الصفحة الرئيسية قضايا وطنيةقضايا الشبيبة المغربية يونس سالمي : الشباب و العمل السياسي

يونس سالمي : الشباب و العمل السياسي

كتبه user B

الشباب و العمل السياسي : أي موقع للشباب في الفعل السياسي ؟

يونس سالمي 

دور الشباب في العمل السياسي !   الرفع من مساهمة الشباب في العمل السياسي !  تحفيز الشباب على العمل السياسي ! العمل من أجل تشجيع الشباب على العمل السياسي …

لقد أضحت هذه العبارات محل حديث كل وسائل الاعلام الرسمية و الغير رسمية للدولة ، فبعد سنوات من التجهيل الممنهج عبر محاولات ضرب عمومية التعليم ، ووأد كل الاصوات المناضلة و المعارضة لسياسات المخزن وحكومته الرجعية وبلقنة الحقل الحزبي ومحاربة الجمعيات الثقافية التقدمية وحضر كل أنشطة الاطارات النقابية و الحقوقية الجادة ، هاهو النظام القائم يجني ثمرة عمله الدؤوب على خنق الحياة السياسية ، فالصخرة التي أراد أن يقدفها اتجاه أعدائه سقطت عن دون قصد ( وبشكل حتمي ) على قدميه حتى صار يصرخ في جميع الاتجاهات حول عزوف الشباب عن السياسة …

والحق يقال أن ” عزوف الشباب عن السياسية ”  له مدلول طبقي محض ، ففي الظاهر تبدو هذه العبارات اعلاه محاولة لتشجيع الشباب على ممارسة العمل السياسي ، لكن في الباطن هي دعوة الى ممارسة  نوع واحد من السياسة ألا وهو : السياسة الرسمية للمخزن .

 ففي زمن المحاكمات السياسية للمعارضين و الاطارات الجماهيرية المناضلة  التي ألصقت بها تهم الانفصال و الزندقة و الالحاد وتشجيع سياسة تفريخ الاحزاب وتفصيلها على المقاص ونشرالتفاهة السياسية وبناء القواعد الخلفية للثورة المضادة عبر دعم الجمعيات التنموية الانتخابوية. اعتقد النظام أن هذه الوسائل كافية لقتل كل فكر سياسي معارض له وكل اهتمام بسياسة التمرد و الاحتجاج على الواقع حتى صار حال حقله السياسي الذي اريد منه انتاج كوادره يعيش حالة تفسخ قل نظيرها فلا احد اصبح يهتم بالسياسة التي ترسمها الدولة ، مما دفع به الى اعادة تدوير نفاياته السياسية و” صبغ ” الاطر بألوان الاحزاب السياسية في كل تعديل حكومي أو انتخابات تشريعية حتى أضحت هذه الظاهرة  المقززة مسألة عادية ومقبولة لدى العديد من النخب الشابة ما دام الامر يتعلق بالريع السياسي .

إن عزوف الشباب عن العمل السياسي الرسمي هي ظاهرة عالمية غير مرتبطة بالتربة المغربية فقط ، فالسياسات التي أضحت تنهجها الدول و الممارسات السياسية للعديد من الاحزاب والتيارات السياسية ساهمت في انتشار هذه الظاهرة بشكل  مهول ، فالشباب تلك الفئة الاجتماعية الاكثر حساسية صارت تلمس يوما بعد اخر مدى الاستغلال التي تتعرض له  عبر تزيين الواجهات الحزبية والمنصات الانتخابية بل صارت تدرك أن شعارات ” إشراك الشباب في السياسة ” ما هي إلا شعارت منتهية الصلاحية تنتهي مع كل موجة انتخابية .

هل فعلا الشباب عازف عن السياسة ؟ وما دور هذه الفئة في الموجة الثورية التي عاشها العالم ما بعد أزمة 2008 ؟

إن الاجابة عن الاسئلة أعلاه تحيلنا عن مجمل التحركات الجماهيرية التي كان الشباب في طليعتها  والتي عرفها العالم لاسيما  بعد الازمة المالية التي ضربت النظام الرأسمالي العالمي في نهاية العشرية الاولى من هذا القرن ، لقد كان وقع هذه الازمة حادا لاسيما على هذه الفئة ، فتفاقم معدلات البطالة وانسداد الافق في انبعاث ظروف اقتصادية أحسن توفر شروط العيش الكريم وتستشرف مستقبلا أقل وحشية مما ترسمه هذه الازمة وتداعيتها ، إضافة الى القمع وخنق الحريات السياسية حتى في أعرق الديمقراطيات الليبرالية كالولايات المتحدة  التي عاتت شرطتها العنصرية فسادا وبطشا في صفوف الشباب ذوو الاصول الافريقية. دفع الشباب الامريكية  بفعل ارتفاع منسوب الوعي لديه بحكم تطور وسائط التواصل الاجتماعي وسرعة وسهولة وصول المعلومة الى الذهاب رأسا الى أصل الويلات الى عاصمة المال ووكر الفساد و الاجرام المالي حيث نشبت احتجاجات عارمة  بمدينة نيو يورك قادها الشباب عرفت بحركة احتلوا وول ستريت Occupy Wall Street لقد كانت هذه الحركة الشبابية صرخة في وجه تجار السياسة ومضاربين الماليين الذين ما كانو يعتقدون يوما أن ” عزوف ” الشباب الامريكي عن السياسة المرسومة والتي كانت حدودها  القصوى ترسم على شاكلة الدعوة الى توفير مناصب الشغل وكفى ! سيتفجر على هذا النحو ويذهب رأسا نحو أصل الداء ! لقد انتشرت المظاهرات في كل بقاع العالم مطالبة بتغيير هذا النظام المستبد العاشق لامتصاص دماء الكادحين والعمال فخرج الشباب في غفلة من أكثر الناس تفائلا باستقرار الاوضاع الى الشوارع في لندن وروما وباريس ومدريد … مبدعين أشكالهم النضالية وتجمعاتهم وسط الحدائق العمومية والمكتبات البلدية يناقشون معنى الاهتمام بالسياسة ويقلبون كل مفاهيم العصر الحديث حول التنظيم والدعاية والتعبئة والخطابات الجماهيرية .

لقد كانت هذه الحركات صراحة متأثرة بقوة بالصيرورة الثورية التي عاشتها منطقة شمال إفريقيا ، فسنوات القمع والبطالة التي عاشها الشباب المغاربي كانت كافية لانطلاق هذه الصيرورة الثورية الشبابية مبدعة حركات شبابية ذات مطالب سياسية واجتماعية واضحة تركزت أساسا حول مطلب ” اسقاط الفساد و الاستبداد ” ، فبرزت حركة 25 يناير بمصر مطالبة برأس النظام السياسي وبرزت  حركة 17 سبتمبر بتونس و حركة 17 فبراير بليبيا و20 فبراير بالمغرب … لقد كانت مجمل هذه الحركات الشبابية تعبيرا عن اختراق جديد للشباب للعمل السياسي بمضمون وأفاق أكثر رحابة .

لقد ابدع الشباب المغربي ادوات للتعبير السياسي عن نقده للسياسات القائمة لا يسترعي انتباه الجميع، ففي نقده للسياسة التعليمة ابدع الشباب حركتي ” الفلسفة في الزنقة ” و ” أجي نقراو ”  كتعبير عن رفضه لمناهج ومضمون وزارة التربية الوطنية وجعل الفلسفة وسيلة لتفسير العالم تفسيرا علميا من أجل تغييره ، إن هذه الحركات جاءت ردا على اقفال دور الشباب والاندية الثقافية  ومحاولات صبغها بلون سياسي واحد هو لون الاستبداد المخزني ، لقد ابدع الشباب في حراكي الريف وجرادة أكثر الاشكال التنظيمية الديمقراطية في العالم عبر نهج فلسفة الجموعات العامة المباشرة ، معلينين عن ولادة عمل سياسي شبابي نظيف يعطي للسياسة مضمونها الشعبي الديمقراطي .

إن هذه الحركات الشبابية كانت ولازالت تعبر عن طموحات الشباب في التغيير وعن انخراطهم في العمل السياسي المفتوح الغير مقيد بسلاسل البيرقراطية الحزبية وبقوانين الاستبداد سواء في المركز الامبريالي أو في المحيط  ، لقد اخترقت هذه الحركات السماء مكسرة كل الخطوط الحمراء المرسومة من لدن الحكومات العتيقة بصدد الانخراط في العمل السياسي ، حتى دفعت بهذه الحكومات الى مسائلة مؤسساتها المهترئة حول عزوف الشباب عن الانخراط في دواماتها الهائلة، لكن بالمقابل  ينحو الشباب نحو الارتماء في أحضان الشارع الملتهب الذي تعلمت في الجماهير وخاصة الشباب كيف تنظم نفسها وتحتك مع باقي الطبقات و الفئات الاجتماعية وتلامس همومها وتفهم المعنى الحقيقي للعمل السياسي بما هو عمل هادف الى تغيير الاوضاع القائمة وليس زخرفتها بالورود وبالتالي تأبيدها الى ما نهاية .

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا