يقول كارل ماركس في كتابه الايديولوجية الألمانية “إن أفكار الطبقة السائدة هي في كل عصر الأفكار السائدة أيضا، بمعنى أن الطبقة التي تمثل القوة المادية داخل المجتمع هي في الوقت ذاته القوة الفكرية السائدة، إن الطبقة التي تتصرف بوسائط الإنتاج المادي تملك في الوقت ذاته الإشراف على وسائط الإنتاج الفكري، بحيث أن أفكار أولئك الذين يفتقرون إلى وسائط الإنتاج الفكري تخضع من جراء ذلك لهذه الطبقة السائدة”
انطلاقا من هذه المقولة يرى كارل ماركس في الايديولوجية عقيدة مظللة مخادعة، مهمتها حجب ما يقع في الواقع من استغلال واضطهاد ومن صراع وتناقض طالما أنها تعكس مصالح لطبقات معينة، لاسيما من طرف الطبقة السائدة. أي هي وعي زائف يصدر عن عالم زائف، لتصبح بذلك أداة من أدوات الطبقة المهيمنة للحفاظ على مصالحها واستمرارها في سدة الحكم. فهناك تطابق بين السيطرة المادية والسيطرة الفكرية، فلا سيطرة مادية دون سيطرة فكرية. لذلك تعمل الطبقة السائدة بكل وسائلها على تأمين أدوات السيطرة الفكرية كي تتمكن من إعادة إنتاج شروط إنتاجها أي إيديولوجيتها ونظرتها إلى الحياة. و من هنا تبرز أهمية النضال الفكري لمواجهة ايديولوجية الدولة والإيديولوجيات التي تدور في فلكها خدمة لها وأكثرها خطورة تلك التي يجري إضفاء طابع القداسة عليها وتزرع القناعة بأن ما يوجد في الواقع من قهر واستغلال هو قدر محتوم لا محيد عنه. مثل هذه الإيديولوجيات تجعل الفرد غارقا حتى أذنيه في الفكر الخرافي والسحري، ومنتهكا صريحا لمواثيق حقوق الإنسان وهذا ما شهدناه جليا في واقعنا المغربي في ظل اكتساح جائحة كوفيد-19 من تصرفات ومظاهر التي جاءت كنتيجة منطقية للإيديولوجية السائدة التي عملت منذ زمن مضى على تقزيم ووأد العقل ونشر الفكر الخرافي والغيبي. لهذا يجب على العمل السياسي أن يتطور إلى مستوى أكثر تقدما لمواجهة وفضح مثل هذه الإيديولوجيات، وهذا غير ممكن إذا لم يكن مدعوما أو مستندا إلى منظومة منسجمة من الأفكار التي يجب أن تكون نتيجة جدلية لعلاقات الإنتاج.
لقد كان مونتيسكيو المفكر الفرنسي صاحب كتاب “روح القوانين” وروسو مؤلف كتاب “العقد الاجتماعي” واضعي ركائز الاتجاه الإيديولوجي الذي أكد على فكرة سيادة الشعب. كما أن شعارات الثورة الفرنسية من ” حرية، مساواة وعدالة..” بذورا للاتجاهات العقائدية التي برزت في القرن الثامن عشر. إلا أن مفهوم الإيديولوجية بدأ يتحدد و يتضح نسبيا في نهاية القرن التاسع عشر عن المفاهيم الفلسفية المجردة وعن التصورات الدينية ويأخذ شكل تصورات اجتماعية تستوعب حركة التطور. ويعرف معجم القرن العشرين الإيديولوجيا بأنها منظومة من الأفكار تتبلور على شكل عقيدة سياسية أو اجتماعية تقوم عليها سياسة حكومة أو حزب معين. وحسب معجم لالاند تعني كلمة إيديولوجية التفكير المعبر عن المصالح الحيوية لطبقة اجتماعية معينة وهذا يتطابق مع التعريف الماركسي للإيديولوجيا. وفي الموسوعة الكبرى السوفيتية يأتي تعريف الماركسية اللينينية بأنها العلم الذي يدرس قوانين تطور الطبيعة والمجتمع و الفكر الانساني.
و بناء على كل ما سبق يتضح أن الإيديولوجية منظومة من الأفكار عن العالم والحياة والمجتمع، تتناول بالدرجة الأولى السياسة والاجتماع. كما تعتبر الإيديولوجيا شرط اجتماعي لأية نهضة داخل المجتمع. لأنها تساعد على ضبط الصورة العامة للواقع الاجتماعي الذي نعيشه أي السياق الخاص والمرحلي للتطور داخل المجتمع. ولقد استطاع الفكر الماركسي خلال القرن التاسع عشر أن يخرج مفهوم الإيديولوجية من إطاره الطوباوي إلى إطاره العلمي بعد ذلك جاءت تجارب مناطق عديدة نتيجة لمعاناة فكرية ونضالية في أكثر البلدان تعرضا للظلم وفي أشد المجتمعات تمزقا وتخلفا. وجاءت لتعطي مفهوم الإيديولوجية محتوى أعمق ثورية وأكثر واقعية وأصدق انسانية وليس أفكار مسبقة تشكل عالما من التصورات المغلقة أو نظرة مزورة غير قابل للتحقيق كما كان يدعي المفكر البورجوازي ريمون رويه في كتابه “الممارسة الإيديولوجية” محاولة منه للنيل من الفكر الماركسي بل أصبحت صيغة جدلية لوحدة الفكر والممارسة وثمرة لمعارك نضالية طاحنة بين من يملك ومن لا يملك. لذلك يجب علينا اليوم حتى نرفع السياسة إلى مستوى العمل الثوري التاريخي أن نعتمد بالإضافة إلى الإيديولوجية الثورية، على تحليل استراتيجي علمي وموضوعي للظروف الموضوعية وفي حاجة أيضا إلى استراتيجية سياسية علمية وثورية تستند إلى إطار نظري يستوعب حجم التحديات المطروحة والحركة الشاملة للمجتمع. كما يجب على البنية التنظيمية أن تكون معبرا عن الإيديولوجية الثورية ذلك لإغناء النضال برؤية متكاملة وبتنظيم ثوري يعمل ضمن استراتيجية ثورية حاسمة.