الرئيسية » سياقات بروز الأغنية الملتزمة في العالم العربي والمغاربي: الشيخ إمام ومارسيل خليفة نموذجا

سياقات بروز الأغنية الملتزمة في العالم العربي والمغاربي: الشيخ إمام ومارسيل خليفة نموذجا

كتبه saad mertah

سعد مرتاح

اختلفت التعريفات والتنظيرات حول مفهوم الفن والأغنية الملتزمة، وفتحت نقاشات عدة وندوات ومناظرات ُ ُ غية إيجاد مفهوم واضح ودقيق لهذا المصطلح، إذ وجد من يراها أغاني تروج لمشروع سياسي يساري، ب ُ وآخر يراها نوعا من الأغاني العاكسة والم ُ ترجمة للواقع المعاش كما هو دون تجميل أو تزييف.

وبعيدا عن الصراع المفاهيمي للمصطلح، تعني الموسيقى الملتزمة بصفة عامة ذالك النوع من الأغاني المهتمة بالقضايا المجتمعية سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية من وجهة نظر نقدية تقدمية وهي تهدف بصفة عامة لعكس وترجمة مرارة الواقع المعاش في قالب فني موسيقي بسيط ومفهوم لدى الجميع من جهة، وعكس الجوانب الإيجابية للبرامج والمشاريع والمجتمعية السياسية التحررية للتخلص من هذا الواقع المرير من جهة ثانية، أو ما يمكن اختزاله في عبارة عامة بـ “مناصرة القضايا العادلة عبر الأغاني والفن”.

والجدير بالذكر أن تاريخ الثورات والانتفاضات الخالدة في التاريخي العالمي الإنساني، حافل بأسماء فنية وإبداعية، استخدمت كل ما لديها من إبداع ووسائل في سبيل الانتصار لفكرة و والموت من أجلها، لهذا صارت أشبه بالأيقونات التي ارتبطت بها وعنونت المرحلة التي تنتمى إليها.

وقد دخلت الموسيقى الملتزمة للعالم العربي والمغاربي أواخر الستينات وطيلة سنوات السبعينات والثمانينات عن طريق تنظيمات وقوى اليسار الجذري بالأساس مستلهمة تجارب أمريكا اللاتينية بالأساس، حيث أحدث اليسار الجذري بالمنطقة تربة خصبة جدا لنمو ذلك النوع من الفن والموسيقى المهتمة بقضايا الشعوب ومعاناتها ولإبراز البديل عن معناتها أي البديل الاشتراكي التحرري لهذه الشعوب، وهذا ما يفسر قرب جل الفنانين الملتزمين باليسار العربي المغاربي الماركسي على باقي القوى السياسية الأخرى.

ومن الواضح أن الأغنية الملتزمة أعطت إشعاعا كبيرا للقضايا المجتمعية المصيرية وأخرجت الموسيقى من ظلمات الرفوف المكتبية والحلقات الضيقة والندوات المتخصصة، ولعل العالم العربي والمغاربي من أكثر الأقاليم الجغرافية والفضاءات الثقافية التي شهدت زخما كبيرا في هذا الاتجاه، ولعل من أبرز الأمثلة، تجربة الشيخ إمام وفؤاد نجم في مصر، وناس الغيوان وجيل جلالة في المغرب، ونماذج تميزت بحس فنى راق، كالهادي قلة في تونس وسميح شقير في سوريا واللبناني مارسيل خليفة.

ومن بين أكثر المغنيين شهرة هم الشيخ إمام ومارسيل خليفة هاذين الاسمين اللذين رافقا أجيالا كاملة من الشباب العربي المغاربي الطموح الثوري التواق للتحرر والانعتاق من الجهل والتخلف والتبعية والقمع، وما أعطى الزخم الثوري لهذين الاسمين بالضبط هو تزامن ظهورهما مع أحداث إقليمية وعالمية كبرى كانت مصيرية في تأسيس وتطوير اليسار الجذري بالمنطقة، انتفاضة 23 مارس 1965 بالمغرب وبعض الانتفاضات المشابهة في ذات الحقبة بالعديد من الدول، واختطاف الشهيد المهدي بن بركة، وهزيمة 1967 ثم ثورة 1968 الطلابية بباريس، وأحداث 1973 في تشيلي، إضافة للثورة الثقافية الصينية والتي ساهمت في بروز تيار ماركسي مغاربي متأثر بالماوية ومتحرر من الهيمنة السوفياتية البيروقراطية المقيتة، إضافة إلى انتصار الفيتنام على الاحتلال الفرنسي الأمريكي.

ما يعني أن هناك أحداثا موضوعية كبرى ساهمت في بروز هذين الاسمين على الساحة الفنية العربية والمغاربية، فمارسيل خليفة كان الصوت الغنائي للثورة الفلسطينية بقيادة آنذاك منظمة التحرير الفلسطينية ومن بعد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في حين كان شيخ الإمام الصوت المترجم للمعاناة اليومية لكل كادحي المنطقة المغربية والعربية سواء من خلال شيد قصورك على المزارع أو «هما مين واحنا»، أغاني تخاطب المواطن المقهور المغلوب على أمره وتبين له بطريقة سلسلة واضحة عامة السبب الرئيسي في مشاكله.

بروز الأغنية الملتزمة في تلك المرحلة، ووصولها للأجيال الجديدة من الشباب حتى قبل تعرفهم على السياسة والتنظيمات اليسارية الجذرية بالخصوص، شكل أرضية خصبة لالتحاق هؤلاء الشباب باليسار واعتناق أفكاره ومبادئه، وشكل تهديدا حقيقيا للأنظمة السياسية الاستبدادية التابعة بالمنطقة، حيث ترتب عن دخول أسطوانات و “كاسيطات” مارسيل وشيخ إمام لكل بيت عربي تنشئة سياسية شعبية نقدية ومسبقة للتلاميذ المقبلين على الدراسة الجامعية، ما يجعل منهم مهيئين بشكل أني للانخراط في تنظيمات اتحادات الطلاب كانت جلها يسارية في ذلك الوقت ومن تم الالتحاق بالتنظيمات اليسارية الماركسية على الخصوص وتقوية صفوف المعارضة الجذرية بأطر شابة مثقفة قادرة على تحليل الواقع والرد على الأطروحات الرسمية الاجتماعية والسياسية منها.

هذا الوضع فرض على الأنظمة الرجعية العربية ملاحقة موزعي هذا النوع من الأغاني، وفرض الرقابة على مناطق بيعها، والترهيب والوعيد لكل من يسمعها، حيث ركزت بعض الأنظمة السياسية قوتها على اجتثاث هذا النوع من الفن أكثر من اجتثاث تيارات اليسار الجذري وبياناتهم ومنشوراتهم، لقرب الأغاني من الضمير والواجدان الشعبي أكثر من تلك المنشورات التي كانت تحتاج تراكما معرفيا وسياسيا أوليا للقارئ العربي المغاربي حتى يفهم مضامينها الطبقية.

وعلى العموم، في الختام، يمكن القول أن هناك سياقات عدة موضوعية وذاتية ساهمت في بروز الشيخ إمام ومارسيل خليفة كرائدي الفن الملتزم العربي. وإذا كان اليسار العربي الماركسي قد وفر الحاضنة الأساس لهذا الفن عبر المنصات التي كان ينظمها بالمقرات الحزبية والنقابية والساحات الجامعية والأندية الثقافية وأثناء افتتاح مؤامراته التنظييمية الوطنية، فقد ساهم هذا الأخير بدوره في تعريف أفكار اليسار الجذري للعموم وأنشأ له بالتالي أرضية مهمة للاستقطاب والدعاية والتحريض، الشيء الذي أنشأ علاقة جدلية بين الفن الملتزم واليسار الماركسي بمنطقتنا.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا