248
الإصلاح الزراعي الانتقالي في السودان في ضوء برنامج الحزب الشيوعي السوداني المجاز من المؤتمر السادس للحزب
عادل عبد الزهرة شبيب / بغداد
يمتلك السودان ثروة زراعية كبيرة حيث تتوفر مقومات الزراعة من ارض خصبة ومياه وأيدي عاملة وظروف مناخية مناسبة، إلا أن السودان وبسبب سياسات الحكومات المتعاقبة الفاشلة وعدم توفر الرؤى الإستراتيجية وسوء التخطيط وتفشي الفساد بقي السودان متخلفا في زراعته ولم يتحول لأكبر اقتصاد زراعي في العالم، وظل الفلاحون يعيشون الفاقة والحرمان وأصبحوا من الفقر فلاحي العالم بسبب ذلك. وعلى الرغم من المساحات الزراعية الشاسعة إلا أن السودان يستورد القمح والمواد الغذائية، فماذا يعني ذلك ؟! كما لوحظ أيضا أن أسعار الخضروات في أسواق الخرطوم وكردفان وغيرها من المدن السودانية أعلى من نظيرتها في أسواق عربية أخرى غير زراعية! فماذا يعني ذلك؟!! وأي سياسة هذه التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في السودان التي أفقرت الفلاحين وغالبية الشعب، في الوقت الذي كان يعتبر السودان سلة غذاء العالم.
تقدر مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في السودان بنحو 200)) مليون فدان وهي من أجود أنواع الأراضي الزراعية في العالم والتي يغذيها نهر النيل بفروعه المختلفة إضافة إلى مياه الأمطار إلا أن المستغل الفعلي من هذه الأراضي لا يتعدى 20% فقط و ما زالت وسائل الزراعة المستخدمة بدائية أو غير حديثة بما يكفي لذا تتدنى إنتاجية الفدان خاصة من الحبوب بنحو ثلث مثيله في دول عربية أخرى. كما ترتفع تكاليف الإنتاج والضرائب على زراعات السمسم والفول السوداني، إضافة إلى أن السودان البلد الزراعي يستورد أكثر من 50 % من حاجته من القمح وأكثر من 26 % من حاجته من مواد غذائية أخرى، كما هو الحال في العراق الذي يعتبر أول بلد زراعي في العالم ونشأت فيه أول حضارة ألا وهي حضارة وادي الرافدين وتتوفر فيه مقومات الزراعة ومع ذلك يستورد سلة غذائه من دول الجوار.ويشبه ذلك غنى العراق بثروته النفطية والذي يحتل المركز الثاني في العالم في الاحتياطي النفطي ومع ذلك يستورد الوقود والمنتجات النفطية والغاز وهو اغني بلد نفطي في العالم وهكذا حال السودان والعراق حالهم حال الجمل الذي يحمل الذهب ولكنه يأكل العاقل (العشب).
تعتبر الزراعة وتربية الماشية من المصادر الرئيسة لكسب العيش في السودان، كما يعتبر السودان واحدا من اكبر ثلاث بلدان في قارة إفريقيا من حيث المساحة وواحد من أهم بلدان العالم التي تتوافر فيه المياه والأراضي الزراعية الصالحة للزراعة مما يجعله سلة غذاء العالم لو أحسنت الإدارة والتخطيط. كما يعتبر القطن من محاصيل التصدير الرئيسة كما يعتبر السودان من اكبر البلدان المنتجة للسمسم في العالم ويأتي ترتيبه الثالث بعد الهند والصين وهو أيضا من دول العالم الأكثر إنتاجا للذرة.
وكان من أسباب تخلف الزراعة في السودان هو قيام النظام المقبور بمنح أراضي السودان للمستثمرين الأجانب شركات وإفراد فقد منحت البحرين (110) ألف فدان، وباعت أيضا (2 مليون) فدان في الشمالية لمستثمرين مصريين و(2 مليون) فدان في الشرق لمستثمرين سعوديين و(400 ألف) فدان للكويتيين، وتسليم (2 مليون) فدان من أراضي الفشقة الكبرى أخصب الأراضي في السودان وإفريقيا للأثيوبيين وإيجار (400 ألف) فدام من أراضي الجزيرة لشركة كورية لمدة 33 عاما دون استشارة ملاك الأراضي وأهالي المنطقة. وعامل آخر ساهم بتدهور الزراعة في السودان والمتمثل برفع الدولة من خلال بنك السودان يدها عن التمويل الزراعي وتركه للبنوك الخاصة كما تدهور دور البنك الزراعي. وتشير التقارير إلى استيراد السودان لمنتجات غذائية تزيد عن مليار دولار بينما لا يزيد الصرف الكلي على الأنشطة الزراعية 600 ألف دولار.
موقف الحزب الشيوعي السوداني من تخلف الزراعة :
شخص الحزب الشيوعي السوداني في برنامجه المقر من المؤتمر الوطني السادس للحزب ( 27 – 30 يوليو / تموز 2016 )، بأن سياسات ( المؤتمر الوطني ) والحركة الإسلامية في القطاع الزراعي يمكن إدراجها بالرأسمالية الطفيلية المرتبطة بالاستعمار والمؤسسة الامبريالية فكريا وعمليا حيث جرت المضاربات في قوت المواطنين والنشاط غير الإنتاجي المعتمد على العمولات والسمسرة، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الغلال وسعي الدول المنتجة للغذاء في العالم مثل كندا وأمريكا واستراليا وغيرها لرفع أسعار الغذاء والذي شجع العديد من الدول كالصين ودول الخليج والهند ومصر وبعض دول الاتحاد الأوربي على الاستحواذ على الأراضي الزراعية في بلدان العالم الثالث مع التركيز على القارة الأفريقية وهنا لعبت الرأسمالية الطفيلية دورها في تحصيل العمولات والمضاربة في الأراضي الزراعية وبيعها أو إبرام عقود إيجار طويلة المدى على المستوى الدولي . ويرى الحزب الشيوعي السوداني أن هذا الأمر لا يعني استثمار زراعي يعمل على استصلاح الأراضي وتطوير مناطق الإنتاج وإنما هو استحواذ كامل على الأرض الزراعية وإنتاج الغذاء أو الوقود الحيوي بهدف التصدير للبلدان الممولة ولا ينعكس ذلك على أوضاع الشعب السوداني حيث تنتفع البلدان الممولة بينما يتضور المواطنين السودانيين جوعا.
ويرى الحزب الشيوعي السوداني أن برنامج الإصلاح الزراعي للفترة الانتقالية ينبغي أن يقوم على الآتي :
أولا : إصلاحات عاجلة : تتمثل باسترداد جميع الأراضي السودانية المباعة بصفقات مشبوهة لمنسوبي النظام السابق ولغيرهم إلى جانب مراجعة عقود الأراضي الممنوحة للمستثمرين ووضع الشروط للاستثمارات الأجنبية في القطاع الزراعي. إضافة إلى حفظ حقوق الرعاة والمزارعين في استغلال الأرض وتحديد المسارات لمنع الاحتكاكات القبلية وتحقيق الاستقرار وصيانة التربة الزراعية والحفاظ على ديمومة المراعي وتأمين غذاء الحيوان. ويؤكد الحزب على ضرورة إعادة كل ما تم خصخصته من مشاريع المؤسسات الزراعية المختلفة وإعادتها للقطاع العام والعمل على تأهيلها لتتمكن من سد الحاجة المحلية وتصدير الفائض. كما يؤكد الحزب الشيوعي السوداني على إلغاء القوانين الخاصة بالمشاريع المروية خاصة مشروع الجزيرة لعام 2005، فهذا القانون فيه كثير من المشاكل حيث أن إعطاء حرية زراعة المحاصيل قد أدى إلى توفر عدد محدد من المنتجات الزراعية ولم تجد\ التسويق الكافي. كما أن إلغاء وإعفاء الخفراء والمفتشين الزراعيين أدى إلى تدهور عام في مشروع الجزيرة وان تقليص مهام إدارة مشروع الجزيرة أدى إلى فقدان عدد كبير من أصول المشروع. ومشروع الجزيرة في السودان يعتبر من اكبر المشاريع فيها حيث تقدر مساحته بـ(2 مليون) فدان ويمتاز بإنتاج القطن بأنواعه المختلفة إلا أن المشروع شهد في السنوات الأخيرة تدهورا سريعا في الإنتاج إضافة إلى وجود مشاكل في ملكية الأراضي. وقد اعترض الكثيرين على القانون بعد إصداره عام 2005 ويرى المعترضون على القانون بأنه مخطط مدروس لتفكيك المشروع وتشريد المزارعين وإدخال القطاع الخاص تنفيذا لتوجيهات البنك الدولي. كما يطالب الحزب بإلغاء قانون أصحاب الإنتاج الزراعي والحيواني لعام 2010 وصياغة قانون ديمقراطي لاتحادات المزارعين. ويرى الحزب ضرورة وضع خطة لتطوير الزراعة والعمل على توطين النازحين بالمدن واللاجئين بدول الجوار في مشروعات للإعاشة مؤكدا على تحديد أولويات السلع المستوردة وتحفيز الفئات الاجتماعية المنتجة إلى جانب الاهتمام بالاستخدام الكفء لمياه الري مع إعادة الإشراف الكامل على عمليات الري لوزارة الري.
ثانيا : إصلاحات لتحقيق دفعة في مجال المعروض من السلع الزراعية خاصة الغذائية : وفي هذا المجال يرى الحزب الشيوعي السوداني ضرورة توسيع دور القطاع العام في التمويل والتسعير والتصنيع والتمسك بالدور الريادي للقطاع العام الذي يبقي على الملكية العامة للدولة في الأرض والري والآليات لاستنهاض الإنتاج الزراعي بطريقة فاعلة، مع الاهتمام بتعديل التركيبة المحصولية لصالح المحاصيل الغذائية وإخضاع الاستثمارات التعاقدية لتحقيق هذا الهدف وتحقيق توازن نسبي بين تكاليف العملية الإنتاجية والعائد النقدي للمزارعين والذي سيشجعهم. ويؤكد الحزب أيضا على إعادة تأهيل المشروعات الزراعية القائمة وإقامة استثمارات جديدة إضافة ضد المخاطر والكوارث إلى التحديد العادل لأسعار المنتجات والمدخلات وإعطاء أولوية خاصة لتوجيه الدعم نحو أصحاب الحيازات الصغيرة والمنتجين الفعليين في القطاع التقليدي ومشاريع المضخات الصغيرة بشروط ميسرة من تمويل وبذور محسنة ومصادر طاقة متجددة وحماية وتأمين أصحاب الحيازات نساء ورجالا. ويشير الحزب الشيوعي السوداني إلى الإهمال الذي يعاني منه القطاع المطري التقليدي الذي يعتبر احد ركائز الإنتاج الزراعي مؤكدا على ضرورة وضع خطة لحل كل المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع للارتقاء بإنتاجيته من خلال توفير مدخلات الإنتاج من آليات وبذور محسنة والوقاية من الآفات الزراعية وتوفير الائتمان بشروط ميسرة وإدخال التقنيات الحديثة في العمليات الإنتاجية مع الاهتمام بالبحوث والإرشاد الزراعي والتدريب لرأس المال البشري العامل في هذا القطاع الهام. إضافة إلى تولي القطاع العام الإشراف على هذا القطاع مع العمل على تطوير وتحديث آليات تسويق المحاصيل.
ثالثا : التمويل : كان بنك السودان يقدم التمويل المباشر للقطاع الزراعي عن طريق القروض للمؤسسات الزراعية الحكومية بفائدة لا تزيد عن 9%. إلا أن حكومة الجبهة اتخذت من تأخر التمويل وعدم كفايته ذريعة لإيكال مسألة التمويل للبنوك التجارية. وفي هذا المجال يؤكد الحزب الشيوعي السوداني عل استناد التمويل على عدة أسس فتؤخذ تكاليف زراعة الفدان الواحد للمحصول المعني والتي تعدها الجهات الفنية في وزارة الزراعة واحتساب إنتاجية الفدان الواحد مع إضافة أرباح للمزارع بحدود 33% من التكلفة المقدرة وبالتالي يتم الوصول لسعر القنطار من القطن مثلا – الوحدة القياسية من المحصول المعني.على أن تتولى إدارة المؤسسة الممولة السداد، وان تقوم إدارة مشروع الجزيرة ومؤسسة حلفا الجديدة بتقديم الضمانات الكافية لتسليم كميات القمح. إلى جانب اهتمام الحزب في برنامجه بقطاع الثروة الحيوانية والثروة السمكية وقطاع الدواجن وهذه تحتاج إلى وقفة خاصة.
وبهذا الصدد فقد أشار الحزب الشيوعي السوداني في برنامجه إلى أن سياسات التنمية الرأسمالية التابعة قد وسعت من دائرة الفقر وعمقت التفاوت بين أقاليم السودان وكذلك بين طبقاته وشرائحه الاجتماعية. فالثروة تتراكم عند الأقلية والفقر يسحق الأغلبية العظمى من إفراد المجتمع إذ يحصل النصف الأكثر فقرا من السكان في البلاد على 8% فقط من الدخل القومي مقارنة مع 22% لنفس الفئة في إفريقيا جنوب الصحراء، مؤكدا على ضرورة تطويق الأزمة وتخفيف معاناة الجماهير. وان البديل الوطني الديمقراطي للتنمية الذي يدعو له الحزب جماهير الشعب لمساندته وتبنيه لتجاوز واقع التخلفات والفقر والتشوهات التي افرزتها سياسات التنمية الرأسمالية التابعة. ويؤكد الحزب الشيوعي السوداني أيضا في هذا المجال على القيام بإصلاحات لتخفيف حدة الفقر ومعالجة الأوضاع الزراعية الغذائية الحرجة وتخفيض عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر، إضافة إلى تطوير الاقتصاد الوطني من زراعة وصناعة وتعدين وغيرها وإلغاء الديون على فقراء ومتوسطي الحال من المزارعين ومعالجة أوضاع الخدمات الزراعية والاجتماعية للمزارعين والاهتمام بالصناعة التي هي أداة استراتيجية التنمية الوطنية الديمقراطية والعمل على مكافحة البطالة بكافة أشكالها.