503
حمزة الشافعي
تعد علاقة السياسة بالرياضة من الإشكالات المركزية المطروحة في المجتمع سواء على المستوى العلمي أو على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولا سيما في حقل كرة القدم نظرا لكون هذه الرياضة تعرف جمهورا واسعا عالميا وأيضا حقلا مربحا اقتصاديا.
في هذا السياق أصبح رجال السياسة في السنوات الأخيرة يشكلون هيمنة قوية في تدبير وإدارة الأجهزة المسيرة للفرق الرياضية. نظرا لما يعرفه هذا الحقل من فساد وريع في استغلال المناصب السياسية واستغلال الرياضة كحقل خصب لممارسة نشاطاتهم وتبادل المصالح الاقتصادية والسياسية. وهذا ما يتجلى في الواقع الرياضي في المغرب نتاجا للسياسة المدبرة في هذا الحقل. وبالتالي يمكن طرح مجموعة من الإشكالات من أجل تفكيك العلاقة بين السياسة والرياضة. فما هي العلاقة الجدلية التي تربط السياسة بالحقل الرياضي؟ وكيف تتم هذه العملية من داخل نظام مؤسساتي؟ وما هي السياسات البديلة المطروحة لتعميم الحق في الرياضة؟
إن التغير الذي عرفه المجتمع المغربي في السنين الأخيرة في العديد من القطاعات الحيوية بشكل عام والرياضة بشكل خاص، ولا سيما بعد انتفاضة 20 فبراير جعل من القوى السياسية المخزنية تستهدف هذا الحقل الرياضي نظرا لكونه ميدانا خصبا وأحد أكثر الحقول قدرة على الحشد والتجميع، والضبط السياسي والرقابة الاجتماعية، بما لها من قدرة على إخفاء الصراعات السياسية والاجتماعية. وكما يقول عالم الاجتماع الفرنسي “لوي ألتوسير”، أصبحت بمثابة “جهاز الدولة الأيديولوجي الفعال“. أيضا نظرا لكونه حقلا خصبا للفساد والريع الرياضي للاستفادة من العديد من الصفقات المدرة للربح بدون أي مراقبة أو محاسبة.
لقد شكل الربيع الديمقراطي نقطة تحول على مستوى الوعي السياسي عند الجماهير الشعبية، وأيضا على مستوى السياسة المخزنية المستبدة التي عمقت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع المغربي. مما أدى إلى العزوف السياسي وفقدان الثقة في كل أجهزة الدولة وأحزابها، وبالتالي ظهور ثقافة فرعية مضادة كحركة الألتراس التي تشكل قوى مناهضة للفساد والريع في الحقل الرياضي وحركات اجتماعية أخرى في الحقل السياسي. مما جعل البنية التقليدية للأحزاب السياسية لم تعد كافية في إقناع عموم الجماهير بمشاريعها ولا سيما فئة الشباب، وبالتالي هذا ما جعل العديد من القوى السياسية تخترق حقل الرياضة وكرة القدم في محاولة منها ضم هذه الفئة العريضة من المجتمع واستغلال جهاز الرياضة في المصالح السياسية باعتباره شكلا من أشكال البنية الحديثة عبر اختراق مكاتب تسيير الفرق الرياضية واستمالة الجماهير المشجعة لها وتعبئتها سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ومن هنا فإن الرياضة تشكل موضوع أساسي للسياسات العمومية والبرامج المبنية على قاعدة التنافس وحقلا للتقاطب والتمايز السياسي، مما يجعل العلاقة الجدلية التي تربط حقل السياسة بحقل الرياضة علاقة تنافس بين الأحزاب السياسية ورجال الأعمال في الاستثمار والربح الاقتصادي والسياسي. إن هذه العلاقة ليست جديدة في المجتمع فقد بدأت منذ الاستعمار الفرنسي بحيث كانت بعض الفرق الرياضية تعبر عن مقاومتها بالرياضة نظرا لما تعرفه كرة القدم من قيم نبيلة، لكن سرعان ما تحولت هذه اللعبة الخاطفة لعقول فئة واسعة من الجماهير إلى مجالا للاستغلال الاقتصادي لكونه قطاعا مدرا للربح والاستغلال السياسي في محاولة منها لكسب تعاطف الجماهير الكروية وحركة الألتراس خاصة ومحاولة احتوائها باعتبارها حركة اجتماعية مقاومة ومتشبثة بالمبادئ المتعارف عليها داخل هذه الحركة. لكنها بالرغم من ذلك لم تستطع اختراق العديد من حركات الألتراس بل أصبحت هذه الأخيرة في السنين التالية تنتج خطابا احتجاجيا على الفساد الرياضي وتفضح العديد من الممارسات الغير مشروعة من خلال شعاراتها وأهازيجها وكتاباتها التي ترفعا في الملاعب الكروية والشوارع العامة، في مقابل هذا تواجه حركات الألتراس بالتضييق والقمع المخزني.
إن الواقع الذي يعرفه حقل الرياضة في المغرب من هشاشة وفساد بين الفاعلون من داخله باعتباره حقلا استثماريا قويا ومدرا للربح عبر استغلال مكاتب الفرق من أجل الاستثمار في الصفقات الرياضية، من خلال العلاقات التي تربط بين السياسيين مع بعضهم ورجال الأعمال والذي يحكمها طابع المصالح الشخصية بينهم وليس من أجل المصلحة العامة لهذا الحقل والقواعد العامة التي تحكمه.
يمكن الحديث أيضا عن فشل السياسة العمومية في تدبير حقل الرياضة من خلال نقص الأطر الرياضية النزيهة التي يمكن أن تساهم في تطور المجال الرياضي باعتباره مدخلا للتنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي، أيضا في تفويض ملاعب القرب للمؤسسات الخصوصية وبالتالي الضرب في مجانية الحق في الرياضة كحق من حقوق الإنسان، دون مراعاة للجماهير الشعبية في مزاولتها لهذا الحق الطبيعي وعدم قدرتها في الولوج لملاعب القرب ومزاولتها للرياضة بشكل طبيعي.
بناء على مل سبق، وانطلاقا من القانون الجدلي فإن كل شيء مترابط في علاقة جدلية يحكمها الصراع، وهذا ما ينطبق على كافة الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية أيضا. وبالتالي لتغيير هذا الواقع المترهل في حقل الرياضة مرتبط بتغيير الحقول الأخرى أيضا وخاصة البنية المخزنية المتحكمة في جل الحقول.
ومن أجل تغيير السياسة الرياضة في تعميم الحق في الرياضة وجب النضال من أجل انتزاع الحق في الرياضة باعتباره حقا من حقوق الإنسان وذلك عبر العديد من المداخل أهمها المدخل الحقوقي، وطبقا للدساتير والقوانين الدولية فمن حق جميع المواطنين والمواطنات الحق في الرياضة، وبالتالي لتغيير هذا الواقع المرير في حقل الرياضي ولبلورة سياسة بديلة في هذا القطاع يمكن الانطلاق من المداخل التالية:
-
مناهضة الفساد والريع الذي ينخر الجسم الرياضي عبر استقلال الحقل الرياضي عن الحقل السياسي في استغلال مراكز السلطة في اتخاذ القرارات ذات الطبيعة البيروقراطية.
-
النضال من أجل المدرسة الرياضية التي لطالما كانت تنتج أبطالا سواء على المستوى الوطني أو العالمي وذلك من عموم الشعب، باعتبارها مدرسة شعبية تضم الجماهير الشعبية.
-
النضال والانخراط إلى جانب حركات الألتراس باعتبارها هي المعبر الحقيقي والصامد في الدفاع عن الرياضة ومناهضتها لجميع أشكال الريع والفساد الرياضي والسياسي.
-
إشراك حركات الألتراس في مكاتب التسيير ومراكز القرار في الفرق الرياضية.
-
تحقيق المطالب التي ترفعها حركات الألتراس باعتبار هذه المطالب بمثابة سياسة بديلة في الحقل الرياضي والتي تدافع عنها بطرق مختلفة ومبدعة.
-
رفع التضييق والمنع الذي تتعرض له حركات الألتراس من طرف الأجهزة البوليسية.
-
تشكيل تحالف بين حركات الألتراس والحركات الشبابية الأخرى والمجتمع المدني من أجل بلورة مشروع ميداني والنضال من أجله.
-
وضع آليات المراقبة من داخل أجهزة التسيير للفرق، ومحاسبة كل من كان مسؤولا عن الفساد الذي يؤدي إلى تخريب الحقل الرياضي.