الرئيسية » عزيز عقاوي: للحكرة “hogra” عدة أوجه والجوهر واحد

عزيز عقاوي: للحكرة “hogra” عدة أوجه والجوهر واحد

كتبه user B
     مقال للرفيق عزيز عقاوي حول الحكرة كان قد نشر سابقا بجريدة النهج الديمقراطي، ونعيد نشره بمناسبة حلول الذكرى السادسة لانطلاق حركة 20 فبراير.
*************************************************************

الحكرة la hogra "اتيمولوجيا" الكلمة :

    استقصيت آراء بعض الرفيقات والرفاق والأصدقاء والصديقات حول مدلول واصل كلمة "الحكرة " بالكاف المفخمة « HOGRA » فكان هناك من اعتبر أن الكلمة قد تكون من فعل احتقر يحتقر احتقارا وهو محتقر ( بكسر القاف) ومحتقر (بفتحها ) مما يعني استصغر واستهان ونظر إليه نظرة ازدراء واستصغار …

    ومنهم من اعتبر أن أصل الكلمة مرتبط بسياق لغوي آخر وهو أن كلمة حكرة من جمع : حكرات ( بضم الكاف) وحكرات ( بكسر الكاف) بمعنى الاحتكار ؛ اي تفرد شخص أو جماعة بعمل ما لغرض السيطرة على الأسواق والقضاء على المنافسة. وأن الإحساس بالحكرة هو إحساس بالظلم وسوء العشرة وهو نفس التعريف الذي ينص عليه معجم المعاني .

   فكلمة "الحكرة " التي ينطقها المغاربة والجزائريون بتضخيم الكاف « hogra » تنتمي في هذا السياق إلى القاموس اللغوي الاقتصادي، و تعني "استفراد شخص أو مجموعة صغيرة بالهيمنة الاقتصادية على السلع واحتكارها من أجل الربح على حساب المنافسة الشريفة المفترضة في العملية التجارية وفق منطق السوق " ، لكنها أي كلمة "حكرة"، عرفت انزلاقا دلاليا (un glissement sémantique ) واكتسبت دلالاتها السياسية الأولى عند أشقائنا الجزائريين خلال حراكهم الاجتماعي في عقد التسعينات ،قبل أن تستوطن المغرب ويتم تعميمها في كل التراب الوطني مع انتفاضة 20 فبراير المجيدة . 
 لقد أصبح للكلمة معنى آخر في المتخيل الجمعي المجتمعي ألا وهو الإحساس بالإقصاء والتهميش والحرمان من كل الحقوق في أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية …
فادا كانت أوجه  "الحكرة" وتمظهراتها متعددة فإن الجوهر واحد ألا وهو الاستبداد السياسي بالسلطة الذي ينتجه عنه استبداد اقتصادي وثقافي وبالتالي تهميش ممنهج للأغلبية من طرف الآوليكارشية الحاكمة إن على مستوى اتخاذ القرار السياسي والثقافي أو على مستوى التقسيم العادل للثروة .

فما هي أوجه الحكرة وتجلياتها ؟

أ -الحكرة الاقتصادية :

الاقتصاد هو قطب الراحة وجوهر الصراع ، هي العجلة المحركة للصراع هو من يحدد ويرسم معالم السياسات الأخرى المنتهجة و بتوجيهات من الدوائر الامبريالية، الاقتصاد المعتمد يحدد طبيعة التشكيلة الطبقة المجتمعية وبالتالي طبيعة النظام السياسي القائم . ولسان حال النظام السياسي القائم بالمغرب يقول أنه مزيجً من التراث الإسلامي والتقاليد السلطانية و بعض تجليات الأعراف الديمقراطية الحديثة، تلعب فيه المؤسسة الملكية الدور الأساسي ، هو خليط من المضمر والمكتوب ، من المقدس والمدنس، من التقليداني والحداثوي و يصعب تصنيفه وفق لغة العلوم السياسية . اقتصاد هدا النظام ريعي بالأساس، يتحكم فيه أخطبوط المافيا المخزنية المنتشرة في كل دواليب الدولة وهمها الوحيد هو تنمية الاقتصاد الخاص على حساب تنمية الاقتصاد العام . فزرع الوحدات الصناعية في جهة أو منطقة ما ،أو بناء الطرق، أو انجاز "المشاريع الكبرى" هنا أو هناك، رهين بماذا استفادة المافيا المخزنية من هذه "المنجزات" وليس بدافع تنمية المنطقة ورفع "الحكرة" عن المواطنين …

ب – الحكرة الجغرافية :

هذه الحكرة ليست قدرا جغرافيا ولا غضبا إلاهيا . الحكرة الجغرافية هي أن تتموقع في رقعة على تراب الوطن لا تدخل في اهتمامات المصالح الآنية للآوليكارشية الحاكمة ، الحكرة الجغرافية تبدأ بالحكرة اللغوية فيسمونها في خطابهم الرسمي " المناطق النائية " تصلح فقط لبعض الزيارات السياحية لمحبي "الاكزوتيزمl ‘exotisme » « . الحكرة الجغرافية هي أن تستوطن رقعة جغرافية بعيدة عن الميناء والمطار وخطوط السكك الحديدية وكل منافذ تهريب الثروة الوطنية في إطار قوانين التصدير والاستيراد التجارية … لكن قمة الحكرة الجغرافية هو أن تستزف خيرات الجغرافية "المحكورة" من معادن وغابات ومياه وفق القانون أو غصبا عنه ، وتخرج شاحنات محملة بمعادن إيميني وعوام ،وأرز الأطلس المتوسط، ومياه بنصميم، وسمك الحسيمة واسفي ، تحت أعين أطفال ونساء وشباب حفاة ،عراة وكأنهم لايبصرون ..

ج – الحكرة الثقافية :

إنها الحكرة التي تمتد جذورها إلى استعمار المغرب وتوقيع حماية السلطان وأعوانه وخدامه ومحاولات تهدئة المغرب la pacification du Maroc من طرف المعمر ضد تمرد جغرافية "السيبا " التي لم تكن خاضعة لهيمنة السلطة المركزية . إنها "سيبة" القبائل الأمازيغية التي كانت تمارس سياساتها الداخلية والخارجية وفق تقاليدها وأعرافها الديمقراطية المستوحاة من عمق الحضارة الأمازيغية التي استوطنت شمال أفريقا وجزر الكناري إلى حدود مصر القديمة . إن تهدئة المغرب وإخضاعه كان لا بد أن يمر عبر كبح جماع القبائل الأمازيغية المتمردة إبان الاستعمار وفي فجر الاستقلال الشكلي بدأ بالقضاء على جيش التحرير ،مرورا بتهميش وشيطنة الأمازيغية من طرف الحركة الوطنية التي استغلت صدور الظهير الفرنسي المسمى "الظهير البربري" والموقع من طرف السلطان ، للترهيب والتخويف من كل نزوع نحو المطالبة بجعل الثقافة واللغة الأمازيغيتين حقا مشروعا ومطلبا شعبيا لا يقل أهمية عن مطالب التحرر والديمقراطية.

إن الديمقراطية لا تتأسس ولا تكتمل إلا باحترام حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها . وتعتبر الحقوق اللغوية والثقافية جزء لايتجزأ من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهي الحقوق التي لازالت تراوح مكانها في الإقصاء والتهميش رغم الزخم النضالي المطالب برد الاعتبار للأمازيغية لغة وثقافة وحضارة.

د – الحكرة السياسية :

الحكرة السياسية هي المؤطر النظري لكل سياسات الحكرة في مختلف المجالات ومناحي الحياة . الحكرة السياسة مؤسسة ومقننة ومدسترة ومؤطرة للحياة العامة . وكل القوانين تستمد قوتها من القانون الأسمى : الدستور . هذه الوثيقة التي تكثف كل السلطات في يد الملك وتترك للأحزاب والنقابات والجمعيات هامش التنافس على خدمة الأعتاب الشريفة وفق ثوابت المملكة المسطرة في الدستور الممنوح . فالدستور أطر قوانين اللعبة وقننها ، وكل من حاول التغريد خارج سرب" الإجماع الوطني" ودستور 99 في المائة ،فهو مشتبه فيه ومشكوك في وطنيته ودينه ووفائه للثوابت الراسخة والثابتة والضامنة "لاستقرار" البلاد و"رفاهية" العباد .
إن الحكرة السياسية ككل "الحكرات " الأخرى، نستنشق رائحتها الكريهة يوميا ، عبر المنع والقمع والحرمان من التنظيم والتظاهر والتعبير عن الرأي المخالف" للإجماع " والاعتقال والمحاكمات الصورية وسنوات السجن وصولا إلى الطحن في شاحنات النفايات… 
 الحكرة السياسية هي أيضا ،أن تصرف أموال باهظة من المال العام لتنشيط الحياة السياسية في برلمان بغرفتين فاقدتين للشرعية الشعبية والصلاحيات القانونية والتشريعية الحقيقية . 
 الحكرة السياسية هي أن يستمر حرمان الشعب المغربي من حقه في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي وأن تستمر الأوليكارشية الحاكمة في استبلاد واحتقار وطن بأكمله.

لا بديل عن اسقاط كل أوجه الحكرة :

إن الحكرة بأوجهها المتعددة ، هي إفراز موضوعي لجوهر وطبيعة النظام السياسي القائم بالمغرب ألا وهو الاستبداد السياسي . والاستبداد كمفهوم سياسي ليس توصيفا قدحيا ولا تبخيسا "للديمقراطية" المغربية ،وإنما هو تحصيل حاصل وتشريع مكتوب ينص عليه الدستور المغربي بوضوح وجلاء حيث أن كل السلطات التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، والدينية ،والأمنية، متمركزة بيد الملك وبالتالي لا إمكانية للحديث عن تقاسم السلطة ولا المشاركة في رسم السياسات العامة للبلاد . ومن هنا نعتبر أن النضال من أجل إسقاط "الحكرة"/ الاستبداد بالسلطة السياسية والسلطة الاقتصادية في أفق حق الجماهير المقهورة والمضطهدة في تقرير مصيرها هو السبيل الوحيد للقضاء على الحكرة او الحكرات المتعددة وتشييد قلاع الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية .

 

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا