بقلم عبد الله الحريف
لعل أحد أهم خلاصات السيرورات الثورية في منطقتنا أنها تستطيع تحقيق قطائع مع الأنظمة القائمة حين يتوحد الشعب وقواه الحية على شعار ملموس ويتصدى لمحاولات زرع التفرقة في صفوفه. وعكس ذلك، حين يحتدم الصراع الطبقي، كما هو الحال في بلادنا الآن، تشتد حملة القوى المضادة للتغيير الهادفة إلى تقسيم صفوف الشعب من خلال النفخ في التناقضات وسطه وزرع جو من التوجس وعدم الثقة بين المناضلين وترسيخ فكرة أن كل القوى السياسية والنقابية والجمعوية، إما ممخزنة وخائنة وإما متخادلة وعاجزة، وذلك لتجريد الشعب، أو على الأقل إضعاف ثقته في أدواته النضالية التي قدم تضحيات جسام من أجل بنائها. وللأسف، تنطلي الحيلة حتى على بعض المناضلين(ات) المخلصين(ات) لقضايا شعبنا. إن الترويج لمثل هذه الأفكار يساهم، عن وعي أو بدونه، في نشر جو من اليأس ويلتقي، موضوعيا، مع مخططات النظام الذي يريد احتكار العمل السياسي والنقابي والجمعوي من خلال محاولة تخريب هذه التنظيمات أو تدجينها أوخلق تنظيمات تابعة له، وإن لم يستطع قمعها والتضييق عليها. إن انتقاد الأحزاب اليسارية المناضلة مسألة ضرورية وإيجابية ومطلوبة شريطة أن يكون النقد موضوعيا وأن يستهدف مساعدتها على تجاوز أخطائها ونواقصها وليس الإجهاز عليها. أما وضعها في سلة واحدة مع الأحزاب الإدارية والممخزنة ففيه تجن كبير على تنظيمات مناضلة واجهت القمع والاعتقالات والتعذيب بكل جرأة خلال سنوات الرصاص وقدمت شهداء وضلت متشبثة بمبادئها وأهدافها ولا زالت متواجدة في الميدان متفانية في خدمة الجماهير الكادحة ومتصدية للمخططات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الرجعية للنظام وتتلقى الضربات بسبب ذلك من المخزن. وظلم ذوي القربى…
و يجب أن لا ننسى أن المؤسسات الفكرية والمالية الإمبريالية قامت بمجهود ضخم لمحاربة أدوات تحرر الشعوب، وخاصة أدوات نضال العمال والكادحين. لذلك انتشرت، كالنار في الهشيم، أفكار حول “موت الايدولوجيا” والتشكيك في الطبقات والصراع الطبقي وإمكانية التغيير وتعويضه بالعمل في المنظمات الغير حكومية -التي أغدقت عليها هذه المؤسسات أموالا باهظة- من أجل قضايا جزئية وكبديل على أدوات النضال الطبقي (الأحزاب والنقابات) وتحويل التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية إلى مجرد أدوات إدارية تفتقد للروح النضالية وللهوية الطبقية.
لقد عمل النظام، في أوج مد حركة 20 فبراير، على تسعير التناقضات بين قوى الإسلام السياسي المساهمة في الحركة والقوى الديمقراطية واليسارية. لكنه لم يتردد، خدمة لمصلحته في توسيع قاعدته من خلال التوافق مع أحد مكونات الإسلام السياسي للتصدي لحركة 20 فبراير. لكن يظهر أن البعض، داخل القوى الديمقراطية واليسارية، لم يستوعب الدرس ولا زال يكرر المعزوفة المخدوشة أن الصراع، الآن وهنا، هو بين “حداثيين” (بعضهم لا يجد غضاضة في التهليل لإمارة المؤمنين) و”ظلاميين”، واضعا كل قوى الإسلام السياسي في سلة واحدة. وبناء على ذلك يسعى إلى إقصاء كل القوى الإسلامية، بما فيها المناهضة للمخزن والتي تنبذ الإرهاب والتكفير، من الحراكات الحالية.
أن الانتصار في معارك الصراع الطبقي يتطلب تحديد عدو أساسي واحد في كل فترة وتركيز الصراع ضده وعدم تشتيت الجهود في صراعات ثانوية وتجميع كل الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية المتضررة من ذلك العدو. إن ذلك لا يعني توقيف الصراع الفكري مع ممثلي هذه الفئات والشرائح والطبقات. لكن للحفاظ على هذه الجبهة مجتمعة، لا بد من نبذ التشهير والإقصاء والتخوين وأن يكون الصراع موضوعيا وهادفا إلى تقوية وحدة الجبهة ونضاليتها. لذلك نكرر للمرة الألف وسنستمر أن الصراع، الآن وهنا، هو بين المخزن، وفي قلبه نواته الصلبة المافيا المخزنية، وبين كل المتضررين من هذه المافيا، أيا كانت مواقعهم الطبقية ومرجعياتهم الفكرية. إن الفترة الحالية، الحبلى بالتغيرات المفاجأة والسريعة، تستوجب، أكثر من أي وقت مضى، التمسك بالبوصلة أي السعي، بدون كلل أو ملل وبكل قوة وحماس، إلى تجميع أكبر قوة ممكنة ضد عدو شعبنا الأساسي، في الفترة الراهنة، المخزن.