حراك الريف:المقاربة الأمنية و"الوساطة من أجل التهدئة"
وجهان لعملة واحدة هي المافيا المخزنية
عبد الله الحريف
يتحرك، الآن وبوتيرة متواترة، العديد من الوجوه التي تدعي أنها تريد القيام بالوساطة بين الحراك في الريف وبين السلطة. غير أن ما تطرحه من أفكار ومقترحات، علاوة على طبيعة أغلبها، تفضح مراميها الحقيقية.
فهؤلاء يطرحون ما يلي:
–أولا لاستدرار عطف ساكنة الريف ومحاولة تغليط نشطاء الحراك، يقدمون أنفسهم وكأنهم لا علاقة لهم بالسلطة وأنهم يتعاطفون مع الحراك وأن مطالبه مشروعة وأنه يجب تغليب لغة الحوار على القمع وأنهم يتخوفون من أن تتطور الأشياء إلى ما لا يحمد عقباه خوفا على الريف وساكنته
–ثانيا يطرحون كحل للمشكل التهدئة والحوار
غير أن ما يسكتون عنه يفضح حقيقة أية أجندة يخدمون.
فهم يتغاضون عن طرح من المسئول عن ما آلت أليه الأوضاع:
– من تجاهل مطالب الساكنة؟
– من المسئول عن التهميش الذي يعاني منه الريف؟
– من رفض الحوار مع قيادة الحراك؟
– من يواجه الاحتجاج السلمي بالعنف؟
– من يوظف البلطجية ضد الحراك؟
– من يتهم الحراك ب"الفتنة" و"الدعوة للانفصال" وتلقي الأموال من جهات معادية للبلاد ويخون ويشيطن قيادانه ونشطائه؟
– من يعتقل قادة الحراك ونشطائه؟
– من يعبأ الإعلام المكتوب والالكتروني والسمعي-البصري والمساجد للهجوم على الحراك؟
أن السكوت على هذه الممارسات والأفعال المشينة والمطالبة بالتهدئة، في نفس الوقت الذي يستمر المخزن في هجومه، بكل الوسائل، على الحراك واعتقال قادته ونشطائه عوض التفاوض معهم والتنكر لمطالبه وشيطنته، يعني، في الواقع، العمل على إجهاض الحراك بواسطة تجريده من سلاحه الأمضى، أي الاستمرار والصمود في النضال. كما يستهدف أيضا زرع اليأس، ليس وسط الريف فحسب، بل أيضا وسط الحراكات في المناطق الأخرى. ذلك أن حراك الريف بقدر ما شجع مناطق أخرى على النضال من أجل مطالبها وسيجعل الحراك يتمدد للعديد من الجهات، بقدر ما سيؤدي إجهاضه إلى إضعاف هذه الحراكات. ولهذا الغرض، يجب تقديم أقصى ما يمكن من الدعم لكي يستمر حراك الريف، بدءا بانخراط الجميع القوي والكثيف في مسيرة 11 يونيو بالرباط التي يجب أن تبعث برسالة قوية إلى المخزن أننا كلنا مع حراك الريف ولن نترك المخزن يستفرد به وأننا فهمنا جيدا مقولة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".
أعتقد أن هؤلاء "الوسطاء" الزائفين والمنافقين يقومون بأدوار أخبث وأخطر بكثير من القمع لأن القمع مفضوح ومدان بينما تضهر دعوات الوساطة وكأنها "مساعي حميدة" لحل المشكل وبالتالي قد تخلق نوعا من الارتخاء والانتظار. ويجب أن لا يستحمرنا دعاة التهدئة. فهم يتحركون في إطار خطة مدروسة بعناية فائقة من طرف المخزن تتقاسم وتتكامل فيها الأدوار بين أدوات القمع وأدوات الترويض والبحث عن مخرج وهمي للأزمة على حساب مطالب الحراك. فهما وجهان لعملة واحدة هي المافيا المخزنية.
ولذلك يجب التشبث بالشروط التي طرحها قادة الحراك وهي:
أولا: الشروط المسبقة للحوار:
-إطلاق سراح كل معتقلي الحراك ورفع المتابعات ضدهم
-رفع العسكرة على الريف وتوقيف حملات القمع ضد الحراك
ثانيا: الحوار يتم مع قيادة الحراك حول المطالب وحول آليات مراقبة تنفيذ الاتفاقات
أخيرا، يتداول أن هناك خلافا وسط المخزن بين دعاة المقاربة الأمنية ودعاة التهدئة. لا يجب أن ننسى أن الخلاف، إذا وجد، هو حول التكتيك للتعامل مع الحراك وليس حول الهدف المشترك للمافيا المخزنية وهو، بكل وضوح، إجهاض الحراك لأن الحراك، في العمق، سيؤدي، إن عاجلا أم آجلا، إلى محاسبتها على جرائمها في حق الريف وباقي أجزاء وطننا الحبيب. ولذلك تتلافى دعوات "الوساطة" الكلام عن المسئولية على ما وقع ويقع لأن المسئولية تفترض، بالضرورة، المحاسبة وهو ما ستقاومه المافيا المخزنية إلى آخر رمق. ألا يذكرنا ذلك بتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة؟