جمال براجع
مع جائحة كورونا وما خلفته من تداعيات كارثية على النظام والاقتصاد الرأسمالي وعلى الشعوب، عاد الحديث من جديد عن الدولة الاجتماعية وخصوصا من طرف الرأسماليين أنفسهم أومن طرف من يدور في فلكهم من قوى اشتراكية-ديمقراطية أو ديمقراطية-اجتماعية.حديث يتمحور حول ضرورة عودة الدولة للقيام بأدوارها الاجتماعية بعدما تخلت عنها مع صعود النيوليبرالية، أو ما توصف بالليبرالية المتوحشة، منذ بداية ثمانينات القرن العشرين مع التاتشيرية والريغانية،مرجعها او مثالها في ذلك تجربة ما يسمى ب”دولة الرفاه”في أوربا الغربية وامريكا الشمالية واليابان بعد “الحرب العالمية الثانية”.
إن التركيز الآن، في ظل الازمة الخانقة للرأسمالية،على تضخيم خطاب عودة الدولة الاجتماعية هو بهدف التأثير على وعي الطبقة العاملة والشعوب وتحريف حقيقة الصراع وخلق الانتظارية في صفوفها، وإعطاء الغطاء الايديولوجي لشرعنة أستغلال الموارد العمومية في عروق الرأسمال أي ضخ أموال الشعوب وتوظيفها لانقاذ الشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية الرأسمالية من الافلاس وبالتالي إنقاذ النظام الرأسمالي من الانهيار.
إن هذا الخطاب بدأ يتهافت ويفقد جاذبيته منذ بدايته بحكم تطور وعي الشعوب والطبقة العاملة،وانخراطها في المواجهة المباشرة للرأسمالية وانظمتها كما يقع الان في الولايات المتحدة وأوربا والتي كشفت جائحة كورونا،بوضوح سافر،طبيعتها الديكتاتورية و المتوحشة وزيف شعاراتها حول الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان. فخلال الازمات تتكشف حقيقة الرأسمالية وديكتاتوريتها ومعها أوهام إصلاحها.
وفي المغرب ايضا بدأ تداول مفهوم الدولة الاجتماعية من طرف مختلف الاوساط المخزنية واليسارية،التي اخذت تدعو الى الدولة الاجتماعية مختزلة إياها في إعادة الاعتبار للادوار الاجتماعية للدولة في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والصحية …وحتى القوى التي تطرح الموضوع في علاقته بالديمقراطية لم تجب عن سؤال هل يمكن تحقيق الدولة الاجتماعية في ظل نظام استبدادي غير ديمقراطي وهو النظام المخزني وفي ظل سيادة أقتصاد الريع والنهب والرشوة والمضاربات؟ وهل يمكن تحقيقهما معا، اي الدولة الاجتماعية والديمقراطية ، في ظل هيمنة علاقات التبعية للرأسمالية ومؤسساتهاالامبريالية؟
إن تحليل بنية نظام الرأسمالية التبعية في المغرب في مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يبين لنا هناك علاقة عضوية بين البناء الديمقراطي والتحرر الوطني من التبعية الاقتصادية والسياسية للامبريالية ومؤسساتها.وكل فصل بينهما سيجهضهما معا.وكلاهما يمر عبر اسقاط النظام المخزني باعتباره العقبة الرئيسية أمام انجازهما وتحققهما. ولا يمكن فهم الدولة الاجتماعية الا في هذا السياق.أي سياق القطع مع المخزن والتبعية.
وبذلك لا يمكن الحديث عن الدولة الاجتماعية في ظل النظام القائم،لكن يمكن الحديث عن تحقيق وانتزاع مكتسبات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية عبر النضال الجماهيري الواعي والمنظم الذي هو وحده القادر على تعزيز موازين القوى لصالح الجماهير الشعبية، وعلى فرض تنازلات على النظام والكتلة الطبقية السائدة، تعزز التراكمات النضالية التاريخية للجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة في صراعها ضد عدوها الطبقي مما سيرفع من سقف هذا الصراع الى مستوياته العليا ليقتحم حلقته المتقدمة اي الازمة الثورية.
وفي معمعان هذا النضال والصراع تبني الطبقة العاملة وحلفاءها من فلاحين فقراء وفئات كادحة ومثقفين ثوريين ادوات نضالها الذاتي وفي مقدمتها حزبها الثوري القائد والموجه القادر على اعطاء ذلك النضال أفقه السياسي والاستراتيجي بالقطع مع النظام المخزني كشرط لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية في افق الاشتراكية.