الصفحة الرئيسية قضايا وطنيةقضايا الشبيبة المغربية الفعل الشبابي في المجتمع المغربي: الجزء الثاني

الفعل الشبابي في المجتمع المغربي: الجزء الثاني

كتبه user B

الفعل الشبابي في المجتمع المغربي
الجزء الثاني: السياسة، صراع الحقول – الحقل السياسي الشعبي

قاسم مصطفى

انتهى الجزء الأول من هذا المقال، الذي تناول الحقل السياسي الرسمي، إلى أنه إذا كان هذا الحقل يتميز بأنه مهيكل ومنظم، فإن الحقل السياسي المضاد، الشعبي، يتميز بأنه غير منظم، وهذه هي نقطة قوة المخزن، ونقطة ضعف القوى المعارضة والحقل الشعبي بشكل عام، غير أن دينامية هذه الحقول لا يمكن أن تقرأ بشكل ثابت، بل في إطار دينامياتها وحركتها الجدلية، إن فئة الشباب الذي لا ينتمي إلى الحقل السياسي المخزني، ينتمي بالضرورة إلى الحقل السياسي المضاد، غير أن ذلك لا يعني أن هذا الشباب ينتمي إلى الأحزاب والقوى المعارضة للمخزن، ولا يشتغل بأدوات اشتغال هذه القوى إلا في مستويات محدودة، وهذا ما يشكل نقطة تعقيد جوهري في الحقل الشعبي، وهو ما سيحاول هذا الجزء التطرق له.

أدى انتشار الهشاشة والبطالة في صفوف الشباب، وفشل السياسات التعليمية، والنزيف الحاد الذي تعاني منه الجامعة المغربية ومؤسسات التعليم بشكل عام، وبؤس السياسات الإعلامية والإجتماعية وميوعة العمل السياسي الحزبي بفعل هيمنة النظام وإغلاقه للحق السياسي الرسمي، أدت هذه العناصر وغيرها إلى فقدان الشباب للثقة في مؤسسات الدولة وكل ما يصدر عن الجهات الرسمية، لقد ترسخت هذه القناعات في صفوف الشباب والشعب نتيجة سيرورة طويلة ومعقدة من الصراع ضد الاستبداد، ونتيجة الإنتكاسات التي عرفتها كل محاولات التغيير، وهي انتكاسات مكلفة لكن ليست قطعية أو نهائية، بل تدخل في إطار سيرورة التراكم والبناء من أجل التغيير.

لكن في هذا المسار والطريق الشاق نحو التغيير، لابد للشباب أن يجد منافذ، وأن يتكيف مع الواقع الذي يعيش فيه، فهو الذي يعاني من ويلات البطالة، لا يستطيع أن يستسلم ويرتهن لمستقبل غامض، كذلك هو الحال لمن يريد أن يستنشق طعم الحرية، فالشباب من كل صوب محاصر، حرياته الفردية مقيدة، وتؤطرها قوانين تعبر بكل وضوح عن بؤس الواقع، وفرص الارتقاء الاجتماعي منعدمة أمام النيوليبرالية، وخيار الهجرة نحو الخارج يشكل حلما يصاحب كل شابة وشاب بالرغم من أنهم يعون جيدا المخاطر، لكن الهجرة لم تكن خيارا ممكنا للجميع، ولا تشكل حلا على كل حال.

المرحلة هاته التي يريد فيها الشباب الحلول هنا والآن، كلقمة العيش التي لا تنتظر، طور الشباب أدوات المقاومة الخاصة به، تنبني على الفعل الآن في الشارع، وفي كل مظاهر الحياة العامة، فولوج القطاع غير المهيكل مثل “تافراشت” الذي تحاربه الدولة كل يوم، يشكل مثالا بارزا لكيفية تطوير الشباب المعطل لأدوات مقاومته، وإذا كانت هذه الظاهرة منتشرة على طول المدن المغربية، فهي تشكل دليلا على ثنائية التهميش من جهة، والمقاومة اليومية من جهة ثانية؛ وكمثال على مضمون هذه المقاومة، يستثمر الشاب مبلغا متواضعا في هذه المهنة الهشة، ويحرص على أن يقدمها في الشارع حيث يكتض بالمارة، وأن تكون سهلة النقل وليست ثقيلة الوزن، وعادة ما تكون موضوعة فوق أرضية بلاستيكية، محزومة الزوايا، ولا يفارق الشاب سلعته، ويترصد كل حين السلطات التي ستأتي لسلبه سلعته والاعتداء عليه، حينها يكون من السهل نقل هذه السلعة والهرب من بطش السلطات، ويكون التواري في الأزقة المجاورة حتى عبور الزوبعة، وبعدها يعود إلى مكانه لعله يحصل على دريهمات يسد بها رمقه، هذا شكل بسيط للمقاومة، لكن هذه الواقعة الواردة على سبيل المثال، لا تحدث كواقعة عشوائية وفردية ومحصورة، بل هي عملية جماعية تشكل فيها وعي جماعي مشترك بين كل ممتهني هذا القطاع بأنهم يتنافسون فيما بينهم أثناء البيع، لكنهم يحتاجون إلى بعضهم البعض أمام العدو المشترك، وفي هذه الحالة يكون العدو هو السلطات، وهذا مثال على شكل من أشكال المقاومة الشعبية لدى الشباب.

انتشار القطاع غير المهيكل على طول خريطة المغرب، يعبر عن حجم التقيح الذي بلغه الواقع الاجتماعي بالمغرب، لكنه في نفس الآن يشكل ملامح لمستوى المقاومة الشعبية اليومية الخفية، التي لا تتصدر عناوين الجرائد، ولا تحاليل المعلقين في التلفزيون، إنها مقاومة صامتة لكنها تتراكم، وعصية على الترويض، وتشكل الخزان الهائل للقوة الشعبية التي ستحرك التغيير؛

ليست لقمة العيش وحدها التي يسعى إليها الشباب، إنهم يسعون إلى أن يعيشوا شبابهم، ويسعون إلى الحرية كحق لأي إنسان، ولعل القوانين التي تمنع الحب في الشارع، التي ترد في القانون الجنائي المغربي “مغلفة بشعار الإخلال بالحياء العام”، تشكل مثالا بسيطا آخر على المقاومة اليومية، فحين تنتشر في كل مدينة تقريبا، “مناطق خضراء” أو مناطق محررة، يلتقي فيها العشاق وقد يتبادلون فيها القبلات، على مرأى السلطات دون أن تستطيع هذه الأخيرة التدخل، فهذا مظهر آخر من مظاهر المقاومة اليومية للشباب. كما هو الحال للفرق الموسيقية الشبابية التي تجد في الشارع مكانا للتعبير، بعد أن غابت القاعات المجهزة والدعم اللازمين، وبالرغم من محاصرة السلطات لهم إلا أنهم يستطيعون دائما أن يجدوا مكانا ينشدون فيه للحياة، وتكون الحماية الوحيدة المتوفرة لهم هي أن يتحلق الشباب الآخر بهم، وأن يغنوا ويرقصوا إلى جانبهم، حينها تتشكل مقاومة شبابية تضامنية واضحة.

هذه الأمثلة هي مجرد أمثلة بسيطة عن أشكال المقاومة اليومية للسياسات المخزنية القاهرة، ومظاهر هذه المقاومة تمتد لتشمل مستويات عديدة ومختلفة؛ والواقع أنها تبدو غير ملاحظة، صامتة، وفي نفس الآن فهي تتوسع وتتقوى، وسرعان ما ستشكل إلى جانب عناصر أخرى القوة التي ستحدث التغيير، وتشير التجربة أن هذا الشكل من المقاومة ينتشر كثيرا في المجتمعات المحاصرة بالاستبداد، كحالة إيران، فبعد “الثورة الإسلامية” تم فرض الحجاب على النساء، لكنهن في الأخير طورن طريقة لمقاومة هذا القرار، وبدأن في تغطية جزء فقط من شعر الرأس دون تغطية الرأس كاملا، وهو ما لم تستطع السلطات الإيرانية أن توقفه، واكتفت بتسميته ب”الحجاب السيء”، إنه شكل بسيط من المقاومة لكنه في عمقه أساس لتغيير قادم.

يبقى هذا الملمح المميز للحقل السياسي الشعبي منطويا على تناقضات عدة، من بينها الهوة الكبيرة بين القوى السياسية المعارضة للمخزن وهذا الشباب المقاوم، فلم تستطع المقاومة السياسية لهذه القوى أن تنصهر في هذا المستوى العام واليومي للمقاومة الشعبية، بالرغم من أنه لا يمكن إغفال أن جزءا كبيرا من الشباب يتابع الوضع السياسي ويتابع مواقف القوى السياسية المعارضة وكثيرا ما يدعمها، غير أن الانتقال من التأييد إلى مستوى التلاقي وخوض الصراع بشكل منظم، هو أمر لم يحدث بعد، ويرتبط بسيرورة الحقل السياسي الشعبي ككل.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا