171
مفهوم الهيمنة / القيادة في الفكر الماركسي
” البروليتاريا وحدها – بحكم الدور الاقتصادي الذي تقوم به في الإنتاج الكبير هي القادرة على قيادة كافة الكادحين والمستغَلين” لينين
ي . سالمي
-
الاسس المادية لهيمنة الطبقة العاملة
من سيقود الثورة الاجتماعية في بلدنا – والعالم ككل ؟ من هي الطبقة الاجتماعية المؤهلة لقيادة التغيير الجذري في المجتمع والذهاب بهذه المهمة الى أبعد حدود، حتى تحقق أهدافها كاملة ؟
قد تبدوهذه الاسئلة لدى الكثيرين من الثوريين – ات بداهة ما بعدها بداهة ، وذلك بحكم أن الفكر والتجربة البشرية الثورية و التقدمية قطعت أشواطا في الاجابة عن هاذين السؤالين ، لكن بالمقابل عند امتحانهما على أرض الممارسة العملية تجد أن هناك من لازال يعيش حالة من الشرود الذهني بين النظرية و الممارسة بين القول بشيء و ممارسة شيء اخر . هذا بالنسبة للثوريين –ات ، أما بالنسبة لباقي ممثلي الطبقات الاجتماعية الاخرى وخاصة البرجوازية الصغيرة فالمسألة لديها من المسلمات : الطبقة الوسطى هي قائدة التغيير في العصر الحالي .
يعتبر الثوريون ـ ات أن الطبقة العاملة هي الطبقة المؤهلة لقيادة أي تغيير جذري للمجتمع ، والتغييرالجذري نقصد به هنا تغيير علاقة الانتاج وقلب البنية الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية رأسا على عقب ، هذه البنية القائمة على الاستغلال و الاضطهاد الرأسمالي من أجل بناء مجتمع المساواة و الحرية و العدالة و الاشتراكية كأفق استراتيجي . وهذا الاعتبار ـ قيادة الطبقة العاملة للتغيير الجذري – يرجع لسببين رئيسيين :
-
أنه لا توجد طبقة أخرى بخلاف الطبقة العاملة تم إعدادها عبرموقعها في الانتاج الاجتماعي للاضطلاع بهذا الدور، فالعمال بحكم عملهم المباشر على وسائل انتاج المجتمع الرئيسية ( مصانع ، سكك حديدية ، مطارات ، ضيعات فلاحية …) يمنحهم قوة اقتصادية رئيسية يتوقف نبض المجتمع بتوقف سواعدهم .
-
السبب الثاني يكمن في طبيعة عملية الانتاج في المجتمع الرأسمالي ، فهذا الاخير، من حيث لا يدري نظم العمال ـ ات وجمعهم في معامل وضيعات ضخمة بحيث جعل منهم شركاء من حيث التعرض للاستغلال و الاضطهاد وكذلك من حيث وحدة الاهداف المطلبية و السياسية .
إن التجربة الحالية للعديد من الثورات الاجتماعية في المنطقة أثبتت أن الطبقة العاملة لها الدور المفصلي في حسم العديد من الانتفاضات و السيرورات الثورية، وهذا بالضبط ما تحاول الالة الاعلامية للبرجوازية اخفائه رغم أنه يجري أمام أعيننا ، وحتى لا نغوص في التاريخ ، ففي 2011 بتونس ظلت الجماهير الكادحة المنتفظة تجوب شوارع الحبيب بورقيبة وسيدي بوزيد ، لكن مع نزول الطبقة العاملة للشارع حسم الامرلدى الحاكمين بحيث ضحو برأس النظام لأن هذا نزول معناه توقف المجتمع عن النبض وقد يفتح أفاق اخرى تهابها البرجوزاية ، نفس الشيء يمكن أن نقوله عن دورالعمال في اسقاط حسني مبارك في مصر وبتفليقة في الجزائر و عمر البشير في السودان، لكن في المغرب ظلت الطبقة العاملة محايدة وغائبة بفعل هيمنة البيروقراطية عليها و” ذهبت ” كل تضحيات شباب 20 فبراير دون أن تحقق مطالبها الرئيسية أوتم تحقيق جزء منها عبرالالتفاف المخزني .
لكن هل مطالب الطبقة العاملة محصورة فقط في قلب علاقات الانتاج وبناء الاشتراكية ؟ هل هي معنية بمطالب فئات اخرى وطبقات اخرى غير العمال – ات ؟ وكيف يخدم تحقيق مطالب الفئات والطبقات الاخرى مشروع الطبقة العاملة ؟
ب – في مفهوم هيمنة الطبقة العاملة على المجتمع
كيف تصبح الطبقة العاملة مهيمنة في المجتمع قبل الثورة أي قبل ظفرها بالسلطة السياسية ؟ وماهو شكل ومضمون هذه الهيمنة ؟
إن هدف المشروع المجتمعي للطبقة العاملة هو بناء الاشتراكية كمرحلة انتقالية نحو المجتمع الشيوعي ، مجتمع الحرية وانتفاء استغلال الانسان لأخيه الانسان ، لكن للوصول لهذا الهدف تقطع الطبقة العاملة من أجله ثورات كثيرة متشعبة في نضالها ضد الرأسمالية وبقاياها في المجتمع الاشتراكي .
إن طبيعة الثورة ( التغييرالجذري في بلادنا) في جوهرها ثورة تهدف الى التحرر الوطني والبناء الديمقراطي ، وهذه الطبيعة تفرض على الطبقة العاملة وحزبها أن تقود كل قوى المجتمع من أجل تحقيق الديمقراطية الشعبية والقطع من الامبريالية ، يعرف غرامشي الهيمنة على أنها ” تصبح الطبقة مهيمنة بطريقتين، أي أنها “قائدة” و”مسيطرة”. فهي تقود الطبقات المتحالفة، كما أنها تسيطرعلى الطبقات المعارضة. ولذلك، يمكن للطبقة (بل ويجب) أن “تقود” حتى قبل توليها السلطة، وعندما تتولى السلطة تصبح مهيمنة، وفي نفس الوقت تواصل “القيادة” “.
إن قيادة الطبقة العاملة لمهمة تحقيق الديمقراطية ، لم تكن رغبة ذاتية، بل أملتها شروط دولية و تاريخية نقلت مهمة تحقيق الديمقراطية البرجوازية بمفهومها العام الاوروبي من يد البرجوازية التي انتهى دورها التاريخي الى يد العمال ـ ات بحكم عدة تغيرات لا يتسع المجال لذكرها هنا، وبهذا فكل المطالب الشعبية التي ترفعها الطبقات الاخرى على اختلاف مضامينها هي من صلب مهام الطبقة العاملة وتدخل في صلب نضالها من أجل تحقيق الديمقراطية ، لأن العمال – ات يشكلون طليعة المدافعين عن المسالة الديمقراطية وأكثر طبقة اجتماعية في حاجة للديمقراطية من أجل توفير شروط تطور المجتمع نحو الاشتراكية .
يعتبر لينين أن في المجتمع الرأسمالي هناك طبقات عديدة تتعرض للاضطهاد و الاستغلال الى جانب العمال ـ ات وعلى البروليتاريا وحدها – بحكم الدور الاقتصادي الذي تقوم به في الإنتاج الكبير قيادة كافة الكادحين والمستغَلين، هؤلاء الذين تستغِلهم البرجوازية وتضطهدهم وتسحقهم بشكل لا يقل – إن لم يزد – عما تفعله بالبروليتاريا، ولكنهم غير أهل للقيام بنضال مستقل من أجل تحررهم ، لذا على حزب العمال أن يقودهم ويشكل الى جانبهم جبهة واسعة لمركزة النضال ضد الرأسمالية من أجل الحرية السياسية لأن بلوغ الحرية السياسية هي قضية العمال الحيوية حسب لينين .
إن النضال من أجل الحرية السياسية ومن أجل الحق في التنظيم والتعبير وحرية الفكر و النقد والصحافة و التجمع و الوصول الى المعلومة و العدالة الضريبية وعدم التهرب من الضرائب و التقسيم العادل للثروة ومحاسبة المسؤولين الفاسدين ومناهضة التدخل في شؤون دول اخرى ومن أجل تكريس الحقوق و الحريات والدفاع عن مجانية التعليم و الوظيفة العمومية و المنافسة الشريفة في الاقتصاد… وهلم جرا من المطالب وجب على حزب الطبقة العاملة أن يكون في طليعة المدافعين عنها و أن يتبناها كمطالب خاصة للطبقة العاملة تدخل في اطار النضال من أجل الديمقراطية ، وهنا تكمن هيمنة الطبقة العاملة على المجتمع أي هيمنة سياسية عبر النضال على كل الواجهات وتبني مطالب كل الطبقات الاجتماعية الاخرى ( بما فيها البرجوازية الليبرالية ) حتى لا تقف مهمة تحقيق الديمقراطية في وسط الطريق وحتى تكمل رسالتها نحو النصر التام .
…………………………………………………………………..
نشر هذا المقال في جريدة النهج الديمقراطي عدد ماي 2019