الرئيسية » “اليسار وتحديات الإعلام الرقمي: أي مستقبل لتكوين الوعي الطبقي؟”

“اليسار وتحديات الإعلام الرقمي: أي مستقبل لتكوين الوعي الطبقي؟”

لقد أصبح لزاما على اليسار أن ينفتح على التكنولوجيا الحديثة، وأن يبدع في استثمار وسائل التواصل الرقمي لإنتاج مضامين ذات جودة فكرية وسياسية، تخاطب وجدان الجماهير وعقولهم في الوقت ذاته.

كتبه user B

بقلم: حمزة شافعي.

لماذا استهدف الكتاب الدول الثلاث: ألمانيا، وروسيا، وإنجلترا؟ ولماذا لم يستهدف دولا أخرى عرفت ثورات سابقة؟

في سياق تطبيق هذا الكتاب على واقع حزبنا، يطرح السؤال نفسه: أين نحن من عمل لينين في كتاب “ما العمل؟” ومن مسار تكوين الطبقة العاملة؟

لقد كان لينين ورفاقه يعتمدون في أدوات التواصل على جريدة إيسكرا، ولاحقا برافدا، وذلك بحكم السياق التاريخي والتطور الإعلامي في تلك المرحلة. أما اليوم، ومع ما يشهده الإعلام من تطور هائل، فإن اليسار لا يزال متأخرا في استغلال وسائل الإعلام وتوظيفها في تكوين الوعي السياسي لدى الطبقة العاملة، إضافة إلى قصور واضح في تحديث آليات الاشتغال السياسي والتنظيمي.

يطرح السؤال الجوهري هنا: إلى أي مدى يمكن استغلال التكنولوجيا الحديثة في التحريض والتكوين السياسي للطبقة العاملة؟

لقد شهد العصر الحديث قفزة نوعية في مجال التكنولوجيا، جعلت من العالم قرية صغيرة يمكن التحكم في معطياتها بضغطة زر. وكما هو معلوم، فإن هذه التكنولوجيا الحديثة هي من إنتاج المنظومة الرأسمالية، وقد وظفت لبسط هيمنة هذه الأخيرة على مختلف الحقول الاقتصادية والاجتماعية، إلى الحد الذي أصبحت فيه الطبقة العاملة لا تُستغل فقط في مجهودها العضلي، بل باتت أيضا تستنزف ذهنيا ونفسيا.

وفي هذا السياق، تلعب التكنولوجيا، عبر وسائلها الإعلامية، دورا كبيرا في تشكيل وعي المجتمع ونمط تفكيره، فلم تعد الأسرة والمدرسة أدوات أساسية في التنشئة الاجتماعية وصناعة الوعي، بل بات الإعلام يشكل ركيزة محورية في ترويض الرأي العام، وذلك من خلال نمط الاستهلاك الذي يتغذى عليه المجتمع، والتحكم الطبقي الرأسمالي في محتوى المواد الإعلامية. يظهر ذلك جليا في الإعلانات، وترويج ثقافة الاستهلاك، وتمويه الوقائع، والتأثير في اختيارات المواطنين السياسية والاجتماعية، خصوصا أثناء الحملات الانتخابية.

في مقابل هذا المدّ الإعلامي الرأسمالي، يطرح التحدي: كيف يمكن لليسار أن يساير هذا التطور السريع في مجال الإعلام والتكنولوجيا ويوظفه لصالحه؟

من المؤكد أن اليسار المغربي لا يزال متأخرا في هذا الجانب، فرغم تاريخ طويل من الاشتغال السياسي عبر الأندية الثقافية، والورشات التكوينية، والحملات الميدانية، والصحف والمطبوعات، إلا أن هذه الآليات، رغم قيمتها، لم تعد كافية في ظل واقع رقمي جديد. جمهور اليوم يستهلك المادة السمعية البصرية بكثافة، وفي وقت زمني قصير، مما يفرض على اليسار ضرورة التكيف مع هذا الإيقاع.

لقد أصبح لزاما على اليسار أن ينفتح على التكنولوجيا الحديثة، وأن يبدع في استثمار وسائل التواصل الرقمي لإنتاج مضامين ذات جودة فكرية وسياسية، تخاطب وجدان الجماهير وعقولهم في الوقت ذاته. فكما طور لينين إيسكرا وبرافدا لتناسب واقع عصره، وجب اليوم على اليسار أن يطور أدواته الإعلامية، وينخرط بوعي ومسؤولية في الفضاء الرقمي من خلال إنتاج محتوى مرئي ومسموع يرقى إلى تطلعات الطبقة العاملة واحتياجاتها المعرفية.

ولنا في الإنترنت ومواقعه الاجتماعية العديد من النماذج التي نجحت في إيصال صوت المقهورين، وكشف معاناة المقموعين في هذا الوطن الجريح، لعل ذلك يسهم في تنوير وعي الكادحين، ويدفع نحو ولادة وعي طبقي جديد، أكثر جرأة وصلابة في مواجهة الاستغلال.

بناء على ما سبق، إن الحل لا يكمن فقط في التذكير بتاريخ النضال اليساري، بل في الاجتهاد لبناء أدوات بديلة تتماشى مع تحولات العصر، فالانخراط الواعي والمنهجي في الإعلام الرقمي لم يعد خيارا، بل ضرورة تاريخية لبقاء الفكر التقدمي حيا وفاعلا. وعليه، فإن اليسار مطالب اليوم بتكوين أطر قادرة على الإنتاج الإعلامي، والتفاعل مع منصات التواصل بذكاء، وتطوير خطاب يساري جذاب وبسيط دون أن يفرط في عمقه النظري. هكذا فقط يمكن لليسار أن يستعيد زمام المبادرة، ويعيد تشكيل الوعي الجماهيري، لا من خارج الزمن، بل من قلبه.

قد تعجبك أيضاً