الصفحة الرئيسية رأي الماركسيين اللينينيين و الدين : أي دين نريد ؟

الماركسيين اللينينيين و الدين : أي دين نريد ؟

إن الموقف الماركسي اللينيني لا يعادي الدين كظاهرة ثقافية أو روحية، لكنه يرفض تحويله إلى أداة للهيمنة الطبقية.

كتبه user B

أيوب حبراوي

يعتبر الدين ظاهرة اجتماعية تاريخية ذات تأثير عميق في تشكيل الوعي الجمعي للشعوب، والمغرب، كغيره من البلدان، يتسم بهوية ثقافية ودينية تمتد جذورها عبر التاريخ. غير أن العلاقة بين الدين والسياسة في المغرب ليست علاقة ثابتة، بل تتخذ أشكالًا مختلفة وفق المصالح والظروف، وهو ما يجعل الموقف الماركسي اللينيني من الدين في حاجة إلى تفكيك علمي يستوعب تناقضاته الداخلية، ويميز بين طبيعته كإيمان شعبي بسيط، وبين استخدامه كأداة للهيمنة الطبقية والسياسية.

إن المغاربة مسلمون، والإسلام جزء من تكوينهم الثقافي والحضاري. لكن هذا الإسلام ليس واحدًا في تعبيراته ومظاهره، بل يتجلى في أشكال متعددة، يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنماط رئيسية:
أولًا، هناك دين الدولة، وهو الدين الرسمي الذي يتمأسس في إطار مؤسسة إمارة المؤمنين، التي تقدم نفسها كسلطة روحية وسياسية في آن واحد. هذا التوظيف الرسمي للدين يهدف إلى تكريس الاستقرار الطبقي، وإضفاء طابع القداسة على النظام القائم، بحيث يصبح أي اعتراض سياسي مرفوضًا باسم “الشرعية الدينية”. إن هذا الشكل من التدين ليس مجرد معتقد، بل هو أداة سيطرة تهدف إلى ضبط المجتمع وتأبيد البنية السلطوية.

ثانيًا، هناك الدين السياسي، وهو الدين الذي تتبناه الأحزاب السياسية التي توظف الخطاب الديني لخدمة مشاريعها السياسية، سواء من خلال الإسلام السياسي الذي يسعى إلى بناء نموذج دولة دينية، أو من خلال تيارات سلطوية تبرر خياراتها الاقتصادية والاجتماعية باستعمال الدين. هذا النوع من التدين يحوّل الدين من فضاء روحي واجتماعي إلى أداة صراع سياسي، حيث يصبح الدين مطية للوصول إلى السلطة أو لحشد الجماهير لصالح مشاريع لا تخدم بالضرورة مصلحة الكادحين.

ثالثًا، هناك الدين الشعبي، وهو التدين العفوي الذي يمارسه الناس في حياتهم اليومية بعيدًا عن السلطة والمؤسسات الحزبية. هذا الدين الشعبي هو جزء من التراث الثقافي الجماعي، تعبير عن القيم الروحية والهوية المشتركة، وهو ليس بالضرورة متناقضًا مع الفكر التقدمي أو مع النضال السياسي، بل يمكن أن يكون محفزًا على التحرر إذا تم توجيهه نحو معاني العدالة والتضامن والمقاومة. لقد أظهرت العديد من التجارب أن الدين، في لحظات معينة، لم يكن فقط أداة للخضوع، بل كان أيضًا أداة للثورة ضد الظلم والاستبداد، كما حدث في العديد من الانتفاضات الشعبية التي اتخذت رموزًا دينية كعنصر تعبئة.

المسألة الجوهرية هنا ليست في الدين ذاته، بل في كيفية توظيفه. فكما يمكن استخدامه لترسيخ الاستبداد، يمكن أيضًا توجيهه ليكون عنصرًا من عناصر الوعي الثوري، خاصة إذا تم ربطه بقيم العدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة الإنسانية. إن الموقف الماركسي اللينيني لا يعادي الدين كظاهرة ثقافية أو روحية، لكنه يرفض تحويله إلى أداة للهيمنة الطبقية. ولذلك، فإن النهج الديمقراطي العمالي لا يرى في الدين الشعبي خطرًا على الحركة الثورية، بل يرى أن استعادة معانيه التحررية يمكن أن يشكل أحد روافد الوعي الجماهيري المناهض للاستغلال والاستبداد.

إن التحدي الذي يواجه القوى التقدمية اليوم ليس فقط في مواجهة الدين الرسمي والدين السياسي، بل في القدرة على تحرير الدين الشعبي من قبضة السلطة، وإعادته إلى فضاءه الأصلي كقوة روحية تدعو إلى العدالة والتحرر، بدل أن يكون وسيلة للتخدير والخضوع. بهذا المعنى، فإن الصراع ليس مع الدين، بل مع من يحتكره ويوظفه لأهداف غير شعبية.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا