348
” إن تأسيس الطبقة العاملة لحزبها السياسي شرط لا بد منه لضمان انتصار الثورة الاشتراكية وهدفها النهائي” مقررات الاممية الشيوعية الأولى.
لقد شكلت مهمة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة مركز اهتمام كل الشيوعيين – ات بالمغرب منذ ظهور الحركة الماركسية اللينينية أواخر ستينيات القرن الماضي ، وقد تبلورت هذه المهمة نتيجة سقوط أقنعة احزاب البرجوازية الصغيرة التي كانت تعقد المساومات اللامبدئية على حساب التضحيات العظيمية التي يقدمها الشعب المغربي وفي مقدمته طبقته العاملة .
برزت الحركة الماركسية اللينينية المغربية مطلع السبعينات في شخص منظمة الى الامام و 23 مارس و الفصيل المنشق عن هذه الاخيرة – لنخدم الشعب – كضرورة لتقديم الاجابة الفكرية و السياسية و التنظيمية لمعضلة قيادة نضالات الطبقة العاملة وكادحي المدن و الارياف ، قدمت اجابات أكثر نوعية خاصة من لدن منظمة الى الامام في اتجاه بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة لخصته بشكل جلي و متقدم وثيقتها التاريخية ” من أجل بناء خط ماركسي لينيني لحزب البروليتاريا المغربي “. وبعد مرور 50 سنة لازال سؤال بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة لم يجد طريقه نحو الوجود.
لن نتناول في هذه المقالة الاسباب التي أدت الى عدم اخراج هذا المشروع المنشود الى الوجود ، بل سنتناول ابرز الاطروحات التي تخترق التيارات الماركسية بالمغرب بصدد مهمة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين أو حزب العمال أو الحزب الثوري على رأي بعض التيارات الماركسية التي سنتناول اطروحاتها بالتفصيل قدر الامكان دون اغفال امكانية الوقوف على بعض الاطروحات المورثة عن التجارب السابقة للحركة الثورية المغربية وخاصة ( الحملم ) .
يتشكل اليسار الجذري اليوم بالمغرب من مجموعة من التيارات الماركسية ذات المدارس الفكرية المختلفة وهي تنقسم الى توجهين رئيسيين هما:
1- التوجه الماركسي اللينيني (الماوي): ويضم النهج الديمقراطي وبعض التيارات التي تعود جذورها للحركة الطلابية وهذه الاخيرة منقسمة لتيارات تعلن عن نفسها تنظيميا – تيار البديل الجذري و الجماعة الملتفة حول موقع 30 غشت واخرى تتحدث كمجموعات ماركسية لينينية .
2- التوجه التروتسكي ويضم ثلاث تيارات اساسية تعلن عن نفسها تنظيميا وهي تيار المناضل-ة الملتف حول جريدة المناضلة و تيار التحرر الديمقراطي وانصار التيار الماركسي الاممي .
وهي كلها تيارات ماركسية ثورية تؤمن في غالبيتها بضرورة التغيير الجذري ودور الطبقة العاملة في التغيير من أجل الاشتراكية ، رغم اختلاف التقديرات و التقييمات للمحطات التاريخية الكبرى لنضال الطبقة العاملة وسبل الوصول الى الاشتراكية … باختلاف نظرتها كذلك لمهمة بناء التنظيم المستقل للطبقة العاملة من حيث الاولوية ومضامين بنائه وتشكيلته الاجتماعية وشكله التنظيمي إلخ …
بصدد قضية بناء الحزب يمكن القول أن كل هذه التيارات تؤمن بضرورة بناء حزب طبقي للعمال و العاملات يشكل قيادة للتغيير الثوري ، لكن هذا الايمان بالمسألة ينقسم الى ايمان النوايا الذي لم يتخلص من اثار الماضي وايمان يجسد عمليا سواء على المستوى الفكري أو العملي ، ويمكن التمييز بين هذه التيارات الماركسية اليوم في المغرب في نظرتها للحزب لا من حيث الاولولية على جدول الاعمال او من حيث طبيعته والمهام المرتبطة ببنائه وشكله التنظيمي .
هناك تيارات ماركسية لينينية وتروتسكية تؤمن على الاقل قولا بضرورة الحزب في مناسبات أو عبر بيانات ، فنجد مثلا تيار البديل الجذري في احدى اصداراته المعنونة بـ ” اربع سنوات على – انفجار المنطقة المغاربية و العربية الماركسيون اللينينيون : أي موقع ؟ ” تتحدث في سياق حديثها عن مجمل التطورات الطبقية التي عرفتها المنطقة المغاربية و العربية وحجم المهام التي افرزتها هذه التطورات عن استحالة قيادة الانتفاضات الشعبية بواسطة الاحزاب القائمة وأن مهمة الماركسيين اللينينين هي ” بناء الاداة الثورية للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء كأساس للدور التاريخي المطلوب و بشكل ملح ” وقد أكدت الوثيقة على ضرورة الانخراط في نضالات الطبقة العاملة وبناء خط سياسي واضح للماركسيين اللينينين . لكن عندما تبحث عن أجرأة هذه المقولات اعلاه على ارض الممارسة العملية فكل وثائق التيار تلزم الصمت حول ماهية هذا الحزب ومضمون بنائه وهيكلته ..
هناك كذلك فصيل ماركسي لينيني ملتف حول موقع 30 غشت يصدر كراريس تثقيفية متنوعة وضمنها سؤال حزب الطبقة العاملة، غير أنه غارق حتى الاذنين في تقديس النصوص وخاصة الوثائق التاريخية لمنظمة الى الامام وهذا التقديس للنصوص افضى الى تقديس التجربة ككل بما لها وما عليها لدرجة أن الدارس لوثائق هذا الفصيل يستنتج أن ابعد افق لهذا الفصيل هو اعادة ما انتجته التجربة العملية للحركة الماركسية اللينينية ( دون نكران غناها وتقدمها المشروط بالظروف الملموسة التي انتجتها) وتجد هذا الفصيل في محاولاته المحتشمة لتقييم التجربة لا يخرج عن اطار تقييم هفوات ” الخط الثوري ” اتجاه ” انزلاقات الخط التحريفي ” كما يراه انصار هذا الفصيل .
بالنسبة للتيارات التروتسكية الثلاث فهي متباينة حول مسألة اهمية الحزب لكن رؤيتها تكتنفها الغموض من حيث وضع مسألة الحزب كأولوية وشرط تنظيم الطلائع العمالية وقيادة نضالات الطبقة العاملة فهي لم تتجاوز بعد ثلاثية ” تيار – منظمة – حزب ” فنجد مثلا في احدى المقالات المنشورة على صفحات جريدة المناضل – ة تحت عنوان ” حزب العمال مهمة أنية ” لكن حيث قراءة المقال تصتدم بنفس الثلاثية اعلاه ” بناء التيار الماركسي الثوري كلبنة أولى في مسار البناء التنظيمي، وطور أكثر تقدما أي بناء المنظمة العمالية الثورية، انتهاء ببناء الحزب العمالي الاشتراكي الثوري الجماهيري ” وهي نظرة موروثة في مضمونها مع النظرة التي كانت تسيطر على منظمة الى الامام بصدد قضية بناء الحزب حيث نجد في احدى وثائق المنظمة ” عشرة أشهر من كفاح التنظيم – نقد ونقد ذاتي ” ما يلي : ” منظمة ثورية تساهم بصفة فعالة في وحدة الماركسيين اللينينيين، مساهمة تنبني على حصيلة نضال المنظمتين الثوريتين ومكتسباتهما داخل الحركة الجماهيرية، من أجل منظمة ماركسية-لينينية موحدة نحو بناء الحزب الثوري ” فالى الامام نفسها ترى للوصول الى مهمة بناء الحزب وجب توحيد الماركسيين – اي المنظمتين – في منظمة واحدة وهذه المنظمة الواحدة سوف تتطلع بناء الحزب ، وهذا الاشكال جعل من الى الامام لا ترى في نفسها نواة جنينية عملية للحزب نفسه وهذه المسألة قد طورها النهج الديمقراطي باعتباره استمرارا فكريا وسياسيا نوعيا لمنظمة الى الامام حيث حافظ على نفس المبدأ – أي توحيد الماركسيين المغاربة – لكن وهو يتقدم خطوات عملية نحو الاعلان عن حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين وهي مسألة غاية في الاهمية .
هناك ايضا مسألة مهمة تختلف حولها التيارات الماركسية بالمغرب بصدد بناء الحزب وهي مضمون بنائه التنظيمي و الفكري بين التوجه التروتسكي الذي يرى أن مرحلة بناء الحزب ” يغلب عليها الاتفاق السياسي والمهام وتعدد التيارات الماركسية الثورية وتنوع التجارب والأصول التنظيمية والنضالية ” وهي نظرة تنهل من روزا لوكسمبورغ أكثر من اللينينية اضافة الى التقييم خاطئ والمشوه لتجارب الاحزاب الثورية العالمية وخاصة الحزب البلشفي. وبين التوجه الماركسي اللينيني الذي يرى في مسألة وجود التيارات داخل الحزب مسألة مضرة بوحدته الفكرية و السياسية و التنظيمية وأن كل المشاريع السياسية والتقديرات المختلفة تجد حلها في المبدأ اللينيني القائم على المركزية الديمقراطية .
يتبع …
نشر هذا المقال في جريدة النهج الديمقراطي، عدد: 350