191
حين خالطت تلاميذ كلية ادارة الأعمال في أيام الجامعة، اكتشفت الفارق بين الناس الذين قد يصبحون أثرياء في حياتهم وأولئك الذين سيظلّون خارج المنافسة. المسألة لا علاقة لها بالرغبة والأحلام، كلّنا نحبّ أن نكون أثرياء، السّؤال هو في أن تكون قادراً على فعل ما يستلزمه الأمر حتى تصبح ثرياً.
كما كان ستالين يقول، فإنّ «الكميّة هي في ذاتها نوعيّة»، وهذا ما يحصل اليوم مع سوق العملات الافتراضيّة. حين يصل سعر البيتكوين الواحد الى 17 ألف دولار، وتشارف القيمة الاجمالية للبيتكوينات الموجودة في العالم على ما يقرب الـ300 مليار دولار، لا يعود في الإمكان تجاهل الظاهرة وتنشأ ديناميات جديدة من حولها وتتغذى منها. أصبحت «غوغل» تعامل بيتكوين كعملة، تعطيك مباشرة سعر التحويل مقارنة بغيرها من الفئات النقدية. ويفترض أن تبدأ غرف التجارة هذا الشهر (في شيكاغو ونيويورك) ببيع «عقود مستقبلية» للبيتكوين، وهي أداة ماليّة تسمح لك بالمراهنة على ارتفاع سعر العملة الالكترونية. انت، في هذه العقود، تقوم تقنياً بشراء كمية من البيتكوين «في المستقبل» بسعر اليوم، أي أنّ السّعر لو ارتفع حينها، فأنت ستشتري بيتكوينات بسعرٍ أقلّ وتكسب الفارق (وحتى تراهن على انخفاض السلعة ــــ shorting ــــ فأنت تفعل العكس، أي تتعاقد على «بيع» بيتكوينات في المستقبل بسعر اليوم، فلو انخفضت قيمتها، فأنت ستشتريها بالسعر المنخفض حينها وتبيعها الى الطرف الثاني على أساس 17,000 دولار للبيتكوين الواحد ــــ في الكثير من هذه الصفقات، لا يتمّ تبادل مال وبيتكوينات، بل يقوم المصرف أو الوكالة ببساطة بحساب الفارق، ربحاً أو خسارة، ويدفعه لك حين يستحقّ العقد). في الوقت ذاته، ستقوم صناديق المال في «وول ستريت» قريباً ببيع سندات مسعّرة بالـ«بيتكوين»، وهي وسيلة تسمح لك بالاستثمار في السّلعة الالكترونية بسهولة وعبر حسابك الاعتيادي ومن دون تعقيدات التحويل والاحتفاظ ببيتكوينات، فالسندات تشتريها بالدولار وقيمتها ترتفع وتنخفض بحسب سعر البيتكوين، فتربح وتخسر بالتوازي مع حركة السلعة (وهذه هي الأداة التي «يشتري» عبرها الكثير من المستثمرين والصناديق اليوم الذّهب وباقي المعادن).
بصرف النّظر عن مصير عملة بيتكوين بالتحديد، وارتفاع أو انهيار سعرها، فإنّ ما يخيف المصارف المركزيّة بالفعل هو أمرٌ من مستوىً مختلف، وقد لا يكون بالإمكان ردّه بعد اليوم. بعد أن أصبحت العملات الالكترونية أمراً «جدياً»، ودخلت في النظام المالي وحظيت بقبول الجمهور، فما هي الّا مسألة وقت حتّى يكتشف العامل المهاجر، مثلاً، أنّه من الأفضل له بكثير أن يحوّل المال الى أهله عبر عملة الكترونية يرسلها الى «محفظة» أهله مباشرة، وليس عبر تحويلٍ مصرفيّ أو «ويستيرن يونيون». سيفهم أنّه قادرٌ على ارسال بيتكوين الى عائلته، بدلاً من المال، من دون أن يدفع رسم تحويلٍ كبير أو ينتظر أيّاماً أو يخاطر بتجميد الحوالة أو رفضها. وهذا ينطبق على أيّ بلدٍ وبسهولةٍ ومجّاناً (لو شاء الانتظار بضع ساعات)، أو يدفع رسماً صغيراً يعطيه أولويّة في «بلوكتشاين» مقابل أن ينجز تحويلاً ضخماً ــــ بملايين الدولارات مثلاً ـــ خلال دقائق. ومن الفوائد الجانبية هنا أنّ التصريح عن هذا المال ودفع الضرائب قد يصبح مسألة «اختيارية».
عامر محسن
المصدر: pflp.ps