الصفحة الرئيسية قضايا وطنيةقضايا الشبيبة المغربية دور الشبيبة التعليمية المغربية في التصدي لمخخطات النظام في مجال التعليم

دور الشبيبة التعليمية المغربية في التصدي لمخخطات النظام في مجال التعليم

كتبه chabiba

بقلم : أحمد صديقي  

    لا نريد لهذه المساهمة أن تكون سردا كرونولوجيا لتاريخ نضال الشبيبة التعليمية المغربية، ليس لأن تلك مسألة غير ذات أهمية، بل العكس من ذلك هو الحاصل تماما، بل لأنها تستلزم مجالا أوسع ودراسة خاصة ما أحوج أجيالنا الحالية لها. فتاريخ الشبيبة التعليمية المغربية جزء أساسي من التاريخ المعاصر للشعب المغربي، بل وفاعل أساسي في أحداثه وتغيراته. لذلك سنستهدف الوقوف – بشكل مركز- عن دور الشبيبة التعليمية المغربية من تلاميذ وطلبة في التصدي لمخططات النظام في مجال التعليم، في ماضيه وحاضره واستشراف مستقبله. نقول التصدي وليست المواجهة، فقط لأن المواجهة في تقديرنا تكون طبقية وتستلزم قوة طبقية تفوق إمكانية وطبيعة النضال التلاميذي-الطلابي، التصدي يحيل على مساهمة الشبيبة التعليمية المغربية،من موقعها، في سيرورة النضال العام ضد مخططات النظام في مجال التعليم كما في مجالات أخرى: سياسية ،اقتصادية، اجتماعية ، ثقافية… من حيث هي حقول مختلفة من الصراع الطبقي.

    فكيف ساهمت الشبيبة التعليمية المغربية في التصدي لمخططات النظام في ميدان التعليم وفي الدفاع عن حقوق ومكتسبات بنات وأبناء الشعب المغربي؟ وماهو راهن نضال الشبيبة التعليمية اليوم؟ ثم ماهي أهم مداخل تطوير النضال الشبيبي في ميدان التعليم

أولا: في تاريخ نضال الشبيبة التعليمية المغربية

    ثمة ملاحظتين أساسيتين في تاريخ نضال الشبيبة التعليمية المغربية، أولهما وهي ارتباط النضال التلاميذي والطلابي بالنضال العام للشعب المغربي من أجل الديمقراطية والعدالة الإجتماعية، ذلك ما تكشفه عدة محطات أساسية لعل من أبرزها انتفاضة 23 مارس 1965 المجيدة التي فجرها التلاميذ ومعهم الطلبة وامتدت لتشمل مختلف طبقات وفئات الشعب المغربي الكادحة. فقد أصدر وزير التعليم آنذاك يوسف بلعباس قراره بطرد التلاميذ البالغين من العمر 15 سنة من السنة الأولى والبالغين من العمر 16 سنة من السنة الثانية والبالغين 17 سنة من السنة الثالثة من المؤسسات التعليمية مما أجج غضب التلاميذ اللذين دعوا من خلال أشكالهم التنظيمية والتي كانت عبارة عن وداديات مرتبطة بالإتحاد الوطني لطلبة المغرب،  للإحتجاج والنضال ضد قرار الوزير والمخططات التعليمية التي دخل فيها النظام بين 1957 و1968 والتي مثلت في جوهرها استمرارا لارتهان المخزن للقرار الفرنسي في مجال التعليم على غرار مجالات أخرى. خاضت الشبيبة التعليمية نضالات بطولية طيلة فترة ما بين 1960 و 1964، قابلها النظام المخزني بالقمع الشرس مما زاد في تأجيج الوضع والخروج لشوارع البيضاء يوم 23 مارس 1965، خروج تزامن مع الاحتقان الإجتماعي للشعب المغربي الذي اكتوى بلهيب أسعار المواد الأساسية وتدهور الخدمات العمومية لتلتحق به أوسع مختلف فئاته الكادحة مما أدى إلى اندلاع الانتفاضة المجيدة  التي كشفت عن وجه النظام المخزني الدموي في تعاطيه القمعي معها.

    الملاحظة الثانية وهي ارتباط الشبيبة التعليمية المغربية أساسا بتاريخ اليسار المغربي بكل توجهاته، بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية والحزب الشيوعي المغربي سابقا، ثم بالتنظيمات والتيارات اليسارية المنحدرة من تجربتيهما. لدرجة يمكن القول فيها أن اليسار هو الذي صنع جزءا من تاريخ المغرب المعاصر في إطار صراه مع المخزن. فقد شكلت الشبيبة التعليمية المغربية ( تلاميذ وطلبة) رافدا أساسيا لتنظيمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية المشكلة أساسا، في بداية سبعينيات القرن الماضي، من منظمة – ب-  " 23 مارس" ومنظمة – أ- " إلى الأمام ". وأسفر ذلك عن تأسيس " النقابة الوطنية للتلاميذ " (ن.و.ت) في موسم 1971/1972 كنقابة سرية تحت نيران القمع المخزني.وكذا قيادة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في مؤتمره الخامس عشر، المنعقد في غشت 1972، من طرف "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" كتعبير سياسي لمنظمتي إلى الأمام و23 مارس داخل الحركة الطلابية. مما مكن الحركة التلاميذية والحركة الطلابية من النضال أكثر من  أجل الحق النقابي و من أجل مكتسبات مادية ومعنوية للشبيبة التعليمية وضد مناظرة إفران حول التعليم سنة 1970 وضد مختلف الإصلاحات الجديدة للامتحانات والظروف الدراسية المتردية و السياسة التعليمية النخبوية وضد كافة مظاهر التعليم الطبقي … غير أن فترة الثمانينيات عرفت تراجعا في نضال الشبيبة التعليمية المغربية نتيجة حملات القمع المتتالية لفترة السبعينيات وبداية عقد الثمانينيات ( قمع انتفاضتي 81 و84 )  ومختلف النضالات التلاميذية والطلابية، مما جعل فترة الثمانينيات مختبرا لتجريب وصفات الدوائر الإمبريالية، مما سمح بفرض عدة إجراءات كتقنين تسجيل الموظفين في الجامعة (1982) وإحداث رسوم التسجيل في الجامعة (1983) وتضخم عدد المطرودين ابتداءا من سنة ( 1984)  فإصلاح 1985 القائم على انتقائية شديدة في التعليم العالي، وتشجيع التعليم الخاص والتكوين المهني…تنفيذا لإملاءات البنك العالمي وأجرأة لمقتضيات سياسة التقويم الهيكلي القاضية بتخفيض نفقات الدولة في مجالات عدة كمجال التعليم وجعله مجالا للربح والاستثمار. (أنظر: كراس التعليم ليس سلعة. منشروات جريدة المناضل-ة يناير 2014).

ثانيا : في راهن ومستقبل نضال الشبيبة التعليمية المغربية

     إن حجم تضحيات ونضالات الشبيبة التعليمية المغربية في التصدي لسياسة النظام في مجال التعليم واكبه قمع أهوج قصد إضعاف وإقبار الحركتين التلاميذية والطلابية. فقد وعى النظام المخزني أن بداية تمرير أي مخطط من مخططاته الطبقية في مجال التعليم يمر بالأساس عبر القضاء على حركة النضال داخل الشبيبة التعليمية، وأن خطر الشبيبة التعليمية عليه يتجاوز أسوار الثانويات والجامعات  وسياسته التعليمية  ليمتد إلى طبيعة النظام أصلا وتطلع الشعب المغربي للديمقراطية والحرية والكرامة والمساواة والعدالة الإجتماعية.

    تمكن النظام في فترة التسعينيات من إضعاف الحركة التلاميذية والحركة الطلابية من خلال القمع والتضييق وتشتيت الوحدة النضالية للشبيبة التعليمية المغربية تماما كما فعل بمختلف قوى المعارضة السياسية والنقابية والجمعوية الاخرى، مما أدخل الشبيبة التعليمية في أزمة لعل من أبرز مظاهرها:

  • الهجوم المخزني على الحق في التعليم والاستمرار في الإجهاز على المدرسة العمومية ، من خلال تمرير كل المخططات الطبقية في مجال التعليم منذ التقرير الذي أصدره البنك الدولي حول التعليم سنة 1995 والذي أقر بضرورة تخفيض نفقات الدولة في مجال التعليم ، ثم إنزال ميثاق التربية والتكوين 2000-2010 ، والبرنامج الاستعجالي  2009-2012 ، مشروع مخطط 2013-2016 لإصلاح التعليم العالي.
  • افتقاد الحركة التلاميذية المغربية لإطارها النقابي التنظيمي  الوطني والموحد ، وأزمة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب التي انطلقت منذ فشل مؤتمره السابع عشر سنة 1981 والتي أدت إلى غيابه كنقابة طلابية منظمة قائمة بمؤتمراتها ومقرراتها وقيادتها واختزال ذلك في ثقافة أوطامية لا تكفي لوحدة وتقوية وتطوير  نضال الحركة الطلابية المغربية . مما جعل من نضال الشبيبة التعليمية ( تلاميذي وطلابي على حد سواء) يتسم بالعفوية والتلقائية والتشتت والمناسباتية دون أن يراكم لتجارب نضالية كبيرة.
  • هجومات القوى الأصولية وانتشار الفكر الظلامي وسط الشبيبة التعليمية المغربية  في مقابل تراجع الفكر التقدمي والنقدي.
  • تفشي وسيادة قيم الفردانية والأنانية والوصولية واللامبالاة … وتراجع المستوى الدراسي لدى التلاميذ والطلبة موسما بعد الآخر.

    لذلك فتحليلنا لما يقع اليوم ( غياب التنظيم – التشتت – الحلقية الفكرية – العنف الطلابي- …) يرجع بالأساس إلى عمل النظام المخزني على عدم عودة اليسار للساحة النضالية التلاميذية والطلابية لأن ذلك سيكلفه ربما أكثر مما كلفه في الماضي خاصة بعد انهيار حاجز الخوف بفضل نضال حركة 20 فبراير. عدد التلاميذ تضاعف بشكل كبير وعدد الطلبة ارتفع من 15000 طالب في سبعينيات القرن الماضي إلى أكثر من 500000 طالبة وطالب اليوم. فما ينقص هذا العدد ليكل قوة ضاربة هو الوعي والتأطير والوحدة النقابية وهي أمور لن يسمح بها النظام طبعا، بل وأن أغلب مكونات اليسار المغربي قدمت استقالتها بخصوص ذلك. وهو ما انعكس ليس فقط على نضال الشبيبة التعليمية بل وعلى النضال العام للشعب المغربي.

    لقد كانت ولازالت تجربة حركة 20 فبراير حابلة بالدروس لمناصريها كما لخصومها وأعدائها، برهنت على أن الشعب المغربي متطلع للحرية والكرامة وله استعداد كامن للنضال في سبيلهما، وأن اليسار لم يكن في مستوى المرحلة، فقد عكس أداءه على أن النظام استطاع عزله علن طبقات وفئات الشعب الكادحة ، فإضافة  للطبقة العاملة والفئات الكادحة ، لم تنخرط الشبيبة التعليمية وأغلب مكونات الحركة الطلابية التقدمية بما يكفي في نضال حركة 20 فبراير وإن شكل الشباب مفجرا وقائدا لها. ولم ترق عدة مبادرات إلى مستوى النهوض بالشبيبة التعليمية والخروج بها من أزمتها ، كدعوة التلميذات والتلاميذ إبان أوج حركة 20 فبراير إلى تنظيم أيام وطنية للإحتجاج ضد السياسات التعليمية ، وتأسيس "اتحاد الطلاب من أجل تغيير النظام التعليمي" كنواة لربط النضال التلاميذي بالنضال الطلابي لنقل المطالب للشارع المغربي من خلال أشكال نضالية مختلفة، كذلك فجر برنامج "مسار" الذي أعلنت عنه وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني خلال الموسم الفارط احتجاجات واسعة ومفاجئة للجميع، فخرجت  الآلاف وعشرات الآلاف من التلميذات والتلاميذ  في مسيرات واحتجاجات بمختلف مدن ومناطق المغرب للمطالبة بتعليم عمومي ومجاني وجيد في أكثر من 36 مدينة وقرية، أربكت وزارتي التعليم والداخلية فتوالت التوضيحات والتصريحات ، بل والملاحقات والمضايقات وقمع التلميذات والتلاميذ، لعبت منتديات التواصل الإجتماعي دورا كبيرا في التواصل، لكن باعث الإحتجاج كان أقوى. غير أن ذلك لم يتم استثماره وتطويره ليشكل لبنة لبناء حركة تلاميذية قوية .

    أما بخصوص الحركة الطلابية فقد استفاد النظام من عدم قدرتها على بناء وحدتها التنظيمية والنضالية وعدم التحاقها بنضالات حركة 20 فبراير بمبررات واهية لعدد من مكوناتها، ويعمل النظام جاهدا في سبيل ذلك بشتى الطرق وب"مباركة" البعض من قوى " اليسار" . ولعل المباردات التي تستحق التنويه والتطوير ما عرف بندوة 23 مارس 2010 بمراكش حول "الاعتقال والسياسي والعنف الطلابي" ولجنة المتابعة التي انبثقت عنها، والخطوة النضالية المتمثلة في وقفة 23 مارس 2014 أمام مقر البرلمان بالرباط، والتي لعب فيها فصيل طلبة اليسار التقدمي دورا كبيرا وأدى ضريبة ذلك بالاعتداء الإجرامي على مناضليه .

    إن نضال الشبيبة التعليمية لم يتوقف يوما لكنه يعرف ضعفا متواصلا، وكل محاولة لتطويره وتنظيمه وتجذيره إلا وتعرف تضييقا من الخارج ونسفا من الداخل. لذلك فمهمة اليسار اليوم هو عودته للثانويات و الجامعة وبقوة بغرض الاستفادة مما يتيحه العمل داخل المؤسسات التعليمية ( نوادي حقوقية – لجان ثقافية وفنية -…) وكذا جمعيات الأحياء والمجتمع المدني بغرض  إعادة بناء حركة تلاميذية قوية وحركة طلابية منظمة وموحدة ملتحملة بحركة النضال الجماهيري العام ورافدا أساسيا من روافده كما كانت في السابق.

على سبيل الختم:

    إن استهداف النظام المخزني للشبيبة التعليمية قصد تمرير مخططاته التصفوية في مجال التعليم ما كان ممكنا لولا ضعف وتشتت قوى اليسار وارتهانه للحلقية والانتظارية، لذلك فمعركة إعادة بناء حركة بنا نضال شبيبي تعليمي هي معركة بناء أدوات الدفاع الذاتي للجماهير ومعركة توحيد حركة النضال الجماهيري لأجل خلق أوسع جبهة ميدانية ضد المخزن وأوسع جبهة ديمقراطية  للكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

أحمد صديقي

مكناس في 13-07-2014

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا