الرئيسية » حوار الرفيقة خديجة رياضي حول حراك الريف

حوار الرفيقة خديجة رياضي حول حراك الريف

كتبه chabiba

   في حوار أجرته المناضلة والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان مع موقع اليوم 24 تكلمت فيه عن احداث الريف وعن تقييمها للأحداث هناك وقد جاء الحوار كالتالي:

كيف تنظرين إلى حراك الريف؟ 

هو انتفاضة سلمية لسكان يعيشون في منطقة عرفت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، منطقة أمازيغية تعرضت هويتها للتهميش ولاتزال، وعرف تاريخها الذي نعتز به جميعا الطمس والإنكار، فيما أخذت منه العديد من حركات التحرر الوطني الدروس والعبر. فالمنطقة لها مؤهلات كثيرة لتنمية اقتصادية واجتماعية مهمة، فيما تعتمد أساسا على عائدات أبنائها العاملين بالخارج. إنها انتفاضة تذكرنا بأن الريف عرف أكبر عدد شهداء عشرين فبراير، وهم ستة شهداء، بالإضافة إلى الشهيد كمال الحساني الذي لا يذكر كثيرا، كما عرف أقسى الأحكام في محاكمات نشطاء عشرين فبراير، ومنهم من لايزال في السجن. كل هذه التناقضات لا يمكن إلا أن تنفجر بهذا الشكل، خاصة بعد استشهاد محسن فكري، والطريقة البشعة التي توفي بها.

الحراك الشعبي رفع مطالب مشروعة كان من المفروض توفيرها منذ عقود. أنا شخصيا أهنئ سكان الريف على هذا الوعي المتميز، وهذا المستوى من النضج الذي أداروا به هذا الحراك السلمي الحضاري الذي رفع رؤوسنا جميعا. ولا يمكن إلا الاعتزاز بهذا الصمود البطولي أمام الهجمة التي ووجه بها، والتهم الثقيلة الملفقة لنشطاء الحراك، والافتراء عليهم في الإعلام العمومي، ومحاولات تخوينهم، وهي كلها أساليب مدانة، وتشكل أحد مظاهر استمرار الاستبداد المسلط على الشعب المغربي منذ عقود. 

هناك حقوقيون يرون أن تصنيف ما يعرفه الريف من اعتقالات وتدخلات أمنية ضمن خانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فيه مغالاة. كيف تقيمين الوضع؟ 

اعتبر أن المنطقة شهدت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان منذ عقود، ومازالت تلك الانتهاكات مستمرة، وستظل مستمرة مادامت المنطقة لم تعرف أي جبر للإضرار ولا الإنصاف ولا اعتذار الدولة، ومازالت تتعرض للتهميش والإقصاء، ما ينعكس على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان، وهو ما يتجلى مثلا في العطالة المتفشية وسط الشباب، والمآسي الصحية للمواطنين خاصة ما تعرفه المنطقة من نسب مهولة لمرض السرطان بسبب الغازات السامة والقصف بالمواد الكيماوية، سواء في عهد الاستعمار الإسباني أو من طرف النظام في المغرب. وعلى عكس ما يدعيه الخطاب الرسمي من أن الانتهاكات الجسيمة انتهت مع انتهاء حكم الحسن الثاني، فالمنطقة، على غرار مناطق أخرى بالمغرب، مازالت تعرف انتهاكات جسيمة، والتي ستتواصل مادام هناك إفلات من العقاب بشكل ممنهج، ما يحول دون وضع حد لها، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الجرائم الاقتصادية والبيئية… 

وكأنك تقولين عكس ما اعتمدته هيئة الإنصاف والمصالحة من اعتبار أن فترة الانتهاكات الجسيمة انتهت مع بداية العهد الجديد؟ 

أولا، وكما يعرف الجميع، فأغلب وأهم توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة لم تنفذ، وهو ما تواصل الحركة الحقوقية المطالبة به، وأكدت ذلك من جديد في الميثاق الوطني لحقوق الإنسان الذي صادقت عليه 21 جمعية في دجنبر 2013.

ثانيا، تلك التوصيات لم تكن كافية لوضع المغرب على سكة الديمقراطية والتنمية، فهي لم تضع ضمانات لعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لعدة أسباب، أهمها أنها لم تحدد المسؤوليات، فمازالت الأجهزة نفسها والمسؤولين أنفسهم الذين مارسوا الانتهاكات الجسيمة في مناصبهم دون أي محاسبة. فكيف يمكن ضمان عدم تكرارهم تلك الانتهاكات؟ والدليل على ذلك أن حالنا لم يتغير كثيرا. هذا ما سمته منظمة العفو الدولية، في تقرير لها حول العدالة الانتقالية بالمغرب، «الوعد الضائع».

وأيضا يتضح أن العملية برمتها كانت بمثابة عمل موجه للاستهلاك الخارجي وللدعاية السياسية أكثر منه مبادرة للإصلاح وبناء الديمقراطية. فبمجرد صدور تقرير الهيئة حمل إلى الدول الأجنبية، ولم يدرس مضمونه لأبناء المغاربة ليطلعوا على جزء من تاريخ نضال وتضحيات شعبهم. ذلك أن السلطة لم تعبر عن إرادة سياسية حقيقية لبناء دولة الحق والقانون، فبعد أكثر من عقد من الزمن، مازالت المحاكمات السياسية جارية، وهناك مغاربة يضطرون إلى طلب اللجوء السياسي لدى دول أوروبية، كما أن التعذيب والمعاملة المهينة متواصلان، وكذلك السيطرة على جهاز القضاء، واستعماله سياسيا للزج بالمعارضين والنشطاء في السجون، وقد تزايد في السنوات الأخيرة الحصار الممنهج للجمعيات الممانعة والتنظيمات المعارضة وحتى غير المعارضة، بل كل من تشبث بحريته وباستقلاليته عن السلطة المخزنية، سواء كان جمعية أو حزبا أو صحيفة أو زعيما سياسيا أو مثقفا أو فنانا…

باعتبارك رئيسة سابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، هناك من يرى أن هذه الجمعية لا تبحث سوى عن المناطق العتمة في سلوك السلطة، وتغض الطرف عن كل ما هو مشرق، ألا يسهم هذا في خلق عدم ثقة لدى المواطنين في تقاريركم؟ 

أولا، أنا لا أعتبر أن دور الحركة الحقوقية هو أن تصفق لإنجازات السلطة وتهلل لما تقوم به، بل دورها هو أن تقف على ما يجب تصحيحه وإصلاحه من اختلالات في سياساتها، وتذكيرها باستمرار بالتزاماتها التي قدمتها أمام المنتظم الدولي. ورغم ذلك، ومن أجل تشجيع المؤسسات الرسمية على المبادرات الإيجابية، فكلما كانت هناك أمور نعتبرها تسير في اتجاه هذه الالتزامات إلا ونذكرها في بياناتنا وتقاريرنا. وهناك أمثلة كثيرة، منها ما تحدثنا فيه عن عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث اعتبرت الجمعية توصيات هذه الأخيرة إيجابية، وطالبت بتنفيذها، وهو ما لم يتم للأسف، ولكنها اعتبرت أيضا أن تلك التوصيات غير كافية لضمان عدم التكرار. كما سجلت الجمعية إيجابيا تنصيص دستور 2011 على بعض الحقوق والحريات، وكذا على ترسيم اللغة الأمازيغية، كما سبقت وأصدرت بيانا خاصا لتهنئة المجلس الوطني لحقوق الإنسان على تقريره الخاص بالسجون، وطالبت بتنفيذ توصياته، وهو ما لم يتم كذلك… إلخ. إذن، فتهمة العدمية التي يروجها البعض الهدف منها هو محاولة المس بمصداقية خطاب الجمعية، غير أن السلطة، ومن يدور في فلكها، حين تطلق هذه التهم، تتلقى باستمرار صفعات التقارير الدولية التي تؤكد انتقادات الجمعية، من خلال الترتيب المتدني الذي يصنف فيه المغرب في مختلف المجالات.

بالحديث عن المنتظم الدولي، هناك من يرى أن الجمعية، من خلال التقارير التي تقدمها، تسهم في الإساءة إلى صورة المغرب بالخارج، إضافة إلى ما يقال عن مضامينها المسيّسة أكثر من كونها حقوقية؟ 

أظن أن هذا الخطاب أكل عليه الدهر وشرب، خاصة بعد تميز الجمعية بالحصول على أرفع جائزة لحقوق الإنسان من الأمم المتحدة، وتسلمها جائزة إفريقية أيضا، ما يؤكد أمام العالم أنها جمعية حقوقية ملتزمة بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان، وبالمنهجية الحقوقية في خطابها وفي تقاريرها. أما الذي يسيء إلى صورة المغرب في الخارج، ويضر بالوطن والمواطنين، فليست بالطبع تقارير الجمعية، بل السلطة التي لا تتوقف عن ممارسة انتهاكات حقوق الإنسان، والتي تجلب لبلدنا تلك التصنيفات المخجلة نتيجة الحالة الفظيعة لمدارسنا ومستشفياتنا العمومية، والسجون، والرشوة المستشرية وسط دواليب الدولة، وحصارها الصحافيين… وغيرها من السياسات المتخلفة، ومن ضمنها السلوك الذي تمارسه السلطة تجاه الجمعيات الحقوقية الجادة، في محاولة للتنقيص من تأثيرها. وأكبر دليل على ما أقوله هو ما حدث في يناير 2016، حيث اتصل مسؤولون من المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان ببعض الجمعيات الموقعة على تقرير موازٍ من إنجاز التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان، للضغط عليها قصد سحب توقيعها على التقرير الذي قدم بعد ذلك أمام لجنة حقوق الإنسان بجنيف، وقد كان هذا السلوك سابقة وفاضحا لصورة المغرب في المنتظم الدولي. 

لماذا نسمع كثيرا الجمعية تشتكي التضييق، في حين أن فروعها على الصعيد الوطني تزاول عملها ولم يتم إغلاق أي فرع لها؟ 

إذا وصل الأمر إلى إغلاق الفروع بشكل مباشر، سيكون الاستبداد قد أزاح القفاز الحريري الذي يخفي به الآن قبضته الحديدية، والتي لا يعرف بوجودها حاليا إلا من يتلقى الضربات بها من مختلف ضحايا القمع والتضييق. والذي يتلقى الضربات الآن ليس فقط الجمعية، بل هناك العديد من الهيئات تتعرض هي أيضا للتعسف والحصار، وهي هيئات ينطبق عليها ما قلناه سابقا حول التشبث بالاستقلالية عن السلطة. وهذا التضييق لن يَحُد طبعا من عمل الجمعية، لأن لها أساليبها لمواجهته، والتي تعتمد على الطاقات الهائلة من المتطوعين والمتطوعات والهيئات الصديقة والمساندة لها، لكنه حد من جانب خاص من عملها وهو التربية على حقوق الإنسان التي كان آلاف الأطفال والشباب وغيرهم يستفيدون منها. لذا نجد أن الدولة تضيق على برامج التثقيف الحقوقي، في الوقت الذي تدعي أنها تحارب التطرف العنيف والفكر المتعصب. فهذا السلوك أحد مظاهر التناقض الصارخ بين خطاب الدولة وممارساتها. أما الفروع، فتقريبا كلها رفضت السلطات المحلية تعسفا تسليمها وصل الإيداع، كما تحرم الجمعية، مركزا وفروعا، من حقها المشروع في استعمال القاعات العمومية. وإذا كانت بعض الفروع القليلة تمكنت، في بعض الحالات، من هذه الحقوق، فهذا ليس منة من أحد، بل هذا ما ينبغي أن يكون عليه الوضع في كل مكان.

تكلمت عن جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي جائزة سلمت لك قبل ثلاث سنوات بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، وعند العودة كان استقبالك في المطار متميزا من طرف الهيئات الحقوقية، ألم تنتظري تعاملا أفضل من الدولة تجاهك بعد حصولك على تلك الجائزة؟

أنا دائما، سواء قبل الجائزة أو بعدها، أنتظر من الدولة أن تغير من سياساتها المنتهكة لحقوق الإنسان، لأن هذا هو هدفي من نضالي الحقوقي، أما على المستوى الشخصي فليست لدي أي انتظارات من الدولة، فأنا أعلم أن الجائزة صدمت البعض، خاصة أن الجمعية كانت تواجه حملة عدوانية ممنهجة خلال فترة رئاستي لها، قصد تشويه صورتها، وصلت حد الافتراء عليها في الإعلام العمومي، وإقدام بعض أعضاء البرلمان على تنظيم ما سموه احتجاجا ضد الجمعية في البرلمان… وأتذكر أن أحد الأصدقاء الصحافيين الذين يعيشون خارج المغرب قال لي مازحا وهو يهنئني على الجائزة (تضحك): «ملي سمعت بخبر حصولك على الجائزة من بعيد، سمعت شي مرارات كيطرطقو».

ما هي المعيقات التي واجهتك كامرأة في فرض ذاتك كحقوقية بارزة، سواء أسريا أو مجتمعيا. ألا يسبب لك ما تتداوله عنك بعض وسائل الإعلام إحراجا مع عائلتك؟ 

طبعا، في مجتمع ذكوري يسير نحو ذكورية أسوأ -حسب إحدى الدراسات التي صدرت أخيرا حول نظرة المجتمع المغربي إلى المرأة، والتي أظهرت أن أكثر من 67 في المائة من المغاربة الذكور يبررون العنف تجاه النساء- في مجتمع كهذا لا يمكن إلا أن تلقى فيه النساء المناضلات عراقيل كثيرة، إلا أنني شخصيا حظيت بأسرة متفهمة ومساندة، سواء عائلتي أو عائلة زوجي، فهما أسرتان على دراية بالحياة النضالية نظرا لوجود مناضلين بها قبلي، إلا أن ما أقسى ما واجهته من عنف هو عنف صحافة التشهير المرتبطة بالسلطة، والتي حاولت تدميري من خلال استعمال الصورة النمطية للمرأة في المجتمع، كاتهامي بأنني رئيسة شكلية حين انتخبت رئيسة للجمعية، أو نشر افتراءات تمس حياتي الشخصية… لكن هذه الأمور لم تنل مني بحكم تضامن ومساندة أقاربي ورفاقي في وسطي العائلي والنضالي، والذين تجمعني بهم علاقة ثقة واحترام لا يمكن لصحافة رخيصة أن تنال منها.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا