الصفحة الرئيسية رأي الحريف يكتب عن راهنية اسهامات لينين الفكرية والسياسية والتنظيمية

الحريف يكتب عن راهنية اسهامات لينين الفكرية والسياسية والتنظيمية

كتبه user B

عبد الله الحريف (العدد 545 من جريدة النهج الديمقراطي)

حلت الذكرى المئوية لوفاة الرفيق لينين، قائد أول ثورة برولتارية ناجحة. وهي مناسبة للتذكير بالإرث العظيم لهذا القائد العبقري الذي أغنى الماركسية، بشكل جوهري وعلى المستويات السياسية والفكرية والتنظيمية والنضالية. لقد ساهم لينين، بقسط كبير بواسطة عمله الفكري والسياسي والتنظيمي، في بناء الحزب العمالي الاشتراكي-الديمقراطي الذي سيعرف بعد ذلك بالحزب البلشفي. ولم تكن اسهاماته نتيجة تفكير فردي، بل كانت تكثيفا وتطويرا وإغناء للفكر وللنضال الجماعي للحزب لمعالجة معضلات الثورة وتفاعلا مستمرا مع الطروحات الفكرية والسياسية والتنظيمية للتيارات السياسية والفكرية المتواجدة (نقد البلانكيين والمناشفة والاشتراكيين الثوريين واليسارية الطفولية…).

ويحتفظ هذا الإرث بكل راهنيته ولا زلنا بحاجة إلى دراسته واستيعابه وتطويره بالإستفاذة من اسهامات قادة ومفكرين ماركسيين كماو تسي تونغ وروزا لوكسمبورغ وغرامشي وغيرهم ومن الممارسة الثورية للشعوب، وخاصة الطبقات العاملة، وعلى ضوء التقدم العلمي.

إن اسهامات لينين غزيرة لعل أهمها:

– على المستوى الفكري والسياسي:

° نقد انبعاث المثالية في شكل جديد (الماخية…). كم هم الماركسيون-اللينينيون في حاجة إلى نقد الأطروحات المثالية الجديدة التي ينشرها، بالخصوص، مفكرو ما بعد الحداثة وما بعد الماركسية؟

° توضيح كون نمط الانتاج الرأسمالي أصبح مهيمنا في روسيا، رغم كون الفلاحين يمثلون الأغلبية الساحقة من شعوب روسيا. وبالتالي الدور الرائد للطبقة العاملة في الثورة بتحالف مع الفلاحين في مواجهة أطروحات الاشتراكيين الثوريين الذين كانوا ينفون ذلك ويركزون على الدور الرائد للفلاحين في الثورة. كم الماركسيون-اللينينين في حاجة إلى تبيان مدى تغلغل نمط الانتاج الرأسمالي في مجتمعنا وبالتالي التأكيد على الدور الحاسم للطبقة العاملة في الصراع ضد الرأسمالية في مواجهة من يشككون في ذلك؟

° واستخلاصا لدروس فشل كمونة باريس الذي كان أحد أسبابه دعم الفلاحين للبرجوازية وفشل ثورة 1905 في روسيا الذي كان أحد أهم أسبابه عدم انخراط الفلاحين فيها، طرح لينين ضرورة بناء التحالف العمالي-الفلاحي وجسده في شعار النضال من أجل “الدكتاتورية الديمقراطية والثورية للبرولتاريا والفلاحين”.

وخلال الحرب العالمية الأولى ولكون الفلاحين كانوا أكبر المتضررين منها (أغلبية الجنود كانوا فلاحين وكانت المجاعة تهددهم…)، طرح لينين كشعار يستجيب لواقعهم ويجسد التحالف العمالي-الفلاحي: “السلام والأرض والخبز”.

كم الماركسيون-اللينينيون بحاجة إلى اعطاء أهمية أكبر للفلاحين والعمل على التجدر وسطهم وتوحيد نضالاتهم؟

° ومن أهم مواقف لينين، بعد نجاح الثورة، تشبثه واستماتته في الدفاع عن تنفيذ وقف الحرب فورا والذي كان تروتسكي الذي كان يفاوض الألمان يماطل في تطبيقه. وهنا مرة أخرى يتجسد الفكر الجدلي للينين وقدرته على ترتيب التناقضات: فالتناقض الأساسي، بل الحيوي، كان إما الاستمرار في الحرب وتمكين الجيوش الألمانية من سحق الثورة ومن المزيد من ارتكاب المجازر ضد شعوب روسيا، وخاصة الفلاحين والعمال، أو القبول بتقديم تنازلات ترابية للعدو الألماني. بفضل هذا الموقف، استطاع لينين أن ينقد الثورة البرولتارية من هزيمة مؤكدة وأن يوقف المآسي التي تتسبب فيها الحرب ويتوفر على بعض الوقت للتقدم في بناء الدولة السوفيتية الناشئة.

° انعكاس تحول الرأسمالية في المركز إلى امبريالية التي وظفت جزءا من الثروات المنتزعة من المستعمرات ومن أرباحها المتزايدة بسبب الاحتكار لإرشاء أرستقراطية عمالية مسيطرة في الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية الاوروبية التي دعمت برجوازياتها في حروبها من أجل اقتسام العالم. فلولا هذا التحليل وما يستتبعه من تغيير جدري في الموقف من الحرب الامبريالية لظل البلاشفة، على غرار المناشفة، ذيليين لبرجوازيتهم ولكانوا عاجزين على قيادة وانجاز الثورة في روسيا. ولا زلنا، إلى يومنا هذا، نعيش هذا الانقسام وسط اليسار بين اتجاه يستهدف اصلاح الرأسمالية ويجد أساسه الطبقي في الفئات العليا والمتوسطة للطبقات الوسطى وتعبيره السياسي في القوى المندمجة في المؤسسات التمثيلية المختلفة والمستفيدة ماديا من هذا الاندماج والتي توهم الطبقة العاملة بامكانية القضاء على الاستغلال بواسطة هذه االمؤسسات واتجاه ثوري قد يستفيد من هذه المؤسسات للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين ويعتبر أن التغيير سيأتي، أساسا، من خارج هذه المؤسسات وبواسطة بناء أدوات التغيير: حزب الطبقة العاملة المستقل عن البرجوازية والمؤطر لعموم الكادحين والمتمفصل مع التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية وجبهة الطبقات الشعبية؟

° التأكيد على ضرورة قيادة الطبقة العاملة للثورة لإنجاز مهام الثورة الديمقراطية البرجوازية، التي لم تعد البرجوازية في دول المحيط، نظرا لتبعيتها للامبريالية، قادرة على إنجازها والانتقال إلى بناء الاشتراكية. الشيء الذي يتطلب بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة الذي يضم في صفوفه طلائع العمال والكادحين والمثقفين الثوريين الماركسيين-اللينينيين والمساهمة الفعالة في بناء جبهة الطبقات الشعبية وعمودها الفقري التحالف العمالي-الفلاحي. كم الماركسيون-اللينينيون في حاجة إلى تفعيل هذه الخلاصة من خلال العمل، بدون كلل وبدون تأخير أو تراخي أو تردد، من أجل أن تمتلك الطبقة العاملة المغربية حزبها المستقل عن البرجوازية القادر على قيادة النضال من أجل تحررها وتحرر المجتمع من الرأسمالية؟

° طرح مفهوم التطور اللامتكافيء وبالنتيجة مفهوم الحلقة الأضعف في السلسلة الأمبريالية. الشيء الذي مكن لينين من فهم امكانية نجاح الثورة في روسيا، خلافا للاعتقاد السائد آنذاك في الاحزاب الاشتراكية-الديمقراطية بأن الثورة الاشتراكية ستنجح، في البداية، في دول المركز الرأسمالي. كما مكنه من اكتشاف الطاقات الثورية الكامنة في الشعوب المستعمرة أو الشبه مستعمرة وطرح مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.

° تأكيد ما استنتجه ماركس من فشل كومونة باريس، حول أهمية تفكيك الدولة البرجوازية وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية ونزع وسائل الإنتاج الأساسية من البرجوازية بعد الثورة (كتاب “الدولة والثورة”). وهو ما لا يمكن إنجازه بدون ممارسة البرليتاريا سلطتها ضد البرجوازية وأجهزة دولتها.

° لقد واجه بناء الاشتراكية في روسيا، بعد نجاح الثورة، مشكل تخلف قوى الإنتاج وأصبح واضحا أن صمود وتطور البناء الاشتراكي يتطلب أن ينصب التركيز على تنميتها وتطويرها. وقد كان واضحا أن البروليتاريا غير قادرة لوحدها على انجاز هذه المهمة. لذلك، طرح لينين السياسة الاقتصادية الجديدة المتمثلة في الانفتاح على الرأسمال الخاص مع ضمان توجيهه من طرف الحزب والدولة وتحكمهما في القطاعات الاقتصادية الإستراتيجية. وفي بلادنا التي تعاني من تخلف وتشوه قوى الإنتاج بفعل التبعية للامبريالية والطبيعة الطفيلية والمفترسة والريعية للكتلة الطبقية السائدة، يتوجب على الماركسيين-اللينينيين المغاربة دراسة واستيعاب تجربة السياسة الاقتصادية الجديدة.

° التركيز على التحليل الملموس للواقع الملموس. وهذه القدرة ترتكز إلى تحديد التناقضات، ليس كتناقضات ساكنة لا تتغير، بل كتناقضات متحركة، خاصة في مراحل احتداد الصراع الطبقي الذي يلعب دور الكاشف لهذه التناقضات. وبالتالي تحديد التكتيكات والتحالفات والشعارات السديدة. كم الماركسيون-اللينينيون المغاربة في حاجة إلى تجاوز التحاليل السطحية التي تركز على الظواهر والسعي إلى سبر أغوار المصالح الطبقية التي تختفي وراءها؟ كم هم في حاجة إلى الإجتهاد للتحليل الدقيق للتشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية المغربية التي تمكن من فهم عميق لواقع الطبقات الاجتماعية والصراع الدائر بينها؟

– على المستوى التنظيمي:

أعطى لينين أهمية كبيرة لبناء الحزب وخصص عدة كتب ومقالات لهذا الغرض. لعل أهمها كتابي “ما العمل؟” و”خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء”. وهذين الكتابين لم يكونا نتاج تفكير مجرد، بل كانا جوابين على واقع ملموس: واقع الحركة الاشتراكية-الديمقراطية في ظل نظام قمعي واستبدادي وضرورة بناء الأداة الحزبية القادرة على التصدي والإنتصار في الحرب الطبقية الطاحنة.

ففي كتاب “ما العمل؟”، لم يكن لينين يعطي وصفة صالحة لكل مكان وزمان، بل كان يجيب على وضع ملموس: القمع القيصري الشرس للقوى الثورية وواقعها المتسم بالتشرذم والعمل الحرفي واللبرالية الذي كان يسهل مهمة البوليس في اجتثاثها ولا يسمح بانغراسها وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين. وبالتالي ضرورة بناء الحزب كمنظمة للمحترفين الثوريين تلتف حولها طلائع العمال. فبالنسبة للينين، ليس الشكل الذي يتخده التنظيم (السرية أم العلنية أم القانونية أم مزيج بين هذه الأشكال) وطبيعته (منظمة المحترفين الثوريين أو منظمة أوسع) ليستا مسألة إستراتيجية ثابتة، بل هي تكتيكية تتمثل في تحديد أي شكل أو أشكال وأي طبيعة تخدم تطور الصراع الطبقي لصالح العمال والكادحين عموما. كم الماركسيون-اللينينيون المغاربة في حاجة إلى استحضار مضمون هذا الكتاب للتصدي للبرالية والحرفية والفوضوية التي تسم ممارستهم ولتجاوز القوالب الجاهزة في مسألة التنظيم؟

وفي كتاب “خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء” يتطرق لينين بالتفصيل للصراع الضاري الذي خاضه حول طبيعة الحزب والذي أدى إلى انقسام الحزب إلى بلاشفة ومناشفة الذين كانوا يدافعون على تواجد أعضاء في الحزب لا يشتغلون في أحد إطاراته بينما دافع لينين على ضرورة تواجد كل عضو(ة) في أحد الاطارات التنظيمية للحزب. كما طور لينين مفهوم المركزية الديمقراطية والقيادة الجماعية ونبذ ورفض التكتلات واستعمال سلاح النقد والنقد الذاتي لتقويم الأخطاء والانحرافات وتصحيح الممارسات اللبرالية ومفهوم الحزب كهيئة أركان الطبقة العاملة في صراعها ضد البرجوازية التي تتوفر على هيئة أركانها (الدولة) وأجهزة هيمنتها المختلفة. ولا زال العديد من المناضلين والمناضلات يرفضون العمل في الخلايا وتطبيق المركزية الديمقراطية، بل ينظرون لهذا الرفض. ويعتبرون النقد تجريحا والنقد الذاتي انتقاصا من شخصهم(ن). ويريدون بناء حزب للنضال الديمقراطي وليس للتغيير الجذري، حزب جماهيري فضفاض، أو حزب الشعب، عوض حزب يستمد جماهيريته من خلال استقطاب طلائع العمال والكادحين الذين تلتف حولهم جموع العمال والفلاحين الفقراء والصغار وكادحو الأحياء الشعبية، أويعتقدون، ضمنيا، أن التغيير سيتم من خلال التراكم وسط المنظمات الجماهيرية، متناسين أن النظام والقوى الاصلاحية تقف سدا منيعا ضد أي اختراق حاسم للقوى الثورية لهذه المنظمات (وتجربة أمريكا اللاتينية التي تلجأ الأولغارشيا إلى التصفية الجسدية للمناضلين الطليعيين في المنظمات الجماهيرية واضح في هذا الصدد)، بينما يبين الواقع أن التغيير يتم من خلال قطائع فجائية مرتبطة بتطور نوعي للنضال الشعبي (المفهوم اللينيني للوضع الثوري). وأن دور الحزب يتمثل في رفع الشعار الملائم والتوفر على حد أدنى من الجاهزية كحزب، أي حزب قادر ليس فقط على أتخاد القرار المناسب بل أيضا وأساسا على تصريفه على نطاق واسع، مما يتطلب الانضباط والوحدة في الممارسة. الشيء الذي يفرض الالتزام الحديدي بالمركزية-الديمقراطية.

هذه، بتركيز شديد، بعض أهم اجتهادات لينين التي تبين، بما لا يدع مجالا للشك، أن الماركسية-اللينينية، باعتبارها إغناء جوهري للماركسية على المستويات الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية، تحتفظ بكل راهنيتها ونجاعتها. وأنها فعلا مكون مرجعي أساسي لا غنى عنه في المرحلة الطويلة التي ستشهد، لا محالة، اضمحلال الرأسمالية وبناء نظام اجتماعي أكثر عدلا هو الاشتراكية في أفق الشيوعية.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا