مرة أخرى، وكعادتها، لجألت الحكومة المخزنية إلى طلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي قيمته 3 ملايير دولار عن طريق السحب من “خط الوقاية والسيولة” الذي وضعه الصندوق كخط ائتماني لمواجهة الصدمات الخارجية وفق الاتفاق المبرم معه في سنة 2018، متجاهلة جميع الدعوات والتحذيرات من خطورة ذلك على الاقتصاد والمجتمع المغربيين، معللة ذلك بمواجهة أزمة وباء كورونا وتداعياته. وهي في الحقيقة لم تقم سوى بتفعيل إحدى آليات التبعة الاقتصادية والمالية المفروضة من طرف المؤسسات المالية الامبريالية كآلية للتحكم الاقتصادي والسياسي في مصائر الدول والشعوب. وهي بذلك ستعمق أزمة المديونية ونتائجها.
ويبلغ مجموع الدين العمومي للمغرب 1014 مليار درهم (106 مليار دولار) وهو ما يقارب الناتج الداخلي الإجمالي الذي يصل إلى 1072مليار درهم (112 مليار دولار). مما يعني أن هذا الدين العمومي يكاد يوازي ما ينتجه الاقتصاد المغربي من ثروات.
وحسب القانون المالي لسنة 2020 فان القروض المتوسطة والطويلة ستصل إلى 97 مليار درهم (حوالي 9 ملايير دولار) مرتفعة بنسبة 27 %عن سنة 2019 الذي بلغت فيها 76 مليار درهم (حوالي 7 مليار دولار)، منها 31 مليار درهم قروض خارجية بزيادة 14.8 عن سنة 2019. سيسدد منها مبلغ 4.7 سنة 2020.
تجدر الإشارة إلى أن خدمة الدين الخارجي تصل إلى 4 ملايير دولار سنويا (78% للدين و22% لفوائده). وانه منذ سنة 1983، سنة بداية تطبيق برنامج التقويم الهيكلي المفروض من طرف صندوق النقد الدولي، والى سنة 2011 سدد المغرب ما قيمته 115 مليار دولار منها 36.5 مليار دولار كفائدة.
إن إغراق بلادنا في المديونية من طرف المافيا المخزنية الحاكمة يحرم الدولة من الإمكانيات المالية الضرورية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويلقي بها في نفق مظلم من المؤكد أن عواقبه ستكون كارثية على الجماهير الشعبية ومستقبل بلادنا. فبالإضافة إلى ضياع تلك القروض في تسديد أقساطها وفوائدها وفي نفقات الاستهلاك والتبذير ودعم القطاع الخاص ،فانه بسببها تتعمق التبعية الاقتصادية والمالية للقوى الرأسمالية الامبريالية ومؤسساتها المالية ،وبالتالي يزداد رهن بلادنا ومستقبلها وقرارها السيادي ومقدراتها الاقتصادية في يد تلك القوى والمؤسسات.فبسبب هذه المديونية تفرض هذه المؤسسات شروطا قاسية بموجبها تتحكم في رسم السياسة الاقتصادية والمالية والاجتماعية للدولة عبر التوصيات والاملاءات التي تركز أساسا على ضمان التوازنات الماكرو- اقتصادية لضبط عجز الميزانية والتحكم في التضخم (من شروط الخط الائتماني الموقع مع صندوق النقد الدولي في صيغه الأربعة في 2012 و2014 و2016 و2018) وذلك من خلال تقليل التوظيف وإصلاح نظام التقاعد والتخفيض من الميزانية العمومية الموجهة للخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة… وخوصصة ما تبقى من المؤسسات والقطاعات العمومية عبر البيع والتفويت للرأسمال المحلي والأجنبي المفترس في إطار ما يسمى بتحسين بيئة الأعمال أي توفير الشروط للافتراس الرأسمالي المحلي والأجنبي، وهذا يعني المزيد من المعاناة و التفقير والبطالة والتهميش والهشاشة والأمية لمعظم فئات الشعب المغربي ،مقابل المزيد من الغنى والثراء للأقلية الطبقة المسيطرة.
فما العمل أمام هذا الواقع؟
لابد من توحيد النضال الشعبي في إطار جبهة وطنية شعبية واسعة تضم جميع القوى السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية والحراكات الشعبية والفعاليات الاجتماعية والثقافية المناضلة على قاعدة برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي متمحور حول الديمقراطية بجميع أبعادها وفي قلبها مطلب السيادة الشعبية كضامن لسلطة الشعب وحقه في تقرير مصيره.
وفيما يتعلق بالمديونية وما يرتبط بها فيجب أن يتضمن:
– إلغاء الديون الخارجية وتوجيه مواردها نحو الاستثمارات العمومية وخاصة في القطاعات الاستراتيجة كالتعليم والصحة والبحث العلمي والتكنولوجي والتصنيع والأمن الغذائي.
– إلغاء النظام الضريبي الحالي وبلورة نظام ضريبي عادل وفرض ضريبة متصاعدة على الثروة ومحاربة التهرب الضريبي.
– الكشف عن مصير الأموال المختلسة من الصناديق السيادية والمؤسسات العمومية واسترجاعها، ومصادرة ممتلكات وأموال المسئولين عن تلك الاختلاسات إخضاعهم للمسائلة والمحاسبة.
– استرجاع الأموال المهربة للخارج ومتابعة المسئولين عن ذلك.
– إلغاء اتفاقيات التبادل الحر واتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوربي لما لذلك من إهدار للموارد المالية وللإنتاج الصناعي والفلاحي وللثروات السمكية الوطنية.