الصفحة الرئيسية • وجهة نظرحوارات حوار مع فيجاي براشاد حول الثقافة والمثقف

حوار مع فيجاي براشاد حول الثقافة والمثقف

كتبه user B

تستضيف جريدة النهج الديمقراطي في هذا العدد (374) الرفيق فيجاي براشاد:  مفكر، مؤرخ، محرر وصحفي هندي، ورئيس تحرير دار النشر LeftWord Books ومدير معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية،  كتب أكثر من 20 كتابًا ، بما فيها The Darker Nations و The Poorer Nations أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان ” Washington Bullet مع مقدمة بقلم إيفو موراليس أيما.

هيئة التحرير: الرفيق فيجاي براشاد، نشكركم على قبول إجراء هذا الحوار مع جريدة النهج الديمقراطي، انطلاقا من خبرتكم وأدوراكم النضالية في المجال الفكري والسياسي، من هو المثقف وما هي أبرز قضايا الثقافة في المرحلة الراهنة؟ وما هي أبرز التحديات التي تواجهها؟ وما هي المعارك التي يجب خوضها في مجال الثقافة والفكر؟ أي علاقة للمثقف بالسياسي؟ وماهي الأدوار المنوطة بالفاعل الثقافي الآن وفي المستقبل؟

فيجاي براشاد:  مفهوم “المثقف” غير واضح هذه الأيام، سبق وكتب الشيوعي الإيطالي أنطونيو غرامشي، بدقة شديدة عن الموضع خلال فترة وجوده في سجون الفاشية، واعتبر أن هناك ثلاثة أنواع أو تصنيفات على الأقل من المثقفين؛ النقطة الأولى هي أن لكل طبقة مثقفوها، وهؤلاء المثقفون هم “عضويون” بالنسبة لطبقاتهم: الطبقة الرأسمالية لها اقتصاديوها وخبراؤها في الإعلانات والإشهارت وخبراؤها في الإعلام وغيرهم، وكذلك للطبقة العاملة والفلاحين مثقفوها، مثل المزارعين “المحترمين” الذين لديهم خبرات في علم الهندسة الزراعية على أفضل وجه، والعمال “المحترمين” المؤثرين، على مستوى أحيائهم، من خلال أفضل السبل لتنظيم الحياة اليومية (مثل التظاهرات وحتى الاحتجاجات)؛ ويكتسب هؤلاء “المثقفون العضويون” نفوذهم من خلال قدرتهم على الإجابة على الأسئلة الرئيسية لطبقتهم (إذا كان المزارع المحترم غير قادر على مساعدة المزارعين الآخرين، فإنه يفقد نفوذه الاجتماعي)؛ أما التوضيح الثاني الذي طرحه غرامشي فيتعلق بمفهوم المثقفين “التقليديين”، هؤلاء المثقفون، مثل الكهنة والأساتذة، الذين يكتسبون شرعيتهم وسلطتهم من مناصبهم (على سبيل المثال من النظام الديني أو من الجامعة) وليس من إمكانياتهم الخاصة، وبشكل عام ، هؤلاء المثقفون “التقليديون” يقومون بنقل فكر الطبقة الحاكمة إلى الطبقات الأخرى، في حين يزعمون أن أفكارهم كونية وليست محدودة في طبقتهم.

في الأخير، يعتبر غرامشي أن أحزاب الطبقة العاملة والفلاحين ينتجون نوعًا ثالثًا من المثقفين – “المثقف الجديد” ، وهو مثقف يتعلم النظرية الماركسية جنبًا إلى جنب مع نظريات المثقفين العضويين للطبقة العاملة والفلاحين، إن هؤلاء المثقفون غالبًا ما يكونون مثقفين عضويين للطبقة العاملة والفلاحين، لكنهم لا ينحدرون دائمًا من هذه الخلفيات الطبقية، وما يميزهم هو التزامهم بمشروع التغيير الاجتماعي ، ولهذا السبب أصبحوا – كما كتب غرامشي – مقنعون دائمون (Permanent Persuaders).

إننا محاطون، في المرحلة الراهنة، بالمثقفين التقليديين والعضويين للطبقة الحاكمة، ويحدّد هؤلاء المثقفون حدود ما يعتبر شرعيًا، وما يجب أن يُنظر إليه على أنه عقلاني وواقعي، إننا في خضم معركة أفكار، من أجل تكوين مجموعة من المثقفين الجدد الذين يجب أن يشحذوا تفكيرنا ويتناقضوا مع النظرة الفكرية التقليدية لما يجب فهمه على أنه واقعي وحقيقي، وهذا هو العمل الذي نقوم به في معهد القارات الثلاث على سبيل المثال؛ وتتمثل المهمة الرئيسية للمثقفين الجدد، على مستوى ثقافتنا، في إدخال عقلانية الطبقة العاملة لحياتنا، وإماطة الحيرة والارتباك من أذهاننا وتوجيهها نحو المنطق، إن المنطق لا يوجد بشكل مستقل عن العالم، بل يجب أن يولد من قلب نضالنا السياسي، وهذا هو التحدي على مستوى ثقافتنا اليوم.

ولنأخذ على سبيل المثال ما تعرفه كثير من البلدان، حيث يشكل الاختناق خطرا جسيما على صحة المرأة، إذ تعاني النساء اللائي يطبخن في المناطق الريفية باستخدام أفران الفحم، داخل الغرف، من التسمم بأحادي أكسيد الكربون، من المعروف أنه يوجد بالفعل العديد من الأفران التي لا تصدر عنها انبعاثات الدخان، ويمكن تصنيعها خصيصا للمناطق الريفية، وهو ما من شأنه إنقاذ حياة ملايين النساء، ولكن هذا لا يحدث لأن الناس لا يعرفون كيفية  إنتاج هذه الأفران، ولا يحدث ذلك بسبب النظرة الطبقية للواقع أيضا، إذ يقول المثقفون العضويون من الطبقة الحاكمة إن السوق يجب أن تشتغل (Fonction)، مما يعني أن أصحاب المال هم من يجب أن يقرروا ما يتم إنتاجه؛ لا تحتاج الطبقة الحاكمة والطبقة الوسطى إلى أفران خالية من الإنبعاثات السامة، لذا فإن قوتهم المالية تجعل الأمر يبدو أنه لا يوجد سوق للأفران الخالية من انبعاثات الدخان، لذلك فالثقافة لا تهتم بهلاك الطبقة العاملة والفلاحات بالرغم من أن الحل بسيط. إنها ببساطة لا تكترث، لهذا فإن دور المثقف الجديد في هاته الحالة هو الطعن في أفكار الطبقة الحاكمة، إننا نقول أنه حتى لو كانت النساء العاملات لا تستطيعن تحمل تكاليف التقنيات الجديدة أو حتى إذا لم يقمن “بالمطالبة” بذلك،  فإن عملية الإنتاج الاجتماعي تستلزم تصنيع هذه الأفران وتوفيرها للعاملات لمنع المذبحة التي ترتكب في حقهن؛ هذا صراع ثقافي من أجل جعل احتياجات النساء العاملات مطالب مشروعة ومن أجل تلبية هذه المطالب من خلال التقنيات المتوافرة أصلا.

إن الناشط الثقافي في عصرنا – معلما كان أو فنانًا – منغمس أيضًا في معركة الأفكار، فلا أحد يتمتع برفاهية الحياد، يجب على كل واحد منا أن يشحذ فكرنا في خضم معركة الأفكار، وأن يطور أفكارنا جنبًا إلى جنب مع نضالات الطبقات الأساسية، وأن يعزز نظرية العالم: يجب على هذه النظرية أن تفسر طبيعة الرأسمالية القائمة وفي نفس الآن أن تفهم الديناميات التي يمكن أن تقودنا نحو المستقبل الاشتراكي، هذا النوع من النظرية الديناميكية – والتي تسمى الماركسية (هي التفسير الأكثر تطورًا للرأسمالية) – هو ما نحاول تطويره، مع إدراكنا التام بأن نظريتنا ليست كاملة أبدًا، ولكنها دائمًا مرتبطة جدليًا بإيقاع كفاحنا، إننا لا نقوم ببناء نظرية منفصلة عن نضالنا، بل نظرية لتفسير العالم مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنضالاتنا، وهذا هو ما يميز الماركسية التحررية عن النظريات البرجوازية التي تسعى إلى منعنا من البحث عن الإمكانيات المتأصلة في الحاضر من أجل مستقبل اشتراكي.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا