انتظارات الشعب ما بعد كورونا

كتبه saad mertah

سعيد أوحمان

إذا كان اهتمام المغاربة عامة منصب حاليا على أخبار تداعيات فيروس كورونا وعلى كافة أوجه الحياة ببلادنا وبالعالم أسره، فإن اهتمام بعض الباحثين والمهتمين بتصور واقع ما بعد التعافي من هذه الجائحة يرتكز على تحليل معطيات التطورات والتغيرات التي لحقت عمق المجتمع خلال هذه الفترة بما لها وما عليها في محاولة لوضع سيناريوهات للمستقبل مبنية على قناعات إما فردية، جماعية أو طبقية وبطبيعة الحال كل حسب موقعه ومصالحه.                                                                          

وإذا تناولنا ذلك من منظور عام (غير مبني على مفهوم الصراع الطبقي)، فإننا نجد معظم المغاربة يجمعون على أن  من بين النتائج المباشرة  لفترة الحجر الصحي الحالي هو درجة الإحساس الجماعي بالضرورة الملحة للتغيير الفوري لأوجه الحياة العامة ببلادنا بمجرد التعافي من هذا الوباء وعلى جميع الأصعدة الاقتصادية،الاجتماعية ،السياسية والفكرية. إن فترة الحجر الصحي هذا هو بمثابة فترة تأمل فيما آلت إليه أوضاع المغاربة قاطبة من “بلوكاج شامل” مما ولد اقتناع شبه عام بضرورة التفكير ثم العمل على وضع تصور لحياة جديدة مبنية على مبادئ جديدة تؤمن للجميع فرص أكثر للإنتفاع من خيرات البلاد بما يضمن للإنسان المغربي كرامته ويؤمن له عيشه ويقيه من أية مخاطر مستقبلا عكس ما يجري حاليا حيث دخل المغاربة إلى معركة شرسة بدون أدنى سلاح ما عدا العزيمة على ربح الرهان بالتضحية التي شعارها عند الجميع وكل حسب موقعه الطبقي “مكره أخاك لا بطل”.

وهكذا فالتغيير الواجب حدوثه أو بالأحرى المفروض خلقه في مجتمع ما بعد كورونا ـ ومن منظور الذين اكتووا بإكراهات الطوارئ الحالية ـ يجب أن يشمل جميع الميادين بدءا بالميدان الاقتصادي الذي هو في أمس الحاجة لأسس جديدة تؤمن بأن لا مجال لأي تقدم اقتصادي فعلي ببلادنا دون الاعتماد على المؤهلات البشرية الظخمة والثروات المتنوعة المتاحة محليا وبطبيعة الحال على البحث العلمي وأيضا وبالتأكيد على تفعيل القوانين وتأهيلها أكثر، ومواكبة لذلك باعتماد الشفافية والكفاءة ثم المحاسبة.

  وبطبيعة الحال فهذا لن يتأتى ولن تتوفر له فرص النجاح سوى بالتخلي عن الارتباط الكلي والانصياع الأعمى للمؤسسات المالية الدولية ولتوصياتها وأوامرها وكذا لمصالح المؤسسات والشركات الصناعية والتجارية والخدماتية العظمى والمرتبطة منها خصوصا بالامبريالية الفرنسية والأمريكية التي تعد السبب الرئيسي في ما تعيشه البشرية جمعاء حاليا من تقتيل وأوبئة. وعلى الاقتصاد المغربي أن يتغير حتى يصبح اقتصادا وطنيا مستقلا في اختياراته وفي قراراته وأن يكتسب روح المواطنة أكثر فأكثر لأن الثروة البشرية هي السند الرئيسي لتحديد مستقبل أي بلد مما يلزم تأهيلها وإشراكها عبر تقدير دورها الحاسم في جميع مراحل الدورة الاقتصادية والإقرار بحقها في العيش الكريم. على الاقتصاد الوطني المغربي أن يستند على القوانين المتضمنة في المواثيق والتشريعات الدولية سواء في مجال قانون الشغل، معايير الجودة، احترام البيئة،… وأن يطبق ويمتثل للالتزمات والبنود المسطرة في دفاتير التحملات من احترام حقوق العمال/ات، المساواة بين الجنسين، دفع الضرائب، الابتعاد عن الاحتكار، عدم الجمع بين السلطة والمال، تجريم اقتصاد الريع  وكذا المساهمة غير المشروطة في النفقات الناتجة عن الكوارث الطارئة…

أما من الناحية الاجتماعية، فمن خلال ما تبين للجميع من فترة الطوارئ الصحية الحالية، هو أن المجتمع المغربي في حاجة ملحة وبدون مزايدات إلى خلخلة مجمل العادات التي تربى عليها المغاربة في العقود الأخيرة من قبيل الجشع الذي نال من إنسانية المغاربة سواء في التهافت على المال، المأكل، الملبس… ومختلف الكماليات حتى غلبت الأنانية على التآزر والتكافل أو في السعي وراء الإثراء الفاحش وخصوصا بالطرق غير القانونية إلى أن ضاقت سبل العيش بفئات عريضة من المجتمع بل وحرمت من حقها في الانتفاع من خيرات البلاد فأصبحت تعيش تحت عتبة الفقر. وقد اتضح حاليا وبشكل صارخ وخطير ـ بموازاة مع توقف عجلة الاقتصاد ـ جشع أرباب الشركات والمعامل حينما وجد أغلب العمال/ات أنفسهم عرضة للضياع نتيجة عدم التزام الباطرونا بمحتويات دفاتير التحملات  في مجال الححقوق الشغيلة، والحالة هذه أن السلطات المختصة هي المسؤول الأول عن هذه الوضعية. ويحسب لوباء كورونا فضل تعرية واقع الشغل ببلادنا ذلك أنها وضعت الأصبع وبشكل دقيق على الإحصائيات الحقيقية والدقيقة المتعلقة بمدى تنصل الباطرونا وتهربها من التزاماتها تجاه العمال. وبنفس المناسبة عرت ضخامة أعداد العاطلين وجحافل المحرومين ببلادنا (إلى درجة أن الدولة ستجد نفسها بالتأكيد عاجزة / محاصرة بإلزامية تلبية متطلبات هؤلاء الذين لا دخل لهم بتاتا والذين طالما حشرتهم الإحصائيات الرسمية  ضمن القطاع غير المهيكل بل الأخطر من ذلك ضمن الفئة النشيطة !؟). 

وعلى المستوى الاجتماعي دائما، فأقل ما يمكن أن يقال عن الميدانين التعليمي والصحي كونهما يشكلان العجلتين المعطوبتين التي بدونهما وبشكل متوازي لن تكون هناك طائلة لأي تقدم مزعوم في بلادنا. وفي هذا الباب فالمطلب الملح من لدن أغلب المغاربة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي هو ليس إعادة النظر في شكل تفويت القطاعين للخواص فحسب، بل التراجع الفوري عن خوصصتهما. فهما قطاعيين حيويين بل ومصيريين لكل مجتمع يصبو للرقي بالبلاد وخلق وطن يسع للجميع ويحضن الجميع بتعبير أدق. ميدانان يكونان مبنيين على البحث العلمي ولا شيء قبله  ثم على النزاهة والمصداقية والمواطنة الحقة. فالظرفية الحالية بينت بأن المدرسة المغربية عموما قد أنتجت فئات عريضة تعاني من الأمية ومن تعطيل حاسة النقد بدليل ما تروجه من أفكار غيبية في تفسيرها للجائحة عبر إعطاء الكلمة للدجالين المغلفين بالفكر الأصولي و/ أو المغفلـــين من لدن أصحاب الفكر الوصولي. ومن جهته لا زال ميدان الصحة يعول فيه المسؤولون في كل جائحة تصيب الشعب على مجهودات مختلف الأطقم الصحية بالمستشفيات العمومية بالأساس (القليلة العدد والغير المجهزة أصلا) مستبعدين المصحات الخصوصية وكأنها تعيش في كوكب آخر.

وبناء على ذلك وجب التأكيد على أنه لا مناص من جعل هذين الميدانين ورشان أساسيان للتغيير الجذري بمجرد تجاوز هذه المحنة وذلك حتى يؤديان دورهما الكامل في بناء بلد متقدم  بشعب راق متضامن ومبدع، يؤمن ويعمل بالبحث العلمي وبروح وطنية تسود فيها المصلحة العامة قبل الشخصية. فكفانا استهتارا بعقول الناس وصحتهم .

ومن فضائل الحجر الصحي الراهن كذلك على المستوى الاجتماعي اكتشاف المغاربة أن مجموعة من الآفات القاتلة السائدة في المجتمع قد غابت عن الأنظار مما يعطي انطباعا بل يقينا على أنها لم تكن إلا نتيجة لامبالاة المسؤولين تجاهها بقصد أو بدونه مما ساهم في انتشارها بين مختلف الفئات العمرية والاجتماعية وعلى رأسها المخدرات، السرقة، الجريمة، التطرف الديني، الدعارة، الاحتكار… وحينما نقول بقصد فذلك نتيجة سياسة التعليم والتشغيل الفاشلة المترتبة بدورها على السياسة والتدابير الاقتصادية والاجتماعية المتبعة ببلادنا والتي أنتجت جحافل من العاطلين والمحرومين دون أن تصل في أغلب الأحيان إلى تحقيق ما سطرته لها من نوايا وأهداف وأرقام.

إن السيل الغزير الذي أنتجه المغاربة خلال فترة الحجر الصحي من نكت ومستملحات التي لا تخلو في آن واحد من الهزل والسخرية وذلك من باب التحسر على واقع هذا البلد الذي أريد له أن يكون في خدمة فئة قليلة من المحظوظين  التي تعيش في نعيم وبذخ وفساد وتسلط على حساب الأغلبية من الشعب التي تعيش بالفتات (الطبقة المتوسطة، الطبقة العاملة، عموم الكادحين والمحرومين).

على الاقتصاد الوطني المفروض بناءه من لدن المغاربة مستقبلا أن يؤمن للجميع فرص العيش الكريم وذلك من خلال تأمين الشغل للجميع مع احترام القوانين المنظمة له، تعليم وطني مجاني موحد مرتكز على البحث العلمي، مجال صحي عمومي يؤمن للجميع نفس فرص التطبيب والعلاج، السكن اللائق الذي يحفظ لأي مغربي إنسانيته . . .  

والخلاصة هي أن أغلب تدوينات المغاربة تنادي علنا أو ضمنيا بحتمية التغيير لهذه الأوضاع وكأنها بذلك تنتظر من يحن عليها ويعمل على إخراجها من الجائحات التي تلازمها. وواقع الحال هو أن أغلب المغاربة تربوا على الاتكالية، الزبونية، الريع / الصدقات … وهي الممارسات التي يجب الإقلاع عنها في مرحلة أولى مع العمل على البحث على الصيغ الكفيلة بتجاوز مختلف المعانات التي تتكبدها .

ولعل الوعي بالمعانات وفهم مسبباتها بشكل منطقي مرتكز على مفهوم الصراع الطبقي الذي هو الكفيل بتحقيق الانحياز إلى أية جمعية، نقابة أو حزب (وذلك هو أسهل شيء عند المغاربة!) ولكن بشرط أن تكون هذه الهيأة حاملة لهموم الطبقة العاملة وعموم الكادحين ومؤمنة بدورها المرحلي المؤقت في تأطير هؤلاء وتمكينهم من أدوات التوعية، الاستقطاب والنضال تمهيدا لتسلمهم مهمة قيادة حزبهـم المستقـل  “حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين ” من أجل بناء نظام  تتحقق فيه الحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية للجميع وذلك في أفق بناء نظام اشتراكي ينتفي فيه استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.

وصدق المثل الصيني : «لا تعطيني سمكة، بل علمني كيف أصطادها».

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا