نشر في العدد 534 من جريدة النهج الديمقراطي
يعيش المغرب اليوم دخولا اجتماعيا لسنة 2023/2024 على إيقاع الاحتجاجات الشعبية المعبرة عن الغضب و الرفض لسياسات النظام المخزني المعادية للطبقات الشعبية المفقرة بالبلاد من خلال تمرير المزيد من مخططاته الطبقية الرجعية و التراجعية الهادفة لتكريس و تعميق الفقر و الهشاشة و البطالة و القمع و الغلاء المهول في الأسعار و ضرب الحقوق و المكتسبات الاجتماعية و الشعبية في مختلف القطاعات و المجالات.
و لعل أبرز هذه المعارك هي المعركة النضالية التاريخية و غير المسبوقة التي تطبع الشارع المغربي اليوم لقطاع التعليم و الشغيلة التعليمية و الرافضة لما يسمى ب ” النظام الأساسي الجديد” و الذي يعتبر أحد المخططات الهادفة للهجوم النيوليبرالي على التعليم و المدرسة العموميين من طرف الدوائر و المؤسسات المالية العالمية النيوليبرالية المتحكمة في السياسات التعليمية بالمغرب من خلال الكتلة الطبقية السائدة الخادم المطيع لها و التي تهدف لتسليع التعليم و تفكيك التعليم العمومي و خوصصته و ضرب المكتسبات السابقة على قلتها و هزالتها من تفكيك و ضرب للوظيفة العمومية و تكريس التشغيل بموجب العقود و تحديد سن التوظيف بالقطاع في 30 سنة و تكريس و تعميق الهشاشة و فصل للتكوين عن التوظيف و غيرها من التراجعات الخطيرة و التي يعتبر أول و أبرز ضحاياها الشباب و الشابات سواء المزاولين بالقطاع و الطلبة و المعطلين حاملي الشواهد و لمعالجة هذا الموضوع سنقوم بتقسيمه للمحاور التالية :
-
- أسس و منطلقات النظام الأساسي الجديد
- قراءة في النظام الأساسي الجديد و تأثيره على بالشباب/ات
- سبل التصدي و المقاومة و توحيد النضال لمواجهة المخططات المخزنية.
أسس و منطلقات النظام الأساسي الجديد
-
بعض المخططات التاريخية لتنزيل السياسات التعليمية التخريبية في المغرب :
إن أزمة التعليم العمومي اليوم ليست رهينة فقط بالنظام الأساسي الجديد بل هي أزمة ممتدة منذ عقود من الزمن بعد استنفاد برامج التقويم الهيكلي الذي كان له انعكاسات خطيرة على القطاعات الاجتماعية و أبرزها ” قطاع التعليم” إذ واجه التعليم و المدرسة العموميين” هجوما نيوليبراليا كاسحا عبر مجموعة من المخططات و السياسات التعليمية التخريبية التي نفذها النظام المخزني عبر حكوماته المتعاقبة خدمة للدوائر الامبريالية المالية العالمية و الرأسمال العالمي و المحلي و تجلى ذالك في
-
- تنزيل الميثاق الوطني سنة 2000 استجابة لتقرير البنك الدولي 1995
- تنزيل البرنامج الاستعجالي 2009 استجابة لتقرير البنك الدولي 2008
- تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015 استجابة لمذكرة البنك الدولي 2013
- تنزيل خارطة الطريق و النظام الأساسي الجديد استجابة لتقرير البنك الدولي ” المغرب في أفق 2040 و الذي صدر سنة 2017.
كل هذه المشاريع و البرامج التي تم ترجمتها و تنزيلها بدقة استجابة لإملاءات المؤسسات النيوليبرالية المالية العالمية كما أشرنا سابقا و المنحازة بشكل واعي لتدمير ” التعليم العمومي و الوظيفة العمومية و إنعاش التعليم الخصوصي و التشغيل بالعقدة بشكل عام.
هذا الواقع اليوم أصبح مفضوحا بحيث أن هدف الدولة هو تسليع المدرسة العمومية و تسليع كل الواجهات الموجودة داخل المدرسة ” مثل الحراسة و النظافة و الطبخ” و الان يتم تسليع أنشطة الدعم و المواكبة و تعتبر كل المجالات التي تشتغل فيها المدرسة مهددة و رهن إشارة اختيارات الدولة الطبقية عبر وزارتها الوصية على القطاع من أجل تكريس المزيد من التسليع و الخوصصة.
-
لمحة تاريخية عن تنزيل النظام الأساسي الجديد :
انطلق تنزيل مختلف الأنظمة و القوانين و الإصلاحات المزعومة و المتعلقة بتنظيم العلاقات بين الموظفين و الموظفات في القطاع العمومي و قطاع التربية الوطنية تدريجيا و هي ليست وليدة حاجة مجتمعية أو نقاش جماعي بقدر ما هي نتيجة إملاءات خارجية وفق تقارير دولية للمؤسسات الامبريالية العالمية و هي كالتالي :
-
- النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية 1958
- إقرار أول نظام أساسي لموظفي:ات وزارة التربية الوطنية وفق النظام الأساسي للوظيفة العمومية و قسم الموظفين/ات لفئتين : نساء و رجال التعليم و رجال و نساء الإدارة التربوية1967
- نظام أساسي موحد لكل الموظفين/ات بوزارة التربية الوطنية و الذي أقر أول مرة نظام الترقية الداخلية.1985
- نظام الأساسي مستند كذلك على نظام الوظيفة العمومية و الذي حافظ على السلك الوظيفي و أقر بعض التحسينات فيما يخص نظام الترقية على الخصوص 2003
- مرسوم فصل التكوين عن التوظيف صيف 2015
- القرار المشترك رقم 7252 بين وزير التربية و وزير المالية و المذكرة 072/17 لتوظيف الأساتذة/ات بموجب العقود ( ضرب الوظيفة العمومية) 2016
- الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات و استبدال الاسم بالتوظيف الجهوي 2018 ( مناورة الالتفاف على مطلب الإدماج في الوظيفة العمومية و إلغاء التعاقد)
- النظام الأساسي القطاع التربية الوطنية شتنبر 2023 و الذي تم إنزاله عبر تنزيل التدريجي لمجموعة من المخططات ( تنزيل مقتضيات القانون الاطار 17-51 سنة 2019 ثم تنزيل خارطة الطريق الاصلاح التربوي 2022-2026 ثم تنزيل أهداف البرنامج الحكومي 2021-2026
بدأ مسلسل تنزيل مخطط النظام الأساسي بعملية استهداف النظام الأساسي 2003 و مكتسباته الهزيلة من طرف البنك الدولي في تقريره الشهير ” المغرب في أفق 2040″ حيث سيعلن على أن الوظيفة العمومية و المدرسة العمومية إذ تشكل ثقل على المالية العمومية و بالتالي يجب إعادة النظر في هذه المنهجية التي يتم بها تدبير الوظيفة العمومية بالمغرب و ستبدأ الدولة في تنزيلها لهذه التوجيهات عبر مجموعة من الحملات الإعلامية و التي تنتقد النظام الاساسي 2003 و سيبدأ الحديث عن المردودية الضعيفة و غيرها من الانتقادات بخرجات و تصريحات إعلامية لمختلف المسؤولين بالحكومة و الوزارة الوصية على قطاع التعليم و الاكاديميات و تتجلى خلفيتها الحقيقية تمهيد الطريق نحو القضاء على المكتسبات السابقة و يتعلق الأمر بثلاث نقط أساسية :
-
- استهداف نظام التوظيف المركزي للوظيفة العمومية
- استهداف أنظمة الترقية القائمة على المعايير الجماعية و ليست الفردية
- استهداف نمط التوظيف ( نمط توظيف واحد هو الخدمة الدائمة بمعنى الوظيفة القارة)
-
أهم نقط ” تقرير البنك الدولي المغرب في أفق 2040″ :
صدر تقرير البنك الدولي سنة 2017 حيث يأتي العنوان في أول صفحة ” الاستثمار في الرأسمال اللامادي تسريع الإقلاع الاقتصادي”
و سيتحدث عن الاستثمار في اتجاهين أساسيين : الاستثمار البشري و يقصد به النظام التعليمي و الاستثمار في الخدمات العمومية و سيركز على عدة أهداف من بينها أداء مهام الوظائف العمومية بأقل كلفة. ( تقليص التكلفة المالية في القطاعات الاجتماعية من بينها التعليم العمومي)
و يوجه التقرير المغرب إلى اتخاذ مجموعة من التدابير في قطاع التعليم أبرزها :
-
- اعتماد حكامة جديدة للنظام المدرسي و من بين أهدافها يتحدث عن تحديث الإدارة ” تحتوي على التدرج – أداء المهام – النتائج” بمعنى أدق خفض الأجور عبر ما يلي :
- اعتماد اللامركزية في التوظيف ( المالية و التدبيرية)
- التدبير بالنتائج و تعميم مستويات التعاقد
- المرونة في التوظيف و المهام و تدبير المسار المهني
- الصرامة في المحاسبة و تفعيل العقوبات التأديبية
- إدخال مفاهيم المقاولة مثل الأداء و المردودية و جعلها أساسا للترقية
- تشجيع الأداء الفردي
- ضبط حركية الموظفين و إعادة انتشارهم و توسيع اللجوء للتعاقد ( استهداف الشباب اساسا)
- تفويض الخدمات عبر الشراكات ( الخوصصة)
- النهوض بالقطاع الخاص و دمجه في مسار الإصلاح ( رفع اليد عن العمومي و الاتجاه نحو الخصوصي)
قراءة في النظام الأساسي الجديد و تأثيره على الشباب/ات :
مما سبق يمكننا القول أن المدرسة و التعليم العموميين يعيشان أزمة متراكمة و بنيوية لها سياقات اقتصادية و سياسية و إيديولوجية تخدم الرأسمال العالمي و المحلي و التوجهات النيوليبرالية و يعتبر النظام الأساسي هو المسمار الاخير الذي يدق في نعش التعليم العمومي و أول ضحايا هذه المخططات التخريبية هو الشباب و الشابات حيث أنه سيعمق المزيد من الهشاشة داخل القطاع و التفقير من خلال أجور زهيدة تقابلها غلاء مهول في المعيشة و نعتبر أن كل من وافق و ساهم في إعداد هذا النظام المشؤوم قد ارتكب جريمة في حق الشغيلة التعليمية و أولها الشباب/ات و لنستعرض أهم النقط التراجعية و الخطيرة التي يكرسها هذا النظام الأساسي الجديد :
-
- من الناحية الشكل إن اللغة القانونية للنظام الأساسي لغة فضفاضة و عامة و غير دقيقة.
- على مستوى المصطلحات فالنظام السابق كان يستعمل معجم الموظف/ة بينما اليوم أصبح يتكلم عن الموارد البشرية و إدماج مفهوم المهننة يعني اعتبار التعليم مهنة و هي لغة المقاولة بمعنى هنا نرى بالملموس الخلفية الحقيقية التي تؤطر هذا النظام الاساسي المجحف.
- الانتقال من نظام توظيف دائم يضمن الشغل القار مدى الحياة لنظام يعتمد نمطين من التوظيف ” نظام الخدمة الدائمة الموجه لموظفي الإدارة و هو النظام الذي يخضع له موظفة الوزارة) و النظام الوظيفي الجديد المبني على العقدة و الذي يخضع له الأساتذة و الأستاذات و الأطر و يمثل الشباب/ت الجزء الأكبر منهم.
-
- نظام توظيف جهوي تقتصر فيه الوزارة على التوجيه و التخطيط
- منظومة الترقية غير منصفة تعتمد معايير فردية ( المردودية و الكفاءة) و التي تعتبر معايير مقاولاتية و ليست معايير مؤسسات التنشئة الاجتماعية لأن المدرسة ليست مقاولة ( تجذر الإشارة أن المادة 49 تفيد أن الوزارة لها حق إلغاء أحد |أنماط الترقية في سنة من السنوات لأحد الأسباب و هذا يعتبر تراجعا و ضربا خطيرا للحق في الترقية)
-
- إضافة مهام جديدة لهيئة التدريس ( الدعم و التنشيط و التتبع و المواكبة و التي كانت مهام تطوعية فأصبحت إجبارية يتم تقويم الأستاذ/ة على أساس إنجازها من عدمه) أولا بدون تعويض و ثانيا تفاديا للاعلان عن مناصب توظيف جديدة في وجه الشباب/ات لتقليص ميزانية التوظيف في قطاع التعليم.
- تكريس التوظيف في 30 سنة و هذا إجحاف كبير و يعتبر هذا التسقيف حرمان صريح و واضح لأبناء و بنات الطبقات الشعبية من الحق في الشغل بمبرر السن.
- ترسيم المرونة في أداء المهام للتكيف مع متطلبات السوق بمعنى خدمة الرأسمال المحلي
- تقوية الاليات الزجرية و ربطها بالحياة المهنية
- تقييد الحركية و التحكم في الموظفين و إعادة انتشارهم
- عدم إدماج بشكل قطعي فئة المربيين و المربيات في التعليم الأولي بالنظام الأساسي و تجذر الإشارة أن أغلبهم شباب/ات و في هذا الملف نشير أن الوزارة تحمل إسم التعليم الأولي و لكن في المقابل لدينا ما يناهز 30000 ألف مربي و مربية أغلبيتهم الساحقة الشباب تم وضعهم بين يدي المؤسسات و الجمعيات بأجور زهيدة أقل من القطاع الخاص 2500 درهم علما أنهم يشتغلون في ظروف عمل صعبة خاصة في العالم القروي و يدرسون فئة عمرية حساسة و تعتبر هذه النقطة كوصمة عار على النظام الأساسي.
سبل التصدي و المقاومة و توحيد النضال لمواجهة المخططات المخزنية.
إن تكثيف الهجوم المخزني على التعليم و المدرسة العموميين من أجل تفكيكه و إضعافه و تكريس الخوصصة عبر مخططاته الطبقية التخريبية أبرزها ما يسمى بالنظام الأساسي الجديد” و الذي يكرس الهشاشة و يرسم التوظيف الجهوي كغطاء للتعاقد و يعمق اللاستقرار و يحول المؤسسات التعليمية لشبه مقاولات رأسمالية على مستوى التدبير و يعتبر أول ضحاياها الشباب/ات خاصة أبناء و بنات الطبقات الشعبية المفقرة مما يستدعي اليوم و أكثر من أي وقت مضى :
-
- النضال الوحدوي قوي و التفاف كافة الإطارات و القوى الديمقراطية و التقدمية المناضلة و المكافحة المعنية الشبابية اليوم في إطار جبهة شبابية لمواجهة و التصدي لهذا المخطط التخريبي ( سياسية و نقابية و حقوقية و طلابية و معطلين شباب/ات) في إطار المشاركة في المعركة التاريخية لإسقاط مخطط النظام الأساسي المشؤوم و الاستجابة لكافة المطالب العادلة و المشروعة.
- ضرورة تكامل نضالنا في قطاع التعليم على المطالب الانية ( إسقاط كافة المخططات الطبقية من النظام الاساسي…) مع المهام الاستراتيجية لنضالنا في قطاع التعليم و وضع أسس نظام تعليمي وطني ديمقراطي شعبي علمي و علماني إجباري و مجاني و منفتح ينمي الطاقات الإبداعية و الفكر النقدي و التحرري عبر المساهمة في بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة لقيادة صراعنا الطبقي ضد الكتلة الطبقية السائدة و قيادة التغيير الثوري إذ أن قضية التعليم قضية طبقية لا يمكن حلها إلا بالقضاء على الرأسمالية و بناء المجتمع البديل خال من الطبقات و الاستغلال.