1- السياسات الاجتماعية بالمغرب من الاستقلال الشكلي حتى نهاية 2019
حصل المغرب على الاستقلال الشكلي سنة 1956 ومع احتداد الصراع بين القطبين العالميين: الامبريالية الأمريكية والاتحاد السوفياتي، واتساع الحركات التحررية بالعالم والصراع القائم بين النظام المخزني والقوى التقدمية والوطنية آنذاك حول طبيعة النظام المنشود والخصاص المهول في الأطر المغربية، قام النظام بتوسيع قاعدة التعلم والتطبيب وتم بناء عدة مؤسسات تعليمية واستشفائية إضافة إلى دور الشباب… مما أدى بأبناء الطبقات الشعبية إلى الوصول إلى أعلى المستويات العلمية والأكاديمية وولوج مجالات وقطاعات كانت حكرا على أبناء وبنات الأعيان. وهذا ما أزعج الطبقات السائدة. لكن مع بداية مشكل الصحراء سنة 1975 وتصاعد مديونية المغرب، تم فرض برنامج التقويم الهيكلي على الدولة المغربية من طرف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي سنة 1983، والذي كانت آثاره وخيمة خاصة على القطاعات الاجتماعية. أضف إلى ذاك سياسة النظام الممنهجة لضرب مكتسبات الشعب المغربي في مجالي الصحة والتعليم، خاصة بعد انتفاضة 1984 حيث حمل الملك الراحل مباشرة رجال ونساء التعليم المسؤولية فيما وقع. هكذا بدأ التراجع على المجانية في قطاع الصحة العمومية وتفشت الرشوة في القطاع وتدهورت الخدمات، كما تم ضرب الفكر النقدي في قطاع التعليم من خلال التضييق على شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وتم تغيير البرامج التعليمية واستبدالها ببرامج تركز على الحفظ عوض التفكير والتحليل والاستنتاج. وبالموازاة مع ذلك تم خلق شعبة الدراسات الإسلامية في جل كليات الآداب، وبالتالي تهييء الشروط الموضوعية لانتشار الفكر الوهابي التكفيري وخلق أجيال من التابعين وفكر القطيع. وليس خروج عديد من المواطنين ليلا في عدة مدن للتكبير في فترة الحجرالصحي إلا أحد تجليات التعليم ببلادنا. ثم كذلك إهمال البحث العلمي وأصبحت الجامعات تحت سلطة وزارة الداخلية من خلال رؤسائها وأطلق العنان للخوصصة في هذين القطاعين الحساسين، وتم توظيف البرلمان بغرفتيه لتمرير قوانين معادلة الشواهد العليا المحصل عليها من مؤسسات خاصة أو من دول أجنبية مشكوك في قيمتها في مختلف المجالات وخاصة الصيدلة والطب مع الشواهد المحصل عليها من معاهد وجامعات وطنية لها قيمتها دون أي إجراء أكاديمي مقبول يميز بين الشواهد. هذه السياسات المخزنية ساهمت في تفريخ عديد من المصحات والمعاهد العليا والمدارس الخصوصية، جشعها واضح للعيان وليست لها أية قيمة مضافة رغم كل التحفيزات التي حصلت عليها من الدولة. وهذا ما أدى إلى تدهور مستوى هذين القطاعين سواء التعليم بقسميه المدرسي والجامعي، أو الصحة العمومية رغم بعض المجهودات الشخصية للعاملين بهما.
2- كورونا تفضح المستور
ظهرت أولى حالات وباء كورونا covid 19 مع نهاية شهر دجنبر 2019 بالصين، وكان الحدث مجرد موضوع للاعلام دون الإدراك المسبق لخطورة الوضع، وذلك للأسباب التالية:
البحث العلمي: لم يستطع المغرب توقع خطورة جائحة كورونا منذ بدايتها بسبب شبه غياب بحث علمي متطور خاصة في مجال البيولوجيا الدقيقة وعلم الفيروسات وغياب استراتيجية استباقية كسياسة رسمية، وبسبب هزالة الميزانيات المخصصة لذلك وهيمنة السلطة على مراكز البحث وقلتها وتفشي المحسوبية والرشوة في إسناد مناصب المسؤولية الخاضع للمنطق السياسيوي الضيق وكذلك انعدام الرقابة على الأموال المخصصة للبحث العلمي على قلتها. لذلك لاحظنا تخبط الحكومة في تعاملها مع هذه الجائحة قبل أن يتدارك النظام الموقف ويتخذ قرارات تبين الدور الشكلي للحكومة وعجز الدولة المغربية على الاعتماد على الذات لمواجهة الطوارئ. ويكفي رؤية وسائل التعقيم في العديد من المدن ووسائل الوقاية لإدراك حجم الأزمة البنيوية بالمغرب.
الصحة العمومية: لقد كان ولايزال قطاع الصحة العمومية أحد مجالات الصراع بين النظام والقوى الديمقراطية والتقدمية الحقيقية. ففي الوقت الذي تناضل هذه الأخيرة من أجل تعميم وتأميم ومجانية التطبيب وجعل قطاع الصحة إلى جانب التعليم خارج منطق السوق، فإن النظام المخزني بحكم تبعيته للدوائر الامبريالية، عمل على تدمير القطاع وإفساده من خلال الرشوة وتقليص الميزانيات إلى أدنى مستوى وتشجيع خوصصته، بل وبكل وقاحة تلجأ الطبقات السائدة وكبار المسؤولين إلى العلاج بالخارج وعلى حساب أموال الشعب المتروك لحاله يواجه تدني الخدمات في المستشفيات العمومية وجشع المصحات الخاصة. فوزارة الصحة مثلا لم تقم بتدريبات استباقية لأطرها أطباء وممرضين وإداريين لمواجهة أية آفة وتوفير اللوجيستيك اللازم لذلك، لأن دورها كان يقتصر فقط على التدبير اليومي البيروقراطي. وهذا يبين بالملموس أن قطاع الصحة العمومية لم يكن أبدا من اهتمامات الدولة المغربية، وقد ظهر ذلك من خلال تصويت البرلمان المخزني بإجماع الحاضرين ضد التعديل الذي اقترحه نائب فيدرالية اليسارالديمقراطي على قانون المالية لإعادة توزيع المخصصات وزيادة مبلغ خمسة مليار درهم لكل من قطاعي الصحة والتعليم. وهذا يبين بشكل جلي أن الأحزاب المندمجة في اللعبة المخزنية بعيدة كل البعد عن هموم الطبقات الشعبية، وهذا ما يجعل مهمة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين/ات مهمة آنية لا تقبل التأجيل من أجل التصدي للسياسات المخزنية التفقيرية.
3- التعليم المدرسي والعالي
فرض وباء كورونا إغلاق المؤسسات التعليمية والمعاهد والكليات وخلق ارتباكا واضحا لدى الوزارة المعنية، بحيث لم تستعد لمثل هذا الواقع الجديد بسبب المحسوبية والزبونية داخل القطاع رغم الأموال الطائلة التي نهبت في إطار المخطط الاستعجالي وغيره. ويظهر ذلك من خلال مجموعة من الدروس التي تقدم على القناتين التلفزيتين وعدم قدرة أغلب الكليات على توفير دروس فيديو وتمارين تطبيقية رغم المجهودات الخاصة لبعض الأساتذة الغيورين سواء في التعليم المدرسي أو العالي. أضف إلى ذلك عدم توفر جزء كبير من التلاميذ والطلبة على الأنترنيت بل وعلى الحواسيب. بل إن عدد مهم من رجال ونساء التعليم لا يتوفرون على حاسوب ولم يخضعوا لأي تكوين في مجال الإعلاميات والتدريس عن بعد. أما بعض التكوينات في إطار برنامج génie، فليست سوى نهب المال العام دون افائدة حقيقية. وهذا سيضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ والطلبة.
فأين نحن من مدرسة القرن الواحد والعشرين؟ لكن عوض مراجعة الوزارة والحكومة لسياساتها في القطاع وتحفيز الأطر التربوية، أصدر رئيس الحكومة المحكومة مرسوما يلغي فيه الترقيات والتوظيف في القطاع في ميزانية 2020. فحليمة لازالت على عادتها القديمة كما يقول المثل الشعبي. فالنظام ومن خلال الحكومة، عوض اتخاذ إجراءات جذرية تتمثل في إعادة توزيع الميزانيات والقطع مع تبذير المال العام وإلغاء كل الامتيازات والتقليص من أجور الوزراء والبرلمانيين الذين لا دور لهم/هن وحتى أجور الموظفين السامين وتوجيه الأموال المستخلصة إلى قطاعي التعليم بشقيه المدرسي والعالي وقطاع الصحة وتخصيص ميزانية مهمة للبحث العلمي تناسب تحديات المستقبل مع عقدة البرنامج، نلاحظ أنها تتمادى في سياساتها الطبقية غير عابئة بمستقبل البلد، مما يتطلب ردا في مستوى هذه الجائحة.
الخاتمة:
رب ضارة نافعة، هكذا يقول المثل، لقد أدركت الجماهير الكادحة بوعيها الحسي حجم معناتها مع تداعيات وباء كورونا. في السابق كانت القوى التقدمية الحقيقية تجد صعوبة في إيصال برامجها ومطالبها إلى الجماهير الكادحة بسبب الأوهام التي زرعها المخزن وسطها. أما الأن فقد اتضحت لها الصورة الحقيقية للأزمة البنيوية بالمغرب وعدم فائدة المسرحيات الانتخابية في حل مشاكلها خاصة في المجال الاجتماعي، وقد أرغم هذا الوباء الجميع على التأكيد على أهمية التضامن كقيمة إنسانية ونبذ النزعات الفردانية وعلى ضرورة التحضير والاستعداد الجماعي لمواجهة أي طارئ. كما أثبتت وبالملموس فشل الأنظمة الرأسمالية وديمقراطية الإنابة في إيجاد الأجوبة والحلول المناسبة لمشاكل المواطنات والمواطنين ما بالك بالديمقراطية المخزنية. وهذا يتطلب من كل القوى التقدمية عامة والنهج الديمقراطي خاصة تحمل كامل مسؤوليتها للتواصل مع الجماهير الكادحة حول طبيعة الأزمة الهيكلية وأسبابها واستنفار كل الغيورات والغيورين على هذا الوطن من أجل الالتحاق بالجبهات الشعبية والمساهمة في إعطائها بعدا أكثر كفاحية وإنضاج شروط جبهة شعبية واسعة كشكل من أشكال الاستمرارية لحركة 20 فبراير المجيدة للتخلص من المخزن وبناء نظام ديمقراطي حقيقي مستقل عن الدوائر الامبريالية ويعطي الأولوية للحاجيات الأساسية للمواطنين/ات.