الصفحة الرئيسية قضايا وطنيةاقتصاد هذه هي مقومات الدولة الفاشلة

هذه هي مقومات الدولة الفاشلة

كتبه user B

ب.د

    تتمحور معالم الدولة الفاشلة على ثلاثة محاور أساسية: الأول هو اللجوء المنتظم والمتزايد إلى الاقتراض الخارجي لتغطية مختلف نفقاتها التي تسطرها في ميزانياتها السنوية، بالخصوص عندما يتعلق الأمر بالاستدانة الخارجية لتغطية نفقات ميزانية التسيير. المحور الثاني، وهو مرتبط، نسبيا، بالأول ويتعلق بإقدام هذه الدولة على تفويت المؤسسات العمومية الإستراتيجية والمرافق الاجتماعية الضرورية لحياة الجماهير الشعبية، لأنها تشكل رأسمال الشعب وهي التي تمكن من ذر المداخل الضرورية، بالإضافة إلى الضرائب المباشرة وغير المباشرة، لتدبير مختلف المصاريف المرتبطة بالحاجيات الأساسية للطبقات الشعبية من تعليم وصحة وغيرها من الخدمات الاجتماعية في إطار تضامن اجتماعي فيما بين الطبقات داخل المجتمع. أما المحور الثالث فهو اعتماد الدولة الفاشلة على القمع والترهيب وإعطاء الضوء الأخضر لأجهزتها القمعية من بوليس وعسكر وكذلك من جيش الأجهزة السرية الموازية للتنكيل بكل من سولت له نفسه أن يطالب بحقه بشكل احتجاجي وفي إطار منظم.

فتطبيق هذه المحاور على الدولة المغربية يجعل منها دولة فاشلة بامتياز. فبالنسبة للمحور الأول نجد اللجوء إلى الدين الخارجي أصبح هيكليا ويشكل القاعدة وليس الاستثناء، فالهرولة التي تسلكها الدولة، كل سنة، نحو الاقتراض الخارجي، بشروط مجحفة، نظرا لعجزها البنيوي على قدرة التدبير الأنجع للموارد المالية بسبب تفشي الفساد والريع أصبحت تشكل جزءا قارا في قوانينها المالية. فالمديونية الخارجية للدولة المغربية فاقت المقاييس التي تعتبرها المؤسسات المانحة خطاً أحمراً، وهو ما دفع بصندوق النقد الدولي إلى إجبار الدولة المغربية على فرض تطبيق برنامجه المعروف ببرنامج التقويم الهيكلي خلال بداية ثمانينات القرن الماضي.

هذا البرنامج السيئ الذكر هو الذي يفرض على الشعوب أن تدفع فاتورة الإفلاس المالي الذي مارسته الحكومات الفاشلة بسبب تفشي الريع والفساد في مختلف مفاصل الدولة. وطبعا صندوق النقد الدولي يراقب طرق تبذير المال العمومي وينتظر الفرصة لإعلان تطبيق برنامجه. واليوم، بعد أزيد من ثلاثة عقود من استمرار تطبيق السياسات اللاشعبية واللاديمقراطية، وصلت المديونية الخارجية نسبة فاقت 80 في المائة من الناتج الداخلي الخام، فمن المنتظر أن تقدم المؤسسات المالية، التي تصهر على استرجاع ديونها، من جديد على تطبيق برنامج آخر تكون انعكاساته فظيعة على ظروف عيش الطبقات الشعبية أكثر بكثير من الأول، مع إمكانية المصادرة الفعلية لما تبقى من السيادة الوطنية وجعل الدولة المغربية تحت الحجر العملي في تدبير السياسات المالية ومن خلالها السياسات الاقتصادية والاجتماعية للشعب المغربي.

المحور الثاني يظهر من خلال قانون المالية لسنة 2019، الذي سطر خوصصة أزيد من 200 مؤسسة عمومية، ضمنها ما تبقى من المؤسسات الإستراتيجية. ويجري الحديث عن إدراج، ضمن هذه القائمة، المجمع الشريف للفوسفاط، والمكتب الوطني للسكك الحديدية والمكتب الوطني للماء والكهرباء. والجدير بالذكر أن أسلوب وطريقة الخوصصة معروفة عند الشعب المغربي. ففي البداية تجند وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والتي يتحكم فيها النظام بشكل مطلق، لتسفيه المؤسسة أو المرفق المستهدف للخوصصة مع إبراز المشاكل العميقة التي يعرفها بسبب تشجيع الفساد في أوصاله لسنوات عديدة دون أية محاسبة تذكر. هذه الوسيلة الخبيثة تثير استياء الشعب من الخدمات الرديئة لهذه المؤسسة أو هذا المرفق ويطالب بتحسينها، ليتم المرور إلى تفويته للرأسمال الأجنبي أو المحلي. وكان الحل هو التفويت وليس المراقبة ومحاسبة المسؤولين عن رداءة الخدمات. هذه هي الأساليب التي تم ويتم بواسطتها الخوصصة المتنامية للتعليم بكل أسلاكه من الابتدائي إلى العالي، ثم خوصصة المرافق الصحية مع فتحها أمام الرأسمال الأجنبي. وسيتم الشروع في خوصصة ما تبقى من ممتلكات الشعب كالسدود، وعبرها الماء والكهرباء ثم النقل عبر القطارات إلى غير ذلك من المرافق الإستراتيجية.

أخيرا محور القمع، الذي برهنت فيه الدولة عن سياسة قمعية ممنهجة ضد الحراكات الشعبية في العديد من مناطق البلاد، عبر التنكيل بالمناضلين الشباب والزج بهم في غياهب السجون وتلفيقهم تهم وصلت إلى حد عشرين سنة من السجن لقيادات الحركات لا لشيء إلا لأنهم تجرؤوا على الاحتجاج للمطالبة بحقوقهم المشروعة. كما تسلط القمع الهمجي على الفئات الشعبية كالأساتذة الذين فرضت عليهم التعاقد والممرضين وحتى المكفوفون لم يسلموا من موجة القمع.

البديل لهذا المسلسل السياسي الهزلي يكمن في بناء اقتصاد متمحور على الذات تكون من أولى أولوياته الاستجابة لحاجيات ومتطلبات الجماهير الشعبية وفرض سياسة الند بالند مع الدول الامبريالية في التعامل التجاري ورفض الإذعان لشروطها المجحفة، وهذا لا يمكن للدولة الحالية أن تسلكه ببساطة لأنها مدينة للامبريالية في حمايتها وحماية استمرار سلطتها.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا