الصفحة الرئيسية • وجهة نظرقضايا الفكر والسياسة بعض القضايا الاستراتيجية لتوحيد الماركسيين المغاربة وبناء حزب الطبقة العاملة – حسين بنعيسى

بعض القضايا الاستراتيجية لتوحيد الماركسيين المغاربة وبناء حزب الطبقة العاملة – حسين بنعيسى

كتبه saad mertah

ترى النظرية الماركسية في الحزب التعبير الأرقى للوعي الطبقي، فالحزب هو انتظام معقد يربط الطليعة الأكثر وعيا من المناضلين (المثقفين الثوريين) بالقاعدة العريضة من الجماهير الكادحة. وبما أن الأمر يتعلق بحزب الطبقة العاملة، فمن الضروري أن يخضع هذا الانتظام لمصالح هذه الطبقة على شتى الأصعدة، بدءا بخطه الفكري المبني النظرية الماركسية كونها الإديولوجية الطبقية للطبقة العاملة، أي الإطار المعرفي التاريخي القادر على تحديد موقعها ودورها ومصلحتها في الصراع، مرورا بخطه السياسي الذي يفترض أن يربط مهامها التكتيكية بهدفها الاستراتيجي في الاستيلاء على السلطة وبناء الاشتراكية على طريق الشيوعية، وصولا إلى بنيته التنظيمية التي يفترض أن تتحلى بما يكفي من الديمقراطية لتتيح تطور ونضج وعي ومبادرة جماهير الطبقة من جهة، وبما يكفي من المركزية لضمان وحدة وتماسك تنفيذ الأهداف المسطرة وكذا القدرة على المناورة والاستجابة للمتغيرات من جهة أخرى.

هذه الوضعية النموذجية لما يمكن أن تكون عليه علاقة الطليعة الأكثر وعيا بالجماهير العريضة للطبقة العاملة، سبق أن أثبتت كفاءتها وصلابتها: نظريا من خلال رصيد مكتوب قيم وغزير، وتاريخيا من خلال تجارب ملهمة وخالدة استطاعت فيها الطبقة العاملة أن تجد تعبيرها الأكمل والأرقى في حزب “من طراز جديد” كما سماه عن حق لينين. ومع ذلك يبقى نقل الطبقة العاملة إلى وضعية كهذه مهمة عسيرة التنزيل، فبناء الحزب لا يمكن أن يتحقق بمجرد الإصرار الذاتي على تحقيق هذه الوضعية (الإرادوية) ،تماما كما لا يمكن أن يتحقق من تلقاء التطور العفوي للصراع في غياب الإرادة الواعية لمثقفين نذروا حياتهم للعمل على تحقيق مهمة كهذه (الاقتصادوية) .تشكل هذه الفكرة حجر الزاوية لنظرية لينين حول الحزب، وهي بالمناسبة نظرية لا تكتمل بمجرد تأمل أو استنساخ مفاهيمنا عن الوضع المطلوب تاريخيا، بل وكذلك عبر استيعاب الوضعية النقيض، وضعية غياب الحزب وضعف المنظمات العمالية التي قد يعاني منها بلد أو قطر معين في مرحلة تاريخية معينة، وهذه الوضعية تتناسب بشكل كبير مع حالة الطبقة العاملة بالمغرب، فغياب حزب الطبقة العاملة بالمغرب وضع قائم موضوعيا.

دور الأنتلجنسيا الثورية في بناء الحزب

تقودنا الضرورة النظرية في تمييز القائم عن المطلوب إلى الوقوف عند تمييز لا يقل ضرورة، هذه المرة نميز بين حركتين مختلفتين جوهريا، مع أن كل النقاش حول الحزب ينصب حول كيفية الربط بينهما:

– حركة الأنتلجنسيا الثورية.

الحركة الجماهيرية.

إن حركة النضال الجماهيري، أو بصيغة أخرى، وجود وتطور الحركة الجماهيرية، لا يتوقف على وجود الحزب من عدمه (رغم كل التأثير الحاسم للحزب)، فلهذا النضال وجود موضوعي في حركة التاريخ الذي كان وسيظل تاريخ صراع طبقات، وحركة الجماهير لا تتوقف على وجود الأنتلجنسيا كشرط لوجودها ،بل تجد أساسها المادي في التناقض الأساسي بين علاقات الإنتاج الطبقية وقوى الإنتاج التي تتطور في إطارها. والارتباط بين الحركة الجماهيرية والأنتلجنسيا الثورية، أي المثقفين البروليتاريين، أو سميهم المثقفين الماركسيين، هو الهدف النهائي لكل نقاش حول الحزب، لذلك وجب تمييز سيرورة تطور الأنتلجنسيا عن سيرورة تطور النضال الجماهيري، دون إغفال التأثير المتبادل بينهما.

فالأنتلجنسيا عموما تشكل البيئة الفئوية لإنتاج مثقفي الطبقة العاملة، ويدور في صفوفها نضال ضاري حول كل ما يتعلق بالثقافة والوعي، والإنتلجنسيا تضم مثقفين من أصول طبقية مختلفة، أغلبها الفئات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، ذوي مواقف طبقية وتوجهات إديولوجية متناقضة تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، عاكسة بذلك المصالح المتنوعة لمختلف طبقات المجتمع. في صفوف هذه الأنتلجنسيا إذن تنتج النظريات والتصورات والآراء الإديولوجية التي تحتاجها الطبقات الاجتماعية للهيمنة في الصراع الاجتماعي العام. وفي دائرة جزء من هذه الفئة، وهي دائرة الأنتلجنسيا الثورية تحديدا، حيث يمكن إذن إنتاج الوعي العلمي بحركة التاريخ وبمصالح الطبقة الثورية حتى النهاية، أن إنتاج الأطروحات النظرية والتكتيكات والاستراتيجيات والخطط التي تشكل في مجملها أسلحة لا غنى عنها للطبقة العاملة.

لنقف إذن عند وضعية الأنتلجنسيا الثورية بالمغرب وظروفها الملموسة، يلاحظ عموما ضعف وتأخر كبير في تطور هذه الفئة، ويمكن تشخيص ذلك اعتمادا على بعض المؤشرات التي نسجلها بعجالة:

  • ضعف الإنتاج الفكري الذي يميز عادة هذه الفئة، فأغلب الماركسيين بالمغرب يقارب رصيدهم المكتوب صفرا في مجالات الاقتصاد والسياسية والتاريخ.. إلخ.

  • ضعف الامتداد في صفوف الشباب، وخاصة الشبيبة التعليمية، فالطلاب مثلا فئة نوعية يفترض فيها سرعة التفاعل مع أبرز الأطروحات الثقافية والإديولوجية والسياسية التي يطرحها المثقفون، وضعف وانحسار الحركة الطلابية بالمغرب –رغم تاريخها المجيد- إنما يعكس في جوهره تراجع وانحسار الحركة الثقافية والفكرية للأنتيليجنسيا.

  • ضعف التأثير الإعلامي والثقافي للماركسيين المغاربة في المجتمع، والضعف الكبير لوسائط التثقيف الجماهيري.

  • هامشية التأثير في الفضاءات الإلكترونية، إذ أن صناعة المحتوى الرقمي من طرف الماركسيين المغاربة منعدمة تماما، وهذا مؤسف جدا خاصة إذا قارناه بتيارات إيديولوجية ولدت “البارحة”.

نكتفي بهذه المؤشرات، والخلاصة أن وضعية الماركسيين بالمغرب تطرح أولوية بناء وتطوير أنتلجنسيا ثورية ناضجة كما ونوعا، غزيرة الإنتاج وقادرة على التأثير في ساحة الصراع الأيديولوجي، ليس فقط لأن نضج هذه الفئة يشكل شرطا تمهيديا لبناء حزب عمالي طليعي ذي موطئ قدم ثابت وموجه في صفوف الطبقة العاملة وحلفائها، بل وكذلك لبلورة خط سياسي وإديولوجي سليم ينسجم مع مصالح هذه الطبقة وتحديات ممارستها للصراع الطبقي، مشكلا بذلك محور استقطاب وجذب مقنع وواعد، يلف أكثر المناضلين مهارة وكفاءة ووعيا، فتوحيد الماركسيين ليس تجميعا كميا للأفراد والجماعات، إنما هو تعبير عن مستوى معين من التجانس والانصهار الفكري والسياسي، يتحقق في غليان الصراعات والتفاعلات الإيديولوجية بين الأقسام المختلفة من الأنتلجنسيا الثورية.

إشكالية الخط السياسي والأيديولوجي

مما لا شك أن وحدة الخط السياسي والإيديولوجي تشكل أهم عقبة أمام توحيد صفوف الماركسيين المغاربة، فأطروحات التيارات الماركسية بالمغرب متباينة جدا خاصة فيما يتعلق بالمسائل الاستراتيجية، والتي تجر ورائها في جميع الأحوال تقييمات وأطروحات فكرية أكثر تباينا وأحيانا متناقضة وعصية على الحل، وهذا طبيعي أولا بالنظر إلى حجم الرصيد التاريخي للحركة الشيوعية العالمية، وثانيا، لغياب تيار طليعي ذو نفوذ سياسي وتنظيمي حاسم، كما كان عليه مثلا الاتحاد السوفياتي سابقا، إذ أن الأخير مارس طيلة عقود هيمنة فكرية ساحقة في مختلف النقاشات التي عصفت بالحركة الشيوعية العالمية، بما فيها النقاشات المتعلقة بتقييم التجربة السوفياتية نفسها، أما الآن وقد زالت هذه الهيمنة، فإن أغلب التيارات والعصب الماركسية تتمسك بتقييماتها الفكرية الخاصة، مايجعل التجانس الأيديولوجي والسياسي المفترض، مسألة شاقة وأحيانا مستعصية، خاصة إذا أخدنا بعين الاعتبار ما سبق وناقشناه من مستوى تطور الأنتلجنسيا الثورية وضعف مردوديتها.

إلا أن المسألة ليست مع ذلك دون حل، فالتقليد الذي ينطلق من ضرورة الاتفاق الفكري حول سردية تاريخية مطلقة كشرط للخوض في أي نقاش حول توحيد الخط السياسي والإيديولوجي بين الماركسيين، إنما هو تقليد خاطئ يفرغ عبارة “الخط السياسي والأيديولوجي” من كل محتوى، فالخط السياسي والإيديولوجي لا يبنى انطلاقا من يافطات موروثة جاهزة، إنما يبنى انطلاقا من القضايا والإشكالات الموضوعية التي تطرحها الحركة، والحركة في حالتنا هذه ليست سوى حركة التحرر الوطني لبلداننا العربية، فإذا اتفقنا حول الإشكاليات الموضوعية التي تطرحها هذه الحركة من الزاوية التاريخية، لن يستحيل تحقيق التقارب الفكري حولها ما دامت تطرح نفسها بشكل مستقل عن وعينا، آنذاك فقط يصير كل استحضار للتقييمات والتجارب التاريخية ذا معنى، أما الاختلاف في معالجة هذه الإشكاليات، فيتم الاحتكام فيه إلى المنهج المادي التاريخي، أي الماركسية كعلم، لا إلى “الماركسيات الأيديولوجية”، أي اليافطات والشعارات الإيديولوجية لهذا التيار أو ذاك.. البداية إذن ليست في الاتفاق حول المواقف والإجابات، بل أساسا في الاتفاق حول الإشكاليات والأسئلة الموضوعية التي تطرحها الحركة ببعديها التاريخي والبنيوي.

أقترح بهذا الصدد مناقشة في أفق تدقيق مسائل وقضايا تبدو ملحة من زاوية التطور الحالي للصراع الطبقي بالمغرب والمنطقة، بعضها مطروح أصلا للنقاش، وبعضها الآخر يبدو أنه لم يأخذ بعد حقه رغم أهميته:

* في الطبيعة الجوهرية للثورة الراهنة:

  • حركة تحرر وطني أم تحرر اجتماعي؟

  • -جبهة وطنية أم جبهة اجتماعية؟

* في المسألة القومية:

  • ما علاقة نضال كادحي المغرب بكادحي مجمل الوطن العربي؟

  • ما علاقة القومي بالأممي؟

  • هل يمكن تحقيق اقتصاد وطني أو حتى اشتراكي ضمن الحدود الاستعمارية القائمة؟

* حول التحديات الاقتصادية:

  • ما طبيعة الاقتصاد المنشود: رأسمالي ليبيرالي وطني؟ رأسمالية دولة وطنية؟ طريق الانتقال إلى الاشتراكية؟ اشتراكية محضة؟

  • ما خصائص الاقتصاد العالمي في المركز والأطراف واتجاهاته الرئيسية في المرحلة الراهنة؟

  • ما موقع الصين وروسيا ومشروع “أوراسيا” عموما في المنظومة العالمية الحالية؟

* قضايا سياسية مصيرية:

  • هل تغير موقع القضية الفلسطينية في حركة التحرر الوطني؟ وما التحديات الراهنة للمواجهة مع الصهيونية؟

  • ما الموقف الذي ينبغي تكوينه من “محور المقاومة” في المشرق العربي؟ ومن عموم الأحداث والحروب والانتفاضات التي تعرفها المنطقة؟

  • كيفية التعاطي مع خطر القوى الفاشية الدينية والطائفية والعرقية؟

  • الإشكالات المرتبطة بقضية/مفهوم الديمقراطية؟

* حول بعض التحديات الثقافية:

  • نظرة الشيوعيين إلى الدين الإسلامي؟

  • ما موقع الشيوعيين من الجدال الدائر حول العلمانية؟

  • كيف ينبغي التعاطي مع مسألة التراث؟

  • كيف السبيل إلى طرح وتبني فعلي للمسألة الأمازيغية في البلدان المغاربية؟

  نرى أن تمحور النقاش حول هذه القضايا مدخل لا غنى عنه لتوضيح إستراتيجية التغيير الثوري بين عموم المناضلين وبالتالي تحفيز سيرورة توحيدهم أو على الأقل ضمان الفرز والوضوح الفكري فيما بينهم، على أن هذه النقاط ليست شاملة ولا كافية، لكن مبتغاها المعلن هو المساهمة في دفع مجمل النشاط الفكري والدعائي والسياسي والنضالي ليصب في نفس الاتجاه، كمدخل لوضوح وتطوير خط سياسي وإيديولوجي سديد ينطلق من الحاجات الراهنة للحركة، لا من الخلافات المتراكمة لعقود في صفوف الماركسيين المغاربة.

نشر هذا المقال في جريدة النهج الديمقراطي العدد 350

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا