الرئيسية » في ذكرى انتفاضة ماي 1968 الشبابية.. لا اشتراكية دون شبيبة

في ذكرى انتفاضة ماي 1968 الشبابية.. لا اشتراكية دون شبيبة

كتبه user B

سعد مرتاح

بالإضافة الى فاتح ماي (اليوم الاممي للطبقة العاملة) وذكرى النكبة الفلسطينية واليوم العالمي لمناهضة الامبريالية، لا يمكن أن يمر شهر ماي من كل سنة دون ذكر أيضا انتفاضة مايو 1968، هاته الانتفاضة الشبابية بامتياز شكلت هزة في مختلف مناحي الحياة الفرنسية، الاجتماعية والثقافية، والسياسية، والفلسفية، والتربوية، والفنية، والتحررية، كما كان لها صدى في بلدان القارة العجوز وفي كثير من مناطق العالم.

بدأت الاضطرابات بسلسلة من إضرابات طلابية ضد الرأسمالية والنزعة الاستهلاكية والإمبريالية الأمريكية والمؤسسات التقليدية. وأدى القمع الشديد لشرطة مكافحة الشعبة لاعتصامات الحركة الطلابية إلى قيام اتحادات النقابات العمالية في فرنسا بالدعوة إلى إضرابات تعاطف مع الطلبة، والتي انتشرت بسرعة أكبر بكثير مما كان متوقعا، ليتحول التضامن العمالي مع الطلبة إلى انتفاضة تاريخية شهدها المجتمع الفرنسي.

هكذا اندلعت انتفاضة 68 من الجامعات إلى الأحياء الشعبية ومن الأحياء الشعبية إلى العمال ثم من العمال إلى الفنانين والموسيقيين والرقاصين والمثقفين العضويين فقد استطاعت انتفاضة 68 الخروج من الجامعة والانتشار في جميع قطاعات المجتمع، وقد رأينا أبرز المثقفين والفنانين من أمثال كجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار جنبا إلى جنب مع الطلبة والعمال،

فهذه الحركة الشبابية قادتها الشبيبة التعليمية والمؤطرة بالفكر الاشتراكي الخلاق من أجل التحرر من مجتمع الاستهلاك، مجتمع استلاب وتسليع الانسان، ومن أجل مجتمع المساواة مجتمع قادر على خلق شروط الابداع. فقد مثلت احتجاجا جذري نظام ديغول العسكري وضد الحزب الشيوعي على السواء، أي ضد الرأسمالية والبيروقراطية الحزبية معا، ضد مجتمع أفرغته السلع من القيمة وأماتت حيويته وإبداعه.

هذه الحركة فهي إذن ذكرت الجميع بالمفهوم والقيم الحقيقية للاشتراكية، باعتبارها هي المستقبل الزاهر للإنسانية، هي السعادة والتطور والرخاء، كما شكلت أيضا ثورة فكرية على الجمود الايديولوجي الذي ساد في النصف الثاني من القرن العشرين محولا الفكر الى عقيدة جامدة تقتصر على الدعاية السياسية. ناهيك عن روح التضامن الاممي الكبير الذي ساد الانتفاضة بين العمال الفرنسيين ورفقائهم الأجانب. حيث كان هناك أكثر من مليوني عامل أجنبي يعملون في فرنسا. وعلى الرغم من أنهم كانوا تحت التهديد الدائم بالطرد من عملهم، إلا أنهم لعبوا دورا بارزا في حركة الإضراب العام جنبا إلى جنب مع زملائهم الفرنسيين.

   هذه الحركة التي أكدت أيضا من هم الحاملين الموضوعيين للبديل الاشتراكي، هم شباب (بالإضافة للعمال والكادحين والنساء) فنظرا لأن الحركة كانت مؤطرة بالفكر الاشتراكي فكان من الطبيعي أن يكون من طلائعها هم الشبيبة المناضلة على اعتبار أن الاشتراكية كانت ولازالت تعني أنها فعلا شباب العالم حسب تعبير المناضل الراحل أبرهام السرفاتي في احدى حواراته مع ارنست ماندل احد قياديي الأممية الرابعة، فصحيح أن الشبيبة لا تشكل طبقة اجتماعية بالمفهوم الماركسي لكن هذا لا يعني طمس كون الشبيبة الفقيرة والمضطهدة لها حاجيات خاصة تتعرض لعدم الإشباع من طرف النظام الاقتصادي والاجتماعي الرأسمالي. ولهذا اعتبر الماركسيون أن الشبيبة هي تلك الصفيحة الحساسة للصراع الطبقي فنظرا لامتلاكهم روح الكفاحية والاندفاع والتضحية الثوريين والإصرار على الذهاب إلى أبعد مدى. وهي خصائص ضرورية لانتصار الاشتراكي، وهذا ما أكدته انتفاضة 68 المجيدة بكل ما يحمله الوصف من روعة.

  لكن ماذا تغير منذ الوقت إلى الآن، ما تغير هو أنه النظام الرأسمالي ازداد بشاعة وبؤسا خصوصا في مرحلته الحالية (مرحلة الشيخوخة) مما أدى موضوعيا إلى اندلاع العديد من الانتفاضات التي كانت الشبيبة الكادحة هي مفجرها الرئيسي في مختلف بلدان العالم منددة بالقمع والتهميش والخوصصة، لكن ما تغير أيضا هو أن هاته الانتفاضات لا تستحضر بقوة كما في السابق البديل الاشتراكي، لا تستحضر أهمية التنظيم الذاتي والعمل السياسي المنظم وبأن التناقض بين تطلعاتها في التحرر وإشباع حاجاتها و بين منطق الرأسمالية هو تناقض عدائي لن يتم حله إلا في إطار مجتمع جديد يضع الإنسان في أولى أولوياته، وهنا يظهر عملنا اليوم. فكسب الشبيبة للمشروع الاشتراكي كذلك يستدعي خوض الصراع الفكري والسياسي كشبيبة ثورية ضد كل التعبيرات السياسية للبرجوازية خاصة اتجاه مسألة التنظيم، هذه الظاهرة العالمية تعاني منها أغلب التنظيمات الشيوعية والتي تحمل بعض ملامح الفوضوية اتخذت عندنا بالمغرب شكلا انتهازيا اتجاه التنظيمات المكافحة متخذة شعار “الدكاكين السياسية”.

لهذا لإعادة الربط بين الفكر التحرري الاشتراكي وبين الشبيبة المناضلة يجب التركيز على الدعاية والعمل وسط الشباب لحثهم على التنظيم باعتباره الضامن الوحيد لمراكمة التجربة وكسب الخبرة لدى القوى المناضلة ولدى الجماهير في صراعها مع عدوها الطبقي، كما يجب على المنظمات الماركسية بضرورة الأخذ بتطلعات ومطالب الشبيبة بعين الاعتبار في مشروعها التحرري على جميع المستويات التنظيمية، الإيديولوجية والسياسية من خلال بلورة برنامج خاص بها.

لنتعلم من انتفاضة ماي 1968 ولننتقدها ونطورها أيضا

لا اشتراكية دون شبيبة حاملة ومحتضنة لها

ولا شبيبة سعيدة مستقرة حرة مبدعة دون اشتراكية

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا