الرئيسية » مباراة المحاماة.. حين يكون “ابن البط عوّام”

مباراة المحاماة.. حين يكون “ابن البط عوّام”

كتبه user B

ر.ط

يبدو أن وزير العدل (دون حريات)، عبد اللطيف وهبي، لا يخرج من حرب حتى يدخل في أخرى، فبعد المواجهة الضروس مع أصحاب البدلة السوداء، حول الضريبة ومسودة مشروع قانون المهنة، فجّر صراعا لم تنكشف أبعاده بعد، مع نادي قضاة المغرب، بعد أن طلب منهم ترخيصا من المجلس الأعلى للسلطة القضائية حتى يستقبلهم، مخافة “التدخل في شؤون السلطة القضائية”.

وقبل أن ينجلي الدخان، وينقشع غبار مواجهات طواحين الهواء، أسقطت أسئلة الصحافيين “المستفزة”، زعيم حزب الدولة، في فخ “أقبح من زلة لسان”.

المحامي “الداهية”، والسياسي الذي بات يضاهي إدريس لشكر في “الحنكة”، خرج ليدافع عن مباراة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة. الرجل يثق في لجنته، ولا يوجد ما يدعو إلى فتح تحقيق في النتائج “الشفافة جدا”. لا بل أكد وهبي أنه تعرض لـ “ضغوطات” حتى يكون عدد الناجحين قليلا، ولولا تدخله، لما وجد 2000 شاب، فرصة عمل، ليخرجوا من “الزناقي” المكتظة بجيوش العاطلين عن العمل.

بين هذا وذاك، لماذا كل هذه الجلبة حول مباراة المحاماة؟ لماذا انتقدها “الجالسون في المقاهي” دون أن ينتقدوا مباريات أخرى؟

حسب النتائج المعلنة، ودون أحكام مسبقة، وجدت أسماء شخصيات سياسية بارزة، وعدد كبير من أبناء مسؤولين نافذين ومقربين من دوائر السلطة، بشكل ملفت للنظر، ودون تناسب بين أعداد المحظوظين وأعداد التعساء.

وبغض النظر عن السؤال المغلوط “أليسوا مواطنين مغاربة، ولديهم الحق في اجتياز المباراة والنجاح؟”، فإن السؤال الحقيقي الذي يحاول أصحابنا تغييبه، هو “من قام بتسريب أسئلة المباراة؟” بعد دقائق من انطلاقها يوم 04 دجنبر، و”لماذا لم يتم فتح تحقيق في الموضوع وترتيب الجزاءات؟”، وما الذي يضمن بأن “الأسئلة لم يتم تسريبها مسبقا لأبناء الفشوش والمحظوظين؟” و”من المسؤول عن فوضى الغش التي شهدتها أطوار المباراة نفسها؟”.

الإجابة عن الأسئلة أعلاه “بكل شفافية ووضوح”، ستعفي المواطن المغربي من “حريق الراس”، والنقد من خلف شاشات الحواسيب والهواتف الذكية. 

وزير العدل يحاول تهريب النقاش إلى مدى مصداقية الآلات التي قامت بتصحيح أوراق الامتحانات، والتشكيك في اللجنة المشرفة على العملية. بينما النقاش الحقيقي يرتبط بالمباراة بأسرها، منذ الإعلان عنها في البداية.

نتذكر أن جمعية هيئات المحامين بالمغرب، اعتبرت في نهاية شتنبر 2022، بأن اعتماد منهجية الأسئلة ذات الأجوبة المتعددة في إجراء الامتحان الكتابي للأهلية المهنية، “تكشف عن رغبة الجهة المنظمة في إفراغ المحاماة من حمولتها الحقوقية، القائمة على قدرة المحاميات والمحامين على امتلاك ناصية المنهجيات التحليلية والتركيبية، وبناء التصورات الكبرى، لاستبدالها بمهنة وظيفية ترتكز على مهارات بسيطة وسطحية لا تتجاوز وضع علامة أمام أحد الأجوبة المختزلة المعروضة لسؤال جزئي وفقير معرفياً”؟

الوزير “الغيور جدا” على الشباب العاطل، والذي يتفاخر بخلق فرص شغل جديدة، نسي أو تناسى أن عدد المرشحين للامتحان سنة 2019، لم يتجاوز 30 ألفا، ونجح 4000 متبار، بينما بلغ عدد المرشحين في مباراة 2022، ما يناهز 70 ألف متبار، ونجح 2081، فقط؛ “ياله من تناقض”.

بالعودة إلى التصريح “الزلة” لوهبي، حول “سر” نجاح إبنه في المباراة، إذ قال بعظمة لسانه “ابني، والده غني دفع تكاليف دراسته في كندا”؛ الوزير “الغيور”، لم يكتفي بتبخيس والانتقاص من الإمكانات المعرفية للشباب المتخرج بالمغرب، ولا بضرب قيمة الشهادات الصادرة عن كليات الحقوق المغربية (المنهكة بالاكتظاظ والسياسات التخريبية لعقود)، لا بل ذهب الزعيم “اليساري جدا”، إلى احتقار الفقراء، وكل أبناء الكادحين، الذين لا يتوفرون على الإمكانيات، لا لمتابعة دراستهم في الخارج فحسب، بل حتى مواصلة دراستهم من الأصل.

عبد اللطيف وهبي بتصريحاته، التي قد تبدو للوهلة الأولى “شجاعة” و”مفحمة” تنم عن عقلية ناضل ضدها المغاربة لعقود، عقلية المخزن القائمة على احتكار الامتيازات والمناصب والثروة، واستبعاد أبناء الفقراء من حقهم في الاستفادة من خيرات البلد، عقلية متخلفة تجسدت في أشكال عدة، واختزلها مثل “حرفة بوك لا يغلبوك”. 

من الأكيد أن تصريحات وهبي، جعلت بيير بورديو يتقلب في قبره، أما ماركس فبالتأكيد، كان ليصرخ في وجه أولئك الذين صدقوا مسرحية “الميزان والحمامة والجرار”، فخلف الستار، عرض آخر، عنوانه “الما والسمطة”.

يحكي لنا خبير التراث الأردني نايف النوايسة إنه نزل أحد التجار ضيفاً على شخص ما في المدينة ولم يعرف أنه بخيل، وكان الضيف جائعاً، فقال البخيل لابنه “يا بني اذهب إلى الجزار وأحضر نصف رطل من اللحم لتطبخه والدتك طعاماً للضيف”، فذهب الولد إلى الجزار وطلب منه اللحم، فقال له الجزار “سأعطيك لحماً لذيذاً مثل الزبد”.

وهنا قال الولد في نفسه “سأذهب إلى البقال وأشتري الزبد بدلاً من اللحم”، فذهب الولد إلى البقال، فقال له البقال “سأعطيك زبداً كأنه الدبس”، فقال الولد في نفسه “لماذا لا أشتري الدبس بدلاً من الزبدة”، فذهب إلى التاجر الذي يبيع الدبس، فقال له التاجر “لدينا دبس كأنه الماء في صفائه”، وعندها عاد الولد وقال إذن لماذا أشتري الماء وفي بئرنا ماء عذب..!!

عاد الولد إلى والده وليس في يديه شيء مما طلب الوالد، فسأله “أين اللحم؟!”، فحكى الولد القصة لأبيه فأعجب الأب من فطنة ابنه، ولكنه قال له “لقد استهلكت الشيء الكثير من حذائك وأنت في السوق”، فقال الولد “لا يا أبي لقد لبست حذاء الضيف”.

سمع الضيف الحوار الذي دار بين الوالد وابنه، فقال “ابن البط عوام”، حتى أصبح هذه القول مثلاً يُضرب في الدلالة على توريث الصفات والمهنة بين الأجيال.

صدق المغاربة حين قالوا بأن مسؤولي هذا البلد السعيد، مثل المنشار، “طالعين واكلين، نازلين واكلين”.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا