221
سعد مرتاح
سعد مرتاح
يعيش شباب الشغيلة التعليمية في الفترة الحالية أصعب الظروف، فقد أدت تسارع وثيرة الهجوم النيوليبرالي على التعليم العمومي المغربي من أجل خوصصة ما تبقى من مجانيته ورهنه أكثر بيد الرأسمال تدبيرا وتسييرا تنفيذا لالتزامات النظام مع الدوائر الامبريالية المالية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، منظمة التجارة العالمية..)، إلى التراجع عن العديد من المكتسبات التي حققها نساء ورجال التعليم بفضل النضالات المريرة التي خاضوها في فترات تاريخية سابقة والمتجلية في تخريب أنظمة التقاعد وتمديد سن العمل إلى 63 سنة، فرض التشغيل بموجب عقود مع الأكاديميات مما يؤدي عمليا إلى تكريس الهشاشة وسط الشباب/ات وإقبار الحق في الوظيفة العمومية، ثم الاقتطاعات المتتالية من الأجور.
إن هذا الهجوم مستمر كما أنه من المتوقع أن تزيد درجته حدة فهذا ما يتضح من خلال المستجدات التي يحملها مشروع قانون الإطار 51.17 المتعلق ب “منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي” فمن من بين ما يتضمنه من بنود ومواد خطيرة:
– “هو ضرورة إحداث دلائل مرجعية للوظائف والكفاءات تعتمد لإسناد المهمات ولتقييم الأداء والترقي المهني على أساس الاستحقاق وجودة الأداء والمردودية كما هو معمول به في المقاولة الرأسمالية، مما يعني التراجع أيضا عما حققته الشغيلة التعليمية في مجال الترقي والتخلي عن حق الترقي بالشهادة أو الأقدمية أو الامتحان..”
ومنه يتضح أن الشباب والشابات الذين يشتغلون في قطاع التعليم وخصوصا الملتحقين حديثا، متضررون من السياسات التعليمية في هذا المجال، وأنهم من بين ضحايا تفكيك الوظيفة وضرب المدرسة العموميتين، ليلتحقوا بالأخير بصفوف الشباب الذي يعاني من الهشاشة والأوضاع الاجتماعية والسياسية الكارثتين التي تعيشها البلاد.
ولمواجهة هذا الهجوم خاضت الشغيلة التعليمية نضالات وحركات احتجاجية قوية كان شباب/ات التعليم في طليعتها. ولكن في المقابل يتم إقصاء فئة الشباب حيث لا زال المتحكمون في قطاع التعليم يعتمدون إقصاءهم من أي حوار جدي لإيجاد الحلول الموضوعية التي تضمن الحقوق المشروعة لهم. كما أن المركزيات النقابية تجاهلت مطالبهم فيما سمي بالحوار الاجتماعي، ومنه فإن هذا الاستهداف التي تعاني منه الأطر التربوية الشابة من جهة وتخاذل البيروقراطية النقابية مع هاته السياسات من جهة أخرى أدى تعميق النفور من العمل النقابي ودفع العديد من شباب/ات الشغيلة التعليمية إلى التخلي عن النقابات التعليمية وإبداع آليات دفاع جديدة المتجلية أساسا في التنسيقيات.
فمن بين الأسباب الرئيسية التي أدت لظهور تنسيقيات الشغيلة التعليمية هو الواقع البئيس والمزرى الذي وصلت إليه النقابات المتمثل في الفساد البيروقراطي وإقصاء وتهميش الطاقات الشابة من الهياكل التقرير للمركزيات النقابية بالإضافة إلى فشل هذه الأخيرة في الاستجابة لتطلعات الشغيلة في عدة ملفات، ومن أبرز سمات أو مميزات هذه التنسيقيات التعليمية أنها شبيبية بامتياز مؤكدة وبشكل واضح أن شباب/ات التعليم قوة رئيسة في التغيير. ففي جل المسيرات التي تنظمها هاته التنسيقيات نجد الأغلبية فيها شباب وشبات مفعمين بالطاقة والحيوية وروح الاندفاع، والملاحظ أيضا أن التنسيقيات التعليمية بقيادة الشباب/ات استطاعت خوض أشكال نضال جد متطورة لم تشهدها الشغيلة التعليمية من قبيل الاعتصامات والمبيت الليلي أمام البرلمان ومقر الوزارة الوصية على التعليم والإضراب لمدة أكثر من شهر حيث أصبح الآن الفعل النضالي للتنسيقات التعليمية أكثر من النقابات التعليمية وهذا أمر سلبي أكثر مما هو إيجابي.
وهنا الأشكال الذي وجب الوقوف عنده، فحركة شباب الشغيلة التعليمية المتمثلة أساسا في نضالات التنسيقيات ترتكز على نقط معينة بمجرد فرض تحقيقها كالترقية أو إسقاط مرسوم يضر مصالح فئة معينة تنحل التنسيقية مما يؤدي إلى التشتت وعدم تراكم الخبرة النضالية لدى قيادتها الشابة (فأين هي مثلا تلك الحشود المؤلفة التي كانت تخرج في مسيرات تنسيقية الأساتذة المتدربين في النضال الحالي رغم أنه يشتغلون اليوم في المدرسة العمومية) الشيء الذي يؤدي في الأخير إلى هدر الطاقات المناضلة الشابة وعدم تطويرها لتصبح أطر سياسية ونقابية فاعلة ومؤثر في الصراع الاجتماعي- الاقتصادي. لأن التنسيقية تبنى على نقط وعلى ملف بينما النقابة نظريا تبنى على قضايا الشغيلة، قضية الدفاع عن المرفق العام والرفع من الوعي الطبقي…
ومن هذا المنطلق لتجاوز هذا الإشكال يبقى على عاتق القوى التقدمية المخلصة لقضايا الطبقة العاملة لنضالات الشغيلة التعليمية مهمة العمل على تجاوز الهوة بين نضالات التنسيقيات الفئوية والنقابات من خلال محاولة الربط بينها ومواصلة محاربة البيروقراطية النقابية ثم أيضا استكمال خلق وتقوية تنظيميات شبيبة قطاعية داخل النقابات المناضلة وإعطائها قدر كافي من الاستقلالية وخوض المعارك تحت لواءها على شاكلة “اتحاد شباب التعليم بالمغرب” UJEM المنضوي تحت لواء الجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي الذي ساهم فيه أساتذة النهج الديمقراطي الشباب/ات بقوة بهدف تأطير النضال وسط شباب قطاع التربية والتكوين. فهذه التجربة وجب تطويرها وتعميمها خصوصا أنه بدأ يلتحق بعد مناضلي التنسيقيات إلى الجامعة الوطنية للتعليم FNE عن طريق اتحاد شباب التعليم بالمغرب.
إذ بواسطتها يمكن الاستجابة للحاجة الملحة للشباب/ات لإطار تنظيمي يساهم في النهوض بالعمل الشبابي النقابي والاهتمام بقضايا الشباب، ثم أيضا من خلالها يمكن العمل على بلورة رؤية لتوحيد كافة نضالات شباب التعليم (تنسيقية التعاقد، حاملي الشواهد، ضحايا النظامين، الزنزانة 9…) وأيضا من خلالها يمكن نشر الفكر التقدمي وفي نفس الوقت استقطاب الطلائع الشابة المناضلة من خلالها إلى العمل النقابي ورد الاعتبار لهذا العمل عن طريق مواصلة محاربة البيروقراطية المتربعة بالقوة وبدعم مخزني على القيادة.
كما أن قطاع التعليم ليس معزول عن باقي القطاعات الحيوية التي تعرف هي الأخرى هجوم ممنهج وبنفس الحدة وهذا الهجوم الذي يعتبر بدوره نتاج لميزان قوى يميل بشكل عام لكفة النظام المخزني والطبقات الملتفة حوله، وبالتالي نضال شباب الشغيلة التعلمية ضد القوانين التي تستهدفهم يجب ألا يكون معزولا عن باقي نضالات القطاعات الأخرى من جهة، وعن الحراكات الشعبية من جهة أخرى وليس هناك من إطار قادر على هذا إلا النقابة التي تؤمن بالنضال التضامني المستمر.
وفي الأخير لا بد من التذكير أن ما يواجه شباب/ات التعليم من هجوم لا يمكن حله بشكل جذري إلى من خلال بناء نظام ديمقراطي شعبي بديل عن النظام المخزني التبعي الحالي، نظام متخلص من التبعية للمراكز المالية الامبريالية ووضع سياسات وقوانين في صالح المعنيين بها وليس في صالح الرأسمالي المحلي والأجنبي، الشيء الذي يحتم على شباب/ات التعليم العمل السياسي إلى جانب من يدافعون عن مصالحهم.
نشر هذا المقال في جريدة النهج الديمقراطي – عدد يونيو 2019