بقلم جمال أجبرا*
كانت حركة 20 فبراير شبابية بامتياز، تخطيطا وقيادة وتنظيما… إلى درجة أن البعض أطلق عليها حركة شباب 20 فبراير، وذلك في انسجام مع "شبابية" المجتمع المغربي، باعتبار هيمنت الفئات العمرية الشابة على الهرم السكاني الوطني، وبالنظر الى ما تكتنزه هذه الفئة العمرية من طاقات متفجرة وحيوية وانطلاق في الحياة وقدرة على الإبداع وتكسير الجمود وهدم السائد والتقليد لتشييد كل جديد، وقابلية أكبر للتضحية والنضال.
سطر جيل 20 فبراير 2011 بأحرف من ذهب، مخضبة بدماء فدوى العروي وكريم الشايب والعماري والحساني وغيرهم، فصلا منيرا من تاريخ شعبنا، مكذباأسطوانة عزوف الشباب المغربي عن السياسة التي يروجها الإعلام المخزني و"مثقفو البلاط" مبتورة من أسها الموضعي، وهو رفض اللعبة السياسية بلونها المخزني، ومؤكدا شوقه إلى ممارستها في جوهرها النبيل، كذود عن الكرامة والعدالة والمساواة، وأنه يعرف بوعيه الشقي أنها لا ينبغي إلا أن تكون ممارسة دمقراطية جذرية تتأسس على النضال الجماهري من أجل دك بنيات الفساد والمفسدين ومحاكمة الجلادين وحل البوليس السياسي وإطلاق المعتقلين السياسيين، توفيرا للجو السليم لتشييد نظام دمقراطي حقيقي، يعكس الهوية المغربية الحقيقية وينيط السلطة بالشعب عبر دستور شعبي ديمقراطي تعرض مشروعه هيئة تأسيسية منتخبة على الاستفتاء الشعبي، وهو ما يؤكد رفضه "الإقبال السياسوي" الذي تطبل له الأحزاب المخزنية، أي تأثيث الواجهة الديمقراطية للمخزن وممارسة الضبط الاجتماعي في ظل واقع التفقير والتجهيل المفضوح الذي تكرسه السياسات العمومية المخزنية.
هذا الفهم الشعبي الديمقراطي الحقيقي للممارسة السياسية عبره عنه شباب 20 فبراير من خلال أرضية شكلت وعاء التقى فيه كل الديمقراطيين الشباب، متناسين اختلاف مشاربهم الفكرية والتنظيمية ليوجهوا سهامهم مجتمعة صوب الاستبداد المخزني، ومستغلين إمكانات التواصل عبر الإنترنيت،إذ إن ٪70 من الشباب المغربي يرتادون المواقع الاجتماعية، ٪62 منهم ذكور، و٪38 إناث، ما وفر آلية جديدة وسريعة للتواصل والتأطير وتبادل الخبرات والتجارب وتدقيق الشعارات والخطوات النضالية.هذه الأرضية أعلنت في المقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان يوم 17 فبراير 2011، بعد نقاشات طغت عليها روح الوحدة النضالية، وحملت مطالب علىالشكل التالي:
– دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يمثل الإرادة الحقيقية للشعب.
– حل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب.
– قضاء مستقل ونزيه.
– محاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب خيرات الوطن.
– الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية والاهتمام بخصوصيات الهوية المغربية لغة ثقافة وتاريخا.
– إطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ومحاكمة المسؤولين.
– الإدماج الفوري والشامل للمعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية
– ضمان حياة كريمة بالحد من غلاء المعيشة والرفع من الحد الأدنى للأجور.
– تمكين عموم المواطنين من ولوج الخدمات الاجتماعية وتحسين مردوديتها.
وفي الطابع الشبابي لحركة 20 فبراير أيضا إشارة صريحة إلى شيخوخة النظام السياسي القائم وحراس أعتابه الخارفة من دهاقنة أحزاب اليمين المخزني والبيروقراطيات النقابية والجمعوية…ويعكس حتى رغبة في تجاوز التقاليد النضالية التي لم تنجح في القطع مع الاستبداد (بالمراكمة عليها طبعا)، رغم الضربات القوية التي وجهتها له والاختراقات والثقوب التي استطاعت أن تحدثها في جداره، عن طريق ملاحم نضالية سطرها شباب من أجيال سابقة عليه..وهنا لا يمكن المرور دون ذكر عروس الشهداء سعيدة المنبهي والشهيدتين زبيدة خليفة ونجيا أدايا،والشهداء زروال وتهانيورحال ودهكون وعمر بنجلون والمهدي بن بركة… وغيرهم كثير، بالإضافة عدد كبير من المعتقلين السياسيين الشباب آنذاك، خاصة في صفوف الحركة الماركسية اللينينية ويسار الحركة الوطنية…
إن إقبال آلاف الشباب المغاربة على الالتحام بالنسخة المغربية من الربيع الديمقراطي، ربيع الشعوب، لم يكن إلا لوعيهم بصورية العمل الحزبي المؤسساتي، بعدما تعرض له من تمييع وبلقنة وإفراغ من محتواه من طرف الآلة المخزنية، خاصة بعد سياسة التضييق والعزل والقمع الرهيب الذي تعرضت لها فصائل اليسار الجذري والمنضمات التقدمية، ما أدى إلى إضعافها وبالتالي إضعاف ارتباطها بعموم الجماهير الشعبية، وكان تعبيرا أيضا عن السخط من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط فيها عموم الشعب، إثر توالي السياسات التفقيريةالطبقية التي يطبقها النظام المخزني تحت رعاية المؤسسات المالية الإمبريالية، والتي يعد الشباب الأكثر تضررا من مخرجاتها، وهو ما يتضح من خلال استقراءالواقع الذي يرزح تحته بتقييم بسيط للسياسات القطاعيةالتي تمسه بشكل مباشر، في كل من التعليم والتشغيل والثقافة، وهي القطاعات التي يتضح استفحال أزماتها، بحيث تسود العطالة والشغل الهش والمجحف، وضعف الحماية الاجتماعية والطرد التعسفي من العمل واستشراء الجهل والأمية الفكر النكوصي الرجعي، خاصة في أوساط شباب الأحياء الشعبية والقرى…
ولم يكن النضال الشبيبي ضمن حركة 20 فبراير إلا امتدادالنضالالحركة الشبيبية المغربية، الذي بدأ في معمعان النضال الوطني،ليتأسس مع نهاية الحماية كل من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (1956) الذي ستنتظم في إطاره الشبيبة التعليمية؛والشبيبة العاملة المغربية (1957)؛ وهو التنظيم الشبابي الموازي للاتحاد المغربي للشغل.ثم بدأت تتناسل الجمعيات التربوية والثقافية الوطنية، مثل الجمعية المغربية لتربية الشبيبة (1956).
وفي بداية الستينيات انخرطت الحركة الشبيبية المغربية في النضال ضد الاستبداد والاستعمار الجديد..وعمل النظام على منع تنظيم التلاميذ داخل أ.و.ط.م سنة 1964. واندلعت انتفاضة 23 مارس 1965 التي أطلقت شرارتها الشبيبة التعليمية، التيانبثق منها اليسار الماركسي اللينيني،ليكتسب نفوذا واسعا وسطها، مكنه من انتزاع قيادة أ.و.ط.م وبناء تنظيم نقابي تلاميذي (النقابة الوطنية للتلاميذ). كما أعطى للعمل الثقافي التقدمي دفعة جديدة (الأندية السينمائية، جمعيات ثقافية…). فرد النظام بتصعيد القمع وحظر النقابة الطلابية سنة 1973.
ورغم أن حركة 20 فبرايرقاومت احتواءها عن طريق الخطابات الرسمية والتدخلات القمعية المدعومة بالبلطجية، ولعب شباب اليسار دورا مهما في ذلك، إلا أن عوامل عدة أسهمت في تفككها؛أهمها الانتكاسة التي عرفها المسلسل الثوري الذي عم المنطقة، والانتصارات الكبيرة حققتها الثورات المضادة؛ بالإضافةإلىالقمع (اعتقالات، تعنيف، تشويه)، وعدد من الإجراءاتالالتفافية: صياغة دستور "جديد" يحافظ على جوهر النظام الاستبدادي- تنظيم انتخابات تشريعية- تنصيب حكومة بقيادة العدالة والتنمية-وشراء "السلم الاجتماعي" من خلال ضخ أموال إضافية في صندوق المقاصة وتشغيل بعض المعطلين وعقد اتفاق 29 أبريل 2011 مع النقابات،بدعم من الإمبريالية والرجعية الخليجية. زد على ذلك أن الحركة لم تنجح فيتدبير تناقضاتها الداخلية،ما سهل على النظام اختراقها؛ كما شكل انسحاب جماعة العدل والإحسان طعنة ساهمت في إضعافها.
استغل النظام حالة التفكك الذي تعرفه الحركة ليقوم بهجمة مضادة تمكن من خلالها من مواصلة ترميم واجهته الديمقراطية (إجراء انتخابات جماعية) والانتقام من المعارضة الحقيقية (ملفات مفبركة، اعتقالات، منع أنشطة، عدم منح وصولات إيداع، حملات تشويه…)؛ كما تمكن من تخفيف العبء المالي المترتب عن تكاليف شراء السلم الاجتماعي في بدايات حركة 20 فبراير بالاعتماد على قروض الإمبريالية ومؤسساتها المالية ودعم الرجعية الخليجية، وعبر إقرار إجراءات تقشفية لا شعبية (تفكيك صندوق المقاصة ورفع الدعم عن المحروقات، الإجهاز على مكسب التوظيف المباشر…).
لاقى هذا الهجوم مقاومة شعبية وشبابية هامة. وانطلقت عدد من المبادرات الوحدوية الهامة في الحقل الشبابي: الشكل النضالي الموحد الذي تنظمه فصائل التوجه الديمقراطي داخل الحركة الطلابية يوم 23 مارس من كل سنة منذ 2013- الجبهة الموحدة للنضال ضد البطالة- الاتحاد الديمقراطي للشباب المغربي… ما يؤكد أن روح 20 فبراير مازالت حاضرة تغذي المخيال الاحتجاجي الجماعي، وأن شروط تبلور هذه الروح في جسم جديد مازالت قائمة.
* عن العدد الأخير من جريدة النهج الديمقراطي- العدد 236، عدد 16-31مارس 2017