1K
يعتبر التطبيع بصفة عامة مصطلح سياسي ديبلوماسي يشير إلى «جعل العلاقات طبيعية» بعد فترة من التوتر أو القطيعة لأي سبب كان، حيث تعود العلاقة طبيعية وكأنه لم يكن هناك خلاف أو قطيعة سابقة، مثلا يكون هناك صراع لمدة طويلة بين بلدين أو أكثر لما ينتهي هذا الصراع ويبدأ البلدان في التقارب بتطبيع العلاقات بينهم. ويتم التطبيع عبر عدة أشكال وأنواع…
ومن بين هذه الأشكال التطبيع التربوي والأكاديمي، الذي هو نوع من أنواع التطبيع ويقصد به، تبادل الخبرات العلمية والتجارب التعليمية والمناهج بين بدين أو أكثر، ويكون عبر بعثات تربوية أو ندوات وأيام دراسية مشتركة، ويهدف إلى جعل المناهج والمقررات المتبعة في بلد ما منفتحة على البلد المراد تطبيع العلاقات معه في هذا المجال، إما بتدريس تاريخه أو جغرافيته أو طبيعة السلطة فيه والثقافة السائدة فيه.
وبهذا المعنى، يود النظام المخزني فرض التطبيع التربوي مع الكيان الصهيوني كأنه بلد طبيعي كباقي بلدان العالم، في حين هو كيان إجرامي وإرهابي قائم على تصفية الآخر وعلى فكرة عنصرية “بلد قومي لليهود” أي دولة مبنية على دين معين وهو ما يتنافى مع الدولة الديمقراطية الحديثة التي من أهم أسسها العلمانية وأن المواطنة ليست على أساس الدين واللغة، أي في هذا المجال هو كيان يستعمل أفكار أيدولوجية بائدة تخلصت منها البشرية والإنسانية منذ زمن بعيد.
والأخطر أن الكيان الصهيوني يعتبر أهم أداة للإمبريالية للتدخل في منطقتنا، حيث أنه جزء عضوي من الإمبريالية الأمريكية ويعمل انطلاقا من كونه أداة لها هدفه تثبيت السيطرة الإمبريالية وخاصة الأمريكية على المنطقة. لذلك فإن الحلول المرتكزة على التعايش مع إسرائيل ككيان صهيوني تعني القبول بالهيمنة الإمبريالية وخاصة الأمريكية، والرجعية على المنطقة.
ومنه فإن إسرائيل قاعدة عدوان أساسية ضد الشعوب في المنطقة، وهي جزء من قوى الحرب والسيطرة، وبالتالي جزء من العولمة العسكرية الموجهة ضد شعوبنا، لذلك هو عدو كل شعوب المنطقة وليس الشعب الفلسطيني فقط، لذلك يجب مقاومة أي طرح للقضية الفلسطينية كصراع بين عرب ويهود أو بين مسلمين ويهود لأنه بكل بساطة صراع بين قوى التحرر والديمقراطية والاشتراكية من جهة وقوى الاستغلال والنهب والاحتلال والسيطرة الامبريالية من جهة أخرى. كما يجب أيضا النضال ضد تحويل اليهود إلى جيش إمبريالي.
ومن هذا المنطق تتجلى لنا خطورة التطبيع التربوي الذي يود النظام فرضه كسياسة أمر واقع مع دولة إحتلال وأداة للإمبريالية في المنطقة، فإسرائيل لم تنشأ نشأة طبيعية كباقي الدول كي نطبع معها العلاقات بما فيها التطبيع التربوي وإنما كدولة احتلال مصطنع لا يتوفر على المقومات الطبيعية للدول والبلدان، إنه كيان قائم على القتل وإراقة الدماء وهضم حقوق الشعب الفلسطيني.
ومنه فإن أي تطبيع كيف ما كان بما فيه التطبيع التربوي مع هذا الكيان يعني أولا شرعنة الاحتلال وشرعنة التدمير والنهب وسرقة الأراضي وفرض الرجعية، ومخاطر التطبيع التربوي على السياسات التعليمية في المغرب يمكن إجمالها في النقط التالية:
-
تزوير التاريخ الحقيقي للمنطقة في المقررات الدراسية، فبدل أن يتم وصف الكيان باسمه الحقيقي بدولة احتلال ودولة نهب وتدريس تاريخه الإجرامي، ستصبح المقررات تدرس هذا الاحتلال على أنه دولة طبيعية مثل باقي الدول والأوطان، وبالتالي ستصبح مقرراتنا مبنية على الكذب والتزوير.
-
ضرب ديمقراطية التعليم وحقوق الإنسان داخل المدارس الذي هو مطلب شعبي وتقدمي، حيث أن التطبيع التربوي سيمرر للشبيبة التعليمية أفكار رجعية غير ديمقراطية عنصرية تشجع الاحتلال والحروب ولا تعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي، فالتعليم غايته هو نشر الإنسانية والفكر الديمقراطي وحقوق الإنسان، وتطبيع العلاقات مع دولة احتلال يعني ببساطة نشر عكس الغاية الأصلية التي أتى من أجلها التعليم.
-
تكريس قيم الخنوع والخضوع والانتهازية في الشبيبة التعليمية الناشئة، فبدل اعتماد مراجع تنمي الفكر النقدي، والرفض والتحليل، فإنه مع التطبيع التربوي سيتم تمرير قيم الانتهازية التي مفادها أنه يمكن التطبيع مع دولة احتلال ومع أي مجرم فقط حفاظا على مصالحنا الضيقة وإن كان هذا التطبيع يسيء للإنسانية في عملية ستؤدي بشبابنا وشاباتنا للتفكير وفق مصالحهم الخاصة الأنانية على حساب المصلحة العامة.