بقلم: هند عروب
إن نفي خطاب العرش لوجود المقاربة الأمنية هو تأكيد لها من قبل أعلى سلطة تنفيذية و مباركة لها من قبل المؤسسة الملكية في إطار خطاب رسمي يعد بمثابة “ظهير ملكي شريفي”. فالثناء الملكي على” الأمنيين” رسالة قوية و صريحة مفادها أن المخزن لم يعد بحاجة إلى تغليف سياسة الشطط في استعمال العنف و اللجوء إلى ” الهروات” و لا غرابة في ذلك، فالمنطق المخزني عنفوي بطبعة وبأصله التاريخي، ثم نُذكر من خانته الذاكرة أن أول قانون تمت المصادقة عليه بعد منح دستور 2011 هو قانون حصانة العسكر.
أما تقريع السياسيين و الأحزاب و الإلقاء بهم في قعر الحظيرة السياسية فهي رصاصة مباشرة لإنهاء دورهم ” الكراكيزي” و سحبهم من الواجهة السياسية و استبدالهم برجال ” الأمن” خاصة خدام العدالة و التنمية و بقية الأحزاب المشاركة في اللعبة السياسية التي سئم منها سيدهم. وهنا يقفز سؤال أعتقد أن كتاب خطاب العرش نسوا أو تناسوا أن يطرحوه ” إذا كان السياسيون بكل هذا العجز فمن يعيينهم و يدفعهم إلى السباق الانتخابي و إلى ملأ المقاعد البرلمانية؟”، و لماذا اكتفى الخطاب برسائل التعميم و ” إياك أعني يا جارة” الموجهة لعبد الإلاه بنكيران ، رسائل من قبيل ( هناك مسؤولون فشلوا في مهامهم و يعتقدون أنهم يستحقون منصبا أكبر من السابق). أعتقد أن الفقرة التي خصها الخطاب لتهشيم رأس السياسيين هي بمثابة رصاصة أطلقها القصر على حزب العدالة و التنمية و إشارة صريحة إلى أن زمن الأقنعة السياسية انتهى و أن الحليف المخزني التاريخي الأوحد لضبط الشعب/ الرعية هو العنف بكافة تلاوينه من الرمزي إلى المادي المباشر.
و من المؤسف أن أحداث الريف و مطالب أهله تم وضعها من قبل أيديولوجيو القصر في سياق تقابلية القطاع العام العقيم و القطاع الخاص المنتج و أيضا تقابلية الموظف العمومي المتقاعس وموظف القطاع الخاص الديناميكي. و كأن الملك يقول لأهل الحسيمة و لباقي فئات الشعب المهمشة صفوا حساباتكم مع الإدارة العمومية التي لا تنفذ المخططات التنموية التي يقترحها القصر. و مرة أخرى نتساءل، من أنتج الموظف العمومي بمختلف رتبه و اختصاصاته؟ أما القطاع الخاص فيحتاج لتعزير مناخ الإنتاجية و الإبداع إلى بيئة تعليمية و علمية و قانونية و إدارية و اقتصادية و تنافسية و أخلاقية ، – للأسف- لا يتوفر عليها المغرب.
و إذا كان المشكل مشكل عقليات فقط كما شدد الخطاب من الديباجة إلى الخاتمة، فلماذا لم يتساءل عن المؤسسات التي أفرزت هذه العقليات من إعلام و مدرسة و مؤسسات سياسية و إدارية…إلخ؟ و هل حل المشكل و الاستجابة لمطالب الناس تتم بتعداد محاسن القطاع الخاص على حساب القطاع العام و الاستهلال بمديح شركتي ” بوينغ” و ” بوجو” و كأنهما يشاركان معاناة المقهورين و المقصيين من المغاربة؟ هل المشكل يُحل بالثناء على الأمنيين و نصب المقصلة للسياسيين و الحديث عن العقليات دون الحديث عن القوالب المفرزة لهذه العقليات؟
لا يمكن لخطاب يحمل لغة اليقين الأحادي و يبارك عنف رجال ” الأمن” و يردد بمنطق ” رجع الصدى” لغة الشارع خاصة تلك المتعلقة بانعدام الثقة في السياسيين حيث يساوي ملك البلاد – الذي يملك سلطة مطلقة- نفسه بشعبه في مسألة فقدان الثقة في السياسيين، قلنا – إن مثل هذا الخطاب- لا يستجيب لمطالب المقهورين لا في المدى القريب أو البعيد.