كشف تحقيق استقصائي معمق نشرته المنصّة الإعلامية المغربية “هوامش” عن خيوط شبكة رقمية منظمة تستغل منصة فيسبوك للتأثير في النقاش العام والعمليات الانتخابية في المغرب، حيث وثق التحقيق نشاط منظومة تعمل كآلة انتخابية صامتة، وتضم أكثر من 140 حساباً وهمياً في غالبها، تزعم أنها لمواطنين مغاربة. وقد انطلقت خيوط الشبكة بعد ملاحظة تكرار جملة واحدة عشرات المرات بأسماء وصور مختلفة تعليقاً على خبر سياسي، ليكشف الرصد لاحقاً عن هندسة لـ “مناقشات” وهمية تدفع محتوى معيّناً إلى الصدارة وسط ضجيج مصطنع. على مدار أشهر، رصد التحقيق وتتبع كمّاً هائلاً من البيانات ليُظهر كيف تنسق هذه الشبكة بينها لتنفيذ حملات تستهدف خصوماً سياسيين، ونشر معلومات مضللة، وتضخيم سرديات داعمة لـ الحزب المتزعم للأغلبية الحكومية، من خلال خلق رأي عام مصطنع.
وتعتمد هذه الشبكة على الدعاية الحسابية (Computational Propaganda) عبر تكرار حرفي لنصوص مُعدَّة مسبقاً، رُصد تداولها في 529 منشوراً خلال الفترة الممتدة بين يناير 2022 وغشت 2025. وقد أثبت التحقق أن غالبية الحسابات وهمية، مع تحديد مصدر صور ملفاتها الشخصية (البروفايلات) التي سُرقت من الإنترنت، بما في ذلك صور لشخصيات حقيقية أجنبية، وصور من مواقع بيع الملابس. ويؤكد تطابق سلوك الحسابات في الشبكة وغياب أي نشاط طبيعي أو تنوع في الاهتمامات، باستثناء المنشورات الدعائية المنسقة، على أن العمل يتم وفق تنسيق دقيق. وأظهر فحص 598 منشوراً وجود نمط نشر يصعب على المستخدم العادي القيام به، حيث استطاع حساب واحد تكرار النص ذاته في أربعة منشورات مختلفة خلال دقيقة واحدة، ما يشير إلى وتيرة عمل سريعة جداً. كما تبيّن أن الشبكة تتخذ شكلاً عنقودياً، حيث تتناوب مجموعة من الحسابات داخل كل عقدة على نشر قائمة من النصوص المحددة، لضمان عدم تكرار النص ذاته في المنشور الواحد من حسابين مختلفين.
وقد تجلّى الدور المؤثر للشبكة في استهداف الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة فاس الجنوبية في أبريل 2024. ففي أعقاب خطاب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، الذي استعمل فيه كلمة “المحششين” في سياق معين، انطلقت حملة منسقة في 21 أبريل 2024، قادتها حسابات وهمية مثل “فاتن صابرين” و”نوفل آيت دوش”، لتضخيم مقطع فيديو مُجتزأ ومُعدَّل من الخطاب الأصلي، وركز على عبارة “جميعكم محششين”، مُخرجاً إياها من سياقها لإثارة الاستياء. وتزامنت هذه الحملة مع تضخيم رقمي للمحتوى الخاص بالمرشح الفائز عن حزب التجمع الوطني للأحرار، خالد العجلي، بدائرة فاس الجنوبية. كما لم يقتصر نشاط الشبكة على الانتخابات، بل امتد إلى نشر معلومات مضللة وحملات استهداف سياسي. فبين النصوص التي تكررت حرفياً، تعليق نُشر على مدى أشهر في 2021، يقول: “حزب الأحرار يتبع منهجية جد رائعة نحن على املا كبيرا بأن حزب الحمامة سيحقق نجاحا راائعا” بأخطائه الصياغية ذاتها. كما وثق التحقيق مشاركة حسابات الشبكة، ومنها حساب “عصام البحري”، في ترويج ادعاء مضلل حول تراجع أسعار اللحوم، بالإضافة إلى التغلغل في النقاشات العمومية الحساسة، حيث وثق التحقيق أن 62.40% من التعليقات على منشورات الصحف الإلكترونية التي تناولت مقاطعة طلبة الطب للامتحانات في يونيو 2024، كانت صادرة عن 60 حساباً وهمياً، تروج لخطاب منسق يصف قرار الطلبة بـ “التمرد“.
ويُعدّ انتحال الهوية أحد أبرز جرائم الشبكة؛ فقد تم تحديد المصدر الأصلي لصورة حساب “عصام البحري” (المنخرط بالشبكة) لتبيّن أنها تعود للناشط والباحث في الإعلام والاتصال وليد شرو، الذي عبّر عن صدمته من استغلال صورته للترويج لجهات وآراء قد لا يتفق معها، مشيراً إلى أنه أبلغ شركة “ميتا” عدة مرات، لكن دون جدوى لتعذّر توثيق حسابه الأصلي. من جهته، أوضح المحامي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن الأحزاب تستغل الفراغ التشريعي في المغرب، مشيراً إلى أن القانون الحالي لا يلاحق الحسابات الوهمية في حد ذاتها. ورغم أن سياسات شركة “ميتا” تحظر صراحة “السلوك الزائف المنظم” واستخدام “حسابات مزيفة” للتأثير في النقاش العام، فإن الشبكة استمرت في العمل بحرية تامة لقرابة خمس سنوات.
وفيما يتصل بحق الرد، أرسل معد التحقيق خلاصاته مصحوبة بأسئلة إلى الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس الحكومة، عزيز أخنوش، وإلى كل من لحسن السعدي (كاتب الدولة) ومرشح الحزب خالد العجلي، عبر البريد الإلكتروني الرسمي، والبريد المسجل، ومحاولات الاتصال الهاتفي، ولكن لم يتم تلقي أي رد من جميع الأطراف.
