجيدة خير دليل على ذلك حيث قاتلت المقاومة عائشة بنت أبي زيان وغيرها من نساء الريف الحرائر بمعركة أنوال الشهيرة سنة 1921 إلى جانب المقاومين.
كما انتظمت النساء فيما بعد في صفوف المقاومة المسلحة وجيش التحرير بعد تشكلها وحملت السلاح وقاومت العدو جنبا إلى جنب مع الرجل إلى حين طرد المستعمر.
وغداة الاستقلال الشكلي انطلق نضال المرأة من داخل أحزاب الحركة الوطنية ومن داخل الاتحاد التقدمي النسائي بالاتحاد المغربي للشغل غير أن هيمنة العقلية الذكورية داخل هذه الإطارات لم يسمح لها بالتشكل كقوة مستقلة ومساوية تماما للرجل، ثم تبنت الحركة الماركسية اللينينية المغربية قضية المرأة كقضية نوعية متجاوزة الطرح الاختزالي لقضيتها وكانت النساء تناضل إلى جانب الرجال بالحركة كالشهيدة المناضلة والقيادية بالحركة سعيدة المنبهي التي اعتقلت واستشهدت دفاعا عن تحرر الطبقات الفقيرة والمهمشة وعلى سبيل الخصوص النساء
وفي أواسط الثمانينات انتقل نضال النساء من داخل أوطم إلى الجمعيات والأندية والمركزيات النقابية وتنظيمات اليسار الجذري وقد تطورت الحركة النسائية وأسست عدة جمعيات نسائية لتنطلق في حملة مليون توقيع سنة 1992 لتغيير المدونة فأدت تلك الحملة إلى تعديلات طفيفة طرأت على قانون الأسرة سنة 1993.
وفي بدايات سنة 2011 انطلقت حركة 20 فبراير المجيدة بمطالبها المتمركزة حول شعار “الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة الفعلية” والتي شكلت نقلة نوعية في مسار نضال الشعب المغربي، والتي عرفت منذ انطلاقتها مشاركة فعلية ووازنة للنساء في جل المسيرات الشعبية والوقفات مطالبة بالمساواة الفعلية ورفع الحيف عن المرأة كما عرفت مشاركة مختلف الجمعيات النسائية التقدمية العلمانية.
واستمرارا لحركة الشعب المغربي ضد الحكرة ومن اجل تحقيق المطالب الاجتماعية الاقتصادية انطلق الحراك الشعبي بالريف حيث لعبت النساء دورا هاما بالحراك وبرزت في الصفوف الامامية للحراك الشعبي كقياديات للحراك ومعبرات عن سخطهن ورفضهن للأوضاع اللاإنسانية والمزرية التي تعيشها جل النساء الريفيات بالمنطقة من قمع تاريخي وتهميش وتفقير وحكرة وذاكرتهن لا تزال تتذكر عملية الإبادة الشاملة والقمع العسكري سنة 1958 من طرف المخزن.
هذا الحراك الذي غير أيضا الصورة النمطية للنضال بالمغرب حيث أفرز قياديات ريفيات تميزن بالجرأة الشيء الذي أعطى قيمة مضافة لنضال شعب المغربي ضد الاستبداد المخزني والهيمنة الذكورية البطريركية.
لكن رغم هذه المشاركة الفعلية للمرأة في جل المحطات البارزة لنضال الشعب المغربي إلا أن أغلبهن لا تطرحن علاقة الرأسمالية بالبطرياركا وعلاقة الصراع الطبقي بالاضطهاد الجنسي وتسليع المرأة ومختلف أصناف الاضطهاد الأخرى، وأن التحرر الفعلي للمرأة لن يتحقق إلا في إطار نظام اجتماعي جديد يتمركز حول تلبية حاجيات المرأة والإنسان بدل الشركات.
وهنا يتجلى دورنا، دور الماركسيين/ات والمقتنعين/ات بالبديل الاشتراكي ببلادنا في إقناع النساء المناضلات ومختلف النساء ضحايا القمع والاضطهاد، بأن النضال النسائي يجب أن يتوجه في نفس الوقت ضد الرأسمالية و ما تنتجه من علاقات ذكورية وضد كل أصناف الاحتلال والعنصرية والتمييز والاستغلال الناتجة عنها على اعتبار أن لا إنسانية للنساء في ظل الرأسمالية. وأن نضالهن لن يحقق نتائج جوهرية ملموسة دون تسييس مطالب النساء، وأن الاشتراكية هي الحل الوحيد للإنسانية جمعاء من الفناء، الشيء الذي يطرح في الأخير ضرورة انخراطهن في الحزب الذي يهدف لإسقاط الرأسمالية و بناء مجتمع المساواة، مجتمع يضمن شروط الابداع والتحرر.