171
تعود الجذور التاريخية لتأسيس صندوق النقد الدولي إلى أواخر الحرب العالمية الثانية حين انعقد مؤتمر بروتن وودز في يوليوز 1944 بولاية نيوهاميشير في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان من الأهداف الرئيسية لهذا المؤتمر هو بناء نظام نقدي دولي جديد قادر على إعادة التوازن لميزان المدفوعات وتنظيم المبادلات المالية على المدي الطويل بين الدول، وجاء في ظروف اتسمت أساس بانتهاء هيمنة بريطانيا على المشهد الرأسمالي العالمي وتحول هذه الهيمنة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
صندوق النقد الدولي:
افقار الكادحين/ات تحت شعار محاربة الفقر
سعد مرتاح
يعتبر صندوق النقد الدولي من أبرز المؤسسات المالية الدولية حديثا في الفترة الأخيرة خاصة بعد الأزمة الاقتصادية وما تلاها من نتائج وتدخلاته المستمرة والمتكررة والملاحظ دائما أنه كلما قدم الصندوق مساعداته والتي هي عبارة عن قروض بهدف التنمية والزيادة في النمو إلى بلد معين إلا وزادت نسبة الفقرة والمديونية في هذا البلد. ليتأكد في الأخير أن الهدف ليس هو مساعدة الدول بل تكريس تبيعيها لدول المركز الامبريالي وأن هدفه أيضا ليس هو محاربة الفقر بل محاربة الفقراء، وهذا المقال سيتطرق إلى السياق التاريخي الذي تأسس فيه صندوق النقد الدولي، وأيضا البرامج وخلفياتها السياسية والأيديولوجية التي يفرضها صندوق على الدول المعنية، ثم الأثار الاجتماعية والسياسية لهاته البرامجأأن
I- لمحة تاريخية :
تعود الجذور التاريخية لتأسيس صندوق النقد الدولي إلى أواخر الحرب العالمية الثانية حين انعقد مؤتمر بروتن وودز في يوليوز 1944 بولاية نيوهاميشير في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان من الأهداف الرئيسية لهذا المؤتمر هو بناء نظام نقدي دولي جديد قادر على إعادة التوازن لميزان المدفوعات وتنظيم المبادلات المالية على المدي الطويل بين الدول، وجاء في ظروف اتسمت أساس بانتهاء هيمنة بريطانيا على المشهد الرأسمالي العالمي وتحول هذه الهيمنة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد نتج عن هذا المؤتمر اتفاقيات أنشئت بموجبها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي يمنح البنك العالمي القروض طويلة المدى بينما يتكلف صندوق النقد الدولي بمهمة تأمين الاستقرار في ميدان الصرف ومراقبة تحولات العملات فيما بينها.
ومن الناحية الرسمية فإن اتفاقية تأسيس الصندوق تهدف إلى تشجيع التعاون الدولي وتيسير التوسع في التجارة الخارجية وتحقيق الاستقرار في أسعار الصرف بالإضافة إلى مساعدة البلدان المأزومة على تجاوز ما تعانيه من مشاكل. ومن خلال هاته العبارات قد يتبين للوهلة الأولى أن صندوق النقد الدولي بمثابة مؤسسة مالية دولية تعمل بحيادية ولا تخضع لأي عوامل سياسية في حين إن صندوق النقد الدولي كما سيتبن كان ولا زال منذ تأسيسه إحدى المؤسسات التي أنشأنها الامبريالية الأمريكية لفرض هيمنتها الاقتصادية على العالم وتكريس تبعية الدول ويكفي لتأكيد هذا، الإشارة فقط أن الصندوق يقدم هذه المساعدات منذ 5 عقود لبعض الدول في حين يزداد الفقر ومديونية الدول تفاقما. وأيضا إلى التطرق للكيفية التي توزع بها حقوق التصويت داخل هياكل الصندوق. حيث نصت أحكام الصندوق على ان لكل دولة عضو 250 صوتا + صوت واحد لكل مائة ألف ألف دولار من حصتها. أي كلما زاد عدد الحصص لدولة ما لدى الصندوق ازداد تأثيرها على توجيه سياسته لصالحها. وعلى هذا الأساس كان حوالي ثلثي الأصوات تسيطر عليها الدول الرأسمالية المتطورة وأغلبية هاته الأصوات مجتمعة تسيطر عليها أمريكا.
واستمر نظام بروتن وودز قائما إلى حدود غشت 1971 حين أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون في خطابه الشهير الذي دام 18 دقيقة تخلي بلاده عن قابلية تحويل الدولار إلى الذهب نتيجة العجز المستمر في ميزان دفوعاتها الذي أدى إلى التقليص بشدة من احتياطات الذهب في خزينة الأمريكية. وتعويضه بنظام قائم على مبدأ تعويم العملات وتحرير حركة رؤوس الأموال من الرقابة المفروضة عليها من طرف الدول، وبالنظر للظرفية الاقتصادية الدولية آنذاك المتسمة أساسا بارتفاع أسعار البترول وتفاقم أزمة المديونية في العديد من دول المحيط، كل هذا أدى بصندوق النقد الدولي بأن يصبح قوة دولية مهيمنة يعمل على إحداث تحول عميق في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية لبلدان المحيط خاصة تلك التي سقطت في فخ المديونية إذ من 1978 ستصبح الاستفادة من قروضه مرهونة بتطبيق سياساته وإملاءاته.
II- منهجية عمل صندوق النقد الدولي وآثارها